“أمازون”.. ربيع عربي جديد في عالم النشر؟

*هيثم حسين

أُعلنت، قبل شهور، صفقة استحواذ شركة “أمازون” العملاقة على شركة “سوق.كوم” العاملة في الشرق الأوسط، وقد أثارت الصفقة التي وصلت إلى مئات الملايين من الدولارات ردود أفعال كثيرة. ذلك أنّ دخول “أمازون” بإمكاناتها الهائلة إلى السوق العربيّة، لا بدّ أن يحدث نقلة مهمّة في عالم التسوّق الإلكترونيّ، وسيفرض إجراءات وتدابير جديدة في مسعى للتأقلم مع هذه الخطوة ومواكبتها.

تبدو شهيّة شركة “أمازون” مفتوحة، تبحث بشراهة عن الجديد والمبتكر في عالم التسوّق الإلكترونيّ الذي يصل إلى مليارات الدولارات، وتسعى للانتشار والتوسّع في مختلف المجالات، وهي بصدد إطلاق قناتها الخاصة ومكتبتها السينمائية والدرامية والدخول في منافسة مع “نيتفليكس” الشهيرة في هذا المجال.

السؤال الذي يثيره دخول أمازون إلى السوق العربيّة، وبالتحديد في عالم الكتابة والنشر، يتمحور حول إمكانية إحداث أمازون ثورة في النشر العربي؟ ترى هل تطلق أمازون تطبيقها المتعلّق بالنشر الذاتيّ عبر منصّاتها المخصّصة للقراءة الإلكترونيّة من خلال “الكيندل” – القارئ الإلكترونيّ الخاصّ بها؟ هل القارئ العربيّ مهيّأ لهذه الخطوة؟ هل الكاتب العربيّ مقبل على علاقة جديدة مختلفة مع الناشر؟ هل تكسر المحسوبيّات التي تقيّد النشر في العالم العربيّ؟ هل يجد الناشرون العرب أنفسهم في مواجهة مع عملاق عالميّ في ملعبهم؟

يعتمد النشر الذاتيّ في موقع أمازون، والذي لاقى نجاحاً ورواجاً في الغرب بحسب تجارب معلنة، على إدخال بيانات شخصيّة وملفّ الكتاب المراد تحميله ونشره، ولا تستغرق إجراءات التسجيل والعرض للنشر سوى بضع دقائق بحسب ما يُعلن عنه في الموقع الإلكترونيّ، وتكون هذه الإجراءات عبارة عن خطوات ضرورية للتحقّق من شخصيّة الراغب بالنشر، وحسابه البنكي وعنوانه وتفاصيل متعلقة بالجانب الضريبيّ في البلد الذي يقيم فيه.

تتيح أمازون خدمة النشر الذاتي بلغات عديدة، وليست اللغة العربيّة من بينها حتّى الآن، لكن لا شكّ أنّه مع دخول الشركة إلى السوق العربيّة، ستحاول تقديم مختلف خدماتها، وتوسيع دائرتها، وفتح سبل جديدة للكسب، وليس مستبعداً أبداً أن تكون خدمة النشر الإلكترونيّ الذاتيّ من بينها، وهنا يكون التحدّي، وتكون المواجهة.

يتمثّل التحدّي في قلب العلاقة التي تظلّ متأزّمة ومحفوفة بسوء الفهم، أو الاستكبار والاستغلال من قبل بعض الناشرين، والزعم الدائم من قبلهم بأنّ سوق النشر في العالم العربيّ خاسرة، وأنّ دور النشر خاسرة، والعرب لا يُقبلون على الشراء ولا على القراءة، وتكون القرصنة الإلكترونية نكبة على الناشر الذي يتكبد تكاليف باهظة ليتمكّن من تسويق كتبه وتوزيعها في المعارض والمكتبات في مختلف الأمكنة.

أمّا المواجهة فتتمثّل في دخول أمازون، كمنافس مباشر مع دور النشر، وإطلاق صيغتها في النشر، الصيغة التي تكفل للكاتب حقوقه التي تصل إلى 70% من سعر الكتاب، ولا يخفى أنّ هذه النسبة، للكاتب في العالم العربيّ، هي حلم غير قابل للتحقٌّق بأيّ شكل من الأشكال مع الناشر التقليديّ الذي بالكاد يعطيه – وبتمثيل التكارم عليه وتمنينه وزعم وادّعاء الخسارة معه – نسبة لا تتجاوز 15% في أفضل الأحوال، أو عشرات النسخ من كتابه من دون أي نسبة، أو تبقى النسبة شكلية ولا تُمنح أبداً وتكون محلّ تسويف دائم.

مع خدمة النشر الذاتيّ المحتملة، ستنقلب العلاقة بين الكاتب والناشر. فالكاتب قد يستغني عن الناشر التقليديّ تدريجياً، وسيكون لديه خيار التعاون مع شركة عالمية عملاقة تتيح له نسبة ربح جيدة، بالإضافة إلى آلياتها التسويقية الكثيرة والمتشعّبة، والتي تغنيه عن سؤال الإيصال إلى هذه المنطقة أو تلك، لأنّ خدمات “أمازون” متاحة بسهولة ويسر في الكثير من الدول، ولا تحتاج إلّا كبسة زرّ، وبمبالغ تقلّ عن أسعار النسخ الورقيّة.

النشر الذاتيّ لا يعني القضاء على الكتاب الورقيّ، كما قد يتخيّل البعض، ولا يعني أنّ الكاتب لن يستمتع برؤية كتابه مطبوعاً بشكل ورقيّ، كما لا يعني خلق نوع مختلف من القرّاء، ولا يكون في إقصائهم عن حميميّة الورق. بل هناك إمكانية لطلب نسخة ورقيّة من الكتاب، وتقوم الشركة بطباعته للراغب وإرساله إليه، وهنا تحاول التوفيق بين رغبات القرّاء المختلفة وتوجهاتهم، بحيث يكون الإلكتروني متاحاً بسعر زهيد مناسب عادة، والورقيّ بدوره متاحاً، ربّما بسعر أعلى من سعر الإلكترونيّ، لكن نسبة الكاتب تبقى محفوظة في الحالتين.

قد يتخوّف البعض من أنّ النشر الذاتيّ سيخلق فوضى في عالم النشر، وسيؤدّي إلى نشر ما هبّ ودبّ في فضاء العالم الافتراضيّ. لكنّ لابدّ من الإشارة إلى أنّ هذه الفوضى المحتملة لن تكون مفروضة على القارئ كخيارات محدودة، بل سيغدو القارئ سلطة رقابيّة، يُعلي من شأن كاتب ما ونتاجه أو يهمّشه حين لا يرتقي إلى ما يتأمّله لديه.. وهنا أيضاً نكون أمام ثورة في قلب العلاقة بين سلطة الناشر والكاتب والقارئ.. السلطة تكون للقارئ، للشاري باختياره المعتبر، وليس المنتقي فقط ممّا تعرضه دور النشر بانتقائيّتها، والتي قد تكون مقيّدة له ولرغباته وخياراته أو مقولبة لها.

يدرك المطّلعون على تفاصيل النشر في العالم العربيّ أنّ كثيراً من الكُتّاب – الجدد منهم بشكل أكبر – يعانون من سوء معاملة الناشرين، ويتعرّض بعضهم للاستغلال، وقد يضطّرّ آخرون إلى دفع تكاليف طباعة كتبهم بعد أن يوصلهم ناشرون من هنا وهناك إلى درجة من الإحباط واليأس، بحيث يشكّكونهم في أنفسهم وكتابتهم، وفي مهاراتهم الكتابيّة ورسالتهم وقدرتهم على إيصال أصواتهم ورؤاهم وما يرغبون فيه إلى القارئ المفترض والمأمول. لكن ذلك قد يصبح من الماضي، وربما قريباً.

يبدو أنّ سوق النشر في العالم العربيّ ستشهد تغييراً في المستقبل القريب، ستكون أمام ثورة في ميدانها، وستكون هناك آليّات جديدة تحكم علاقات الكُتّاب بالناشرين وبالقرّاء، وقد يصير لدينا جيل جديد من الكتّاب: “جيل أمازون” للنشر الذاتي..

“أمازون” قادمة بشراهتها وضراوتها، فلتشدّوا الأحزمة أيّها الناشرون.. ولتتهيّأوا لحلم جديد أيّها الكتّاب!
___
*المدن

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *