النشيدُ الوطني لربابنة السفن وأُمراء البحار

خاص- ثقافات

* سميحة المصري

(البحرُ نصفُ المعرفة، والنصفُ الثاني كل ما عَداه

أمّا المعرفة المُطلقة فهيَ الله

وهو كل هذه البحارُ واليابسة والجنّات والشُموس والأقمار) ………………………………

ليسَ من بدءٍ إلا الآن.. فأبدأوا

وليسَ من نهايةٍ إلا الآن..

فاختموا ببدء الحياة …

أنتم أيها البحّارة:

عندما تزورون، يجبُ علينا أن نُصبح كُلنا بدوا ونطلقُ النار لكم

ونَسقيكم شرابَ الدُنوْ، ونغنّي. ونكتب لكم رسالةً بماءِ الزهر

ثم تأخذوننا رحلة في بلاد العجائب!

نزورُ معاً طلولَ اللات والعُزّى وهُبل

وأشياءَ قديمةً أُخرى..

فقد وصلَ الطوفان وأنتم أملنا في ركوبِ السُفن

على شرفِ المطر والسَماء احتفالكم الليلة

فأنتم عماليقَ البحر يؤيدكم السمك الأزق بلونِ بحركم

عُراةً مثلَ المَطر ولكنكم ستعودونَ إلى سيرتكم الأولى

 تلبسونَ بِحار الأرض

بعد الاحتفال .

 شيءٌ من الإله مُهدى لكم، فكونوا على قدرِ العطيّة

رباتُ البحار ينتظرنكم بالزهور

حبيباتُ الماء

ساحراتُ الشواطئ

حاملات جِرار الأعمار، لا يتطيّرنَ من الموت

غاسلات القلق، مُقدّمات الفَرح للعائدين من الحربِ الى الحب

راميات الأحباب بالورود، وبالغناءِ، وبالبخور

أمهات الكيد، رقيقات الطين سليلات صويحبات زُليخا

وأنتم أصحابَ المجد والأحلام

ها أنتم تصونونَ عِشرةَ الحرب

تُخبئونَ الأحزان العميقة في جيوبِ بزّاتكم

تتركونَ على الجبالِ طُرقكم خالية وناياتكم

ومناديل الدمع المتروكة ليبردَ دمعها

فالسلامُ على من أسكنَ البحر في عينه

السلامُ على من ماتَ في قلبِ البحر، موتٌ في قلبِ حياة

العربات التي تجَرها الأحصنة (الجيدة) ليستْ لكم

أنتم لكم العطش، من الماءِ الى الماء..

ولكم كثيرٌ من اللازورد

فشكراً للرسل، شكراً للأنبياء

 شكراً للأمهات، شكراً للحبيبات

شكراً لكل بحّار في بلدٍ لا مقاصل فيه

شكراً لكلِ عاشقٍ في وطنٍ لا خناجرَ فيه

شكراً لكلِ جُندي في بلادٍ لا حدودَ لها

وكل شتاء وأنتم سيول

وكل غيوم وأنتم مطر

وكل احتفال وأنتم أبطالا …

يا ربابنةَ البحار خذوا عني تِسع وصايا:

هذا هو نشيدكم الوطني فلا تُقسموا بدموعِ الهزيمة

 ولا بِغصّات الموت ولا باحتمالِ الخِيانة

 قبلَ أن تُهاجرَ الريحُ بِجوعكم ويتمكم

قِفوا على الشاطئِ وأدّوا تحيتكم العسكرية بملابس بحّارة فارهة الأبهة، ولكن قبل ان تصلوا الشواطئ خذوا نفسا عميقا..

استحِمّوا من التعبِ الذي حاقَ بكم

 أدّوا واجبَ أحذيتكم، فهي دليلٌ حيّ على أنكم جُبتم بها الأرض وأقدامكم بداخلها!

جَففوا وجوهكم من البلل

وخُذوا عهداً على عيونكم ألا تُبللها من جديد

 وأنتم تشهدونَ العرضَ المُتعارض مع سنّة البحر …

عدّوا بعضكم قبلَ أن تقِفوا رافعينَ رؤوسكم وأيديكم صوبَ الغرق

فالبحرُ لا أمان له ولا السفينة

المرسى هو من وقّعَ عهود الأمان

التقطوا صوراً تليقُ باللحظة والتاريخ وارموها في الهواء

(نكايةً في [عُلماءِ] التزوير)

اشربوا شايَ الصباح بنكهةِ البحر الذي تقفونَ أمامه

(نكايةً في العطشِ الحُلو)

عُدّوا البحارَ بحراً بحرا

فكُلها مُهلِكةٌ الا بحار الشعراء، لمن أراد ان يغرق فالقاع حنون

احرصوا على تذهبوا في الصباحِ الباكر

أو في المساءِ الباكر لا يَهم

أو عندما تُمطر السماء فلسفتها من الماءِ والعصافير (نكايةً في الزمن)

مسألة الوقت غير مهمة.. كلنا لا تعنينا مسائل الوقت لأننا نحب النوم

أنا اتابعكم من بعيد

لا تهتموا لأقواسِ النصر الكثيرة

فلستمْ أبطالها وليست دليل تاريخ ومجد عريق..

واسألوا أقلام المؤرخين وضمائرهم!

(نكاية في التأريخ):

لقد شيدها الرعاة ليتفيأوها وأغنامهم وناياتهم

كونوا كما الغرانيق البيض (رسول حمزا توف)

ليتحدّث كل واحدٍ منكم: أنا الناجي الوحيد

أنا العاشق الوحيد

أنا أحب يا بلاد، فلا تقتلي

لمْ تحِنْ ساعةُ الغرق بعد يا بلاد.. فلا تَجْبُني

الحبيبةُ قالت إنها تبكي على البحّار الذي أحبها وقالَ لها سوفَ أعود وركبَ البحرُ ولا زالت تنتظر..

البحارة لا يعودون

والبحرُ لا يُجبرُ أحداً على الرجوع

والقواربُ البطيئةُ تذهبُ الى الجنة

وأما السريعة فإنها تذهبُ الى الجحيم بسرعةٍ مُذهلة

……………

رفاقي البحارة: إليكم: قبلَ / وكي.. لا تُدَحرج الريح البحر

……..

لا الموانئ هي الموانئ.. والا المراسيلُ هي.. ولا نَحْنُ نَحِنُّ ..!

فلتهدأ البحارُ الهائجة …

إنني أؤمنُ بِرؤى الأولياء، ولا أحبُ أن أبقى عبداً للأمل /وكذا/ لا أرتضي أن يبقى سيدي. فقوموا.

ضيعوا – حينما تصيرونَ شغوفين بالأشياء – في شَغفكم

ثقْوا بطهارتكم فأنتم بيضٌ كالفرائسِ النائمة

كونوا كذخيرةٍ مقدسة

لا تغادرُ مخابئها إلا لصدورِ الأشرار

لا لتقتلهم، بل لتعلمهم درسَ الحكمة وما وَرّثَ الأنبياء،

علهم يصبحونَ عشاقا، أوطانا، أحصنة، أربابا …!

 فقط اربتوا على أكتافِهم ….

…………………….

وأنت يا سيدتي: غدا عندما يعودُ من تبقّى من العساكرِ لا تركضي لاحتضانِهم

فلربما تَحسسَ أحدهم عكازه ولم يجدها فيقف مكانه وتنذهلين

معتقدةً انه خائن.. او توقف عن الحب..

لا باعةً ورد في ساحاتِ الحروب يا سيدة

والأرضُ المحروقةُ بعد الحربِ يتأخرُ فيها ظهور الورد

تعالوا، تعالوا فالليلة عيد

 وكل الأشياء تجئ وتغلق خلفها (البيبان)

 وبعض الأشياء لا تذهب، وبعدها لا تجئ

لا تلقوا بأسئلتكم، فلن يجيبكم أحد

تعالوا، قبل ان تأتي الريح ومعها غبارها

فالريحُ تعرفُ كيفَ وبمنْ تعصفُ وتلعب

وفي الطريقِ لا تنظروا الى الوجوهِ المُعتمة

ولا تدوسوا الورد النيئ

ولا تنظروا الى الزهرِ الذابل

ولا تبحثوا عن الحقيقة ولا تدوسوا النمل

لا تحبوا الوجوه التي ليست لكم

ولا تعشقوا نصفَ عشق يبهتُ.. وتقلقون

لا تحلموا بعروش فالكمالُ صاحب الله

ولكن.. تمردوا!

الصمت الذي يعبرُ القلب فضيحة وليسَ الكلام

الصمتُ مُرٌّ، فتحدثوا …….

أُبشركم بأن الله يغفرُ ذنوبَ الذين تركتهم السفنُ على الموانئ

والذينَ نزلوا من السفنِ ولم يستقبلهمْ أحد..

والذينَ بقوا عالقينَ بين آخر موجةٍ وأول بَرّ

والبردُ على القلوبِ ولا دُثار..

آه: وستموت الحرب بولائِها الضال عندما يهبُ السكوتُ على البلاد

فلا مارة ولا ضجيج ولا صبايا ولا شُبان يحزنون

ولا رسائل ولا حتى من ينتظرُ ساعي البريد

والمقهى المجاور ستكثرُ الكمنجاتُ به

والعازفُ الحزين سيشربُ الشاي وحيداً

وسيفرح المبللونَ بالأمل أصحاب الالآم القديمة. هم وحبيباتهم..

اصغوا: مثل القديسين الذين أُخذوا الى فوق

اصغوا جيداً قبلَ أن تدخلوا في الخدرِ الطويل..

ستموتُ الحرب، لأن الأمراض استشرت في اهلِ الأرض.. سيموتون وستموت الحرب قريبا جدا.

  امنحوا الغفران، وابدأوا الحب   .

أيها البحارة قولوا للرب ختاماً:

وأنْ لا يُبكينا دَرْسَ الإنشاءِ وَقْتَ تَجَلّيكَ …آمين

نعم / كان النصُ عن الموجِ المُتردد على الشاطئ، وعن الملح المرافق، وعن المحار والسمك المتعب ، وعن الذين يقضون المساء سيراً على الأقدام على الشاطئ المطل علينا .وعن الغريبة التي وقفت على الشاطئ قبل أن تقلع السفينة الى قلب البحر ، وقال لها البحّار احبكِ وأفلت حبل السفينة …عندما يبدأ ثم ينتهي  كل هذا سأكتب عن :

الجزء الثاني من النشيد الوطني ..

 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *