خاص- ثقافات
*حلا السويدات
مجال الرؤية التي تقدمها المؤسسات السياسية العربيّة لا يتعدى كنه الخطاب الإعلامي، والذي غالبًا ما يكون مرتبطًا بقضايا شائكة معروفة لدى الجميع، وغالبًا، تكسب تأييد أو معارضة الأغلبية، مثل: أن يناقش الخطاب السياسيّ قضية الإرهاب، على مدى عقود، ويتعمد الإشارة دومًا إلى أنها قضية لا تحتاج مساجلة وأنها خطيرة للغاية ومقاومتها هو الفضاء السياسيّ الحالي، مما قد يصب اهتمام الأجهزة الأمنية والسياسية على مقاومة هذا الإرهاب إعلاميًا، ونحن هنا لا نناقش أهمية الأمر، بقدر ما هو من البدهيات الأمنية أن تحافظ الأجهزة الأمنية في المؤسسة السياسية على أمن شعبها وأن تتخذ لأجل ذلك الاحتياطات العظمى، لكن؛ بات الخطاب الإعلامي يركز على هذه الجزئية تركيزًا كليًا، حتى صار من أبرز القضايا التي يذكرها في أغلب خطاباته، ولكلّ دولة خصوصيتها من القضايا الرئيسية التي تتناولها، لكن القليل منها ما يمسّ حقيقة الأمر، وباطن الحاضر ومستقبل المؤسسة السّياسية والدولة، وكأنّ هذا الأمر لا يعني الجمهور كأساس يجهز في الخطاب السّياسي وإنما أبعد ما يكون أن يجهز في الخطابات الأساسية، كشيء معلن في مرحلة ما، أو قابل للحديث على العلن، وما أود الإشارة إليه أنّ الخطة السياسية باتت شيئًا سريًّا أكثر بكثير من أن تساهم في إنجازه أو رسمه الجهات الشعبيّة، والفئات العلميّة والثقافيّة منها، مما يعفي هذه الخطط من مناقشة علنية متعرضة للنقد، ونحن لا ندعو إلى كشف الأوراق السياسية كشفًا تامًّا، لكن في المقابل نسعى لأن يكون النّهج العام، العلاقاتي والاقتصادي والسياسي الداخليّ خصوصًا، ذو نهج مكشوف، يتعدّى الأنماط الشكليّة النظرية، فالدستور الداخليّ، وجلسات البرلمان، لم تعد تجدي بشكل أو بآخر، ولم تعد تروي ظمأ التأويل والتحليل الذي يستفز أسئلة الباحث، والمواطن، وكلّ الجهات التي لا تشارك في صنع القرار السياسيّ عمليًا ولا حتى في إماكنية طرح خطط للدولة، ومعرفتها على الأقل، وكأن ذلك سرّ، إنّ الاكتفاء بإعلان القوانين الداخلية والدستور والخطابات العمومية لا يعني أن للدول العربية نهجًا معينًا تتبعه في سبيل التعامل مع كل التطورات، نظرًا لما تمتلكه من حكم ديكتاتوري، وسلطة مطلقة، وتحكمًا غير منظور في كلّ القرارات العامة والخاصة، مما يشكل إقصاءً وإبعادًا، وفصلًا موازيًا بين الشعب والسلطة، دون وسيط عمليّ، باستثناء البرلمان الذي يناقش القوانين التنظيمية العملية، والذي لا يؤثر أبعد ما يكون إلا في القوانين العملية التي تخص واقع الحياة في الدولة والقوانين التنظيمية لها، ولدور البرلمان كما هو في الواقع وكما هو مطلوب مقام آخر سنتحدث فيه تفصيلًا عن الأمر، فإن ما ترمي له هذه المقالة هو لفت النظر إلى أن الإقصاء بات في أكبر حدّه، وصار هناك فصل كبير بين الشعب والسلطة السياسية، وأن الوسيط لم يتخذ دوره كما يجب، وأن الإعلام لم يعد يروري ظمأ السؤال، وأن مستقبل السياسة العربية، ليس خاضعًا للنقاش، وأن الشعب العربي بات يمثل دور المستقبل لكل أخطاء سياساته، دون أن يكون له مجال الاحتجاج أو المشاركة.