خاص- ثقافات
*الاطرش بن قابل
أتى الخريف على غير موعده، فقد اختار الوقت المناسب، اغتصب الربيع واغتال الصيف جنينا.
دخل متبخترا، علِم ترحيبي به، فقد كان ربيعي ساكنا ،غير حي تتساقط أيامه صراعا دون مقاومة، استسلمت للموت لتأكلها الغربان جيفا،سنون تتلوها سنين .
أيام كانت بلون نهايتها لا تولد حتى تشيخ ..لم تعرف طعم الأشياء حتى ما تعارف عليه سكان الربيع من حب، استكشاف، سفر و رحلات…. تآكلت ،.اندثرت.، هوت.. باعت نفسها للخريف بل باعت عفتها …استوطنها قضى عليها دمر تاريخها أنشأ المحاكم زجر المتمردين منها ..
تلك الأيام الثائرة لم تكن بالكثرة التي تخيفه تتسلل خفية إلي ،تريني بعض ما ضيعت، تسترق ضحكات في غفلة من الخريف، قّل ما تبيت فالخريف الذي أعرفه صارم بتار حــدّ السيف له روح الصقر و مخالب الأسد لا يعرف الرحمه ولا يرأف حتى بالمسالم منها، يستهويه القتل يستبيح دمها الساخن قبل أن تجيف ..ما كان ليحيرني الخريف بجبروته و عنفوانه ولكن تحيرني ما آلت اليه نفسي من خضوع فقد أخذ مني كل شيء .
أبادره التحية ، تحية خنوع سبقه انكسار ليس فيها من المواجهة أو النّد … يسطو على ربيعي يوميا يعثو فيه فسادا …لا ألومه أحيانا فعزائي دوما كان لقد سبق الغربان بل يحلو الأمر لي أحيانا، فأيامي تؤكل حلالا أكل صيد البحر ..
و تهمس في أذني بنبرة الراجي السؤدد من العدم ، ليلة هربت من جحيم السجان …لقد تاب الخريف بل ينوي ارجاع الحقوق لأهلها تبتسم هنيهة .. و تقهقه مرة أخرى حتى يٌرآى لي أنها جٌنت .
ربما يُرجع أيام الربيع و لن أفرط في دقيقة منها و استطعمت الأمر و جمعت بعض ما تبقى من بذر علّي أحول هشيمي اخضرار، بذرت ،رويت و سقيت و انتظرت حتى صارت براعم و اشتدت سيقانها و طرحت أوراق تليها أوراق و أنا صامت أتمعن و الفرحة تكاد تخنقني أول وردة بعد هذا العناء .حمراء حمرة الدم الذي سقاها و روى أرضها..دم ليالي سُفكت دماءها و لا دية لها الّا هذه الوردة.
في نشوة الغبطة أتلذذ طعم الفرح يسكرني العطر أنتشي لذة السرور، ألوح يمينا و شمالا ،أراقص نفسي مغمض العينين بين حدائقي، أراقص مستقبلي و أفتح عيوني على طلقات النار ودوي المدافع يصحبها صواعق الكهرباء من كل حدب و صوب أهازيج الأصوات تكاد تفقدني السمع .
تتطاير بتلات وردتي الواحدة تلو الأخرى و أبصر بعينان دامعتان..كتل سوداء ترمي رداءها على وجه السماء يتطاير الشرر منها و يعلو الغضب عليها معلنة الحرب على الخريف.
لينقبض قلبي ويشيخ في لحظة وداع …وداعا زهر الخريف أهلا بشتاء العمر…