القاهرة- «من المؤكد أن فوز الروائي الياباني ياسوناري كاواباتا بجائزة نوبل للآداب يشكل أحد أبعاد الاهتمام الكبير بأدبه، على المستوى العالمي، لكنه أيضاً ليس البعد الوحيد ولا الأكثر أهمية» هذا ما يؤكده المترجم الكبير كامل يوسف حسين في صدر ترجمته ل«قصص بحجم راحة اليد»، موضحاً أن كاواباتا كان محظوظاً على المستوى العربي، فقبل هذا العمل ترجمت سبعة أعمال لكاواباتا إلى العربية، هي على التوالي: «حزن وجمال، البحيرة، ضجيج الجبل، الجميلات النائمات، بلاد الثلوج، راقصة إيزو، سرب الطيور البيضاء»، لكن المشكلة أنه برغم ترجمة هذه الأعمال لا نجد تعريفا حقيقيا بهذا المبدع الكبير في العربية، ففي رواية «البحيرة» على سبيل المثال لن نجد إلا 12 سطرا أوردها الناشر على الغلاف الخلفي للرواية، على سبيل التعريف بكاواباتا، والأمر نفسه ينطبق على الأعمال الأخرى مع اختلافات بسيطة.
المحصلة النهائية إذن هي أن كاواباتا يطل علينا، عبر هذا كله، لغز محيرا، لا سبيل إلى فهمه، ويقول كامل حسين: «ما نحاوله هنا لا يعدو أن يكون محاولة لفض تشابك غابة حقيقية من علامات الاستفهام حول كاواباتا مردها محدودية ما نعرفه عنه، وغياب أي محاولة حقيقية لتحليل جوانب عالمه الإبداعي وفهمها، والواقع أن علامات الاستفهام هنا مادية تطرح حتى يبدو بوضوح أن لها بداية، أما النهاية فأمر متعلق بالمزيد من الجهد في معرفة هذا الكاتب الكبير.
تتشابك الأسئلة حول كاواباتا: هل كان رجل تحديث أم داعية للقديم؟، أكان حقاً عاشقاً للسلام أم داعية للحرب يمضي العديد من أيامه في قواعد الطيارين الانتحاريين «الكاميكازي» مباركاً أعمالهم؟ أكان مندداً بالانتحار أم كان من الداعين له في مواجهة المستحيل على نحو ما يبين من إقدامه على الانتحار بالغاز؟، أكان داعية لرفض انغماس الأدب في السياسة على نحو ما حاول طوال عمره؟ أم كان من المناصرين لهذا الانغماس كما أكد في العام الأخير من عمره؟، أكان من عشاق الجمال الخالص أم من القائلين بأن الجمال الخالص لا وجود له في عالم البشر؟ أكان رجلا زاهدا يرى استحالة لقاء العاشقين بحكم طبيعة العشق ذاته؟
يرسم كامل حسين لوحة لكاواباتا المولود في 11 يونيو/حزيران 1899، حيث فقد والديه وهو في العام الثاني من عمره، ولحقت بهما جدته بعد فترة قصيرة وتبعتها أخته الوحيدة، ثم فقد جده الذي تولى رعايته منذ أن كان في السابعة من عمره حتى وصل إلى الرابعة عشرة، وكان من الطبيعي أن تمهد أحزان السنوات الأولى من العمر الطريق أمام مناخ الكآبة العميقة الذي اتسمت به أعماله، في مرحلة النضج، ويلفت «دليل الأدب العالمي الحديث» النظر إلى أن كاواباتا أدرك وجه التشابه بين الانتقال من موضوع إلى آخر من الشعر الياباني، وفي الأساليب الأوروبية الحديثة، وأنه نجح في استيعاب هذه الأساليب عبر المزيد من التأمل والتدقيق.
استمد كاواباتا جانبا كبيرا من جماليات إبداعه من التيارات التي راجت بعد الحرب العالمية الأولى كالتعبيرية والتكعيبية، طبقا لدائرة المعارف البريطانية، لكن هناك مقالاً بعنوان «ياسوناري كاواباتا 1899-1972 التقليد في مواجهة الحداثة» لا يتردد في القول بنقيض ذلك، مؤكدا أن كاواباتا رجل الدعوة إلى التمسك بالأعراف والتقاليد، وبكل ما هو قديم، وأنه سعى إلى الحفاظ على عالم التقليد في رواياته، قبل أن ينزاح هذا العالم إلى رحاب النسيان للأبد.
أين الحقيقة من هذا كله؟، على الرغم من أن الكثيرين يشيرون إلى معالم الحداثة في الأسلوب في رواية «بلاد الثلوج» بخصائصه التي تقوم على الإيجاز، وتجنب الإغراق في الوصف والتخلص من العبارات الطويلة المركبة، لكن الجمال لا الحداثة، هو ما كان يشغل كاواباتا في غمار كتابته هذه الرواية، على امتداد سنوات إنجازها الطويلة.
يشير كامل حسين إلى أنه في ضوء شهرة روايات كاواباتا وحرص الأكاديمية السويدية المانحة لجائزة نوبل على الإشادة بهذه الروايات، خاصة «بلاد الثلوج» و«ضجيج الجبل» قد يخيل إلى بعض القراء أن قصص كاواباتا القصيرة تحتل الهامش، وليس القلب والمركز من ملكوته الإبداعي، ويحذر المترجم الكبير من خطأ لا يستهان به، قد يقع فيه القراء، عندما يخلطون بين الطابع الدقيق والمراوغ والمستعصي على محاولات الإمساك بناصيته، لقصص كاواباتا وبين الخفة، التي قد تكون مرادفة للسطحية وهناك أيضاً من قد يجد مجالا للخلط والالتباس بصدد هذه القصص، فيرى أن غياب التأكيد القوي من جانبه على بعد بعينه في كل قصة هو بمثابة افتقاد من جانب موضوع القصة للمعنى والمغزى بمفهومه المطلق.
ويحذر كامل حسين القارئ أيضاً من أنه قد يرى أن الفقر الشديد لبعض القصص يعكس استنزافاً للقوة الإبداعية، وبالتالي تغيب عنه الحقيقة الأساسية، المتعلقة بميل الإبداع الياباني إلى رؤية الكون كله فيما هو موجز ومختصر إلى أبعد الحدود.