هذه البلاد التي مزقتها الشرور يا مهند، وأرهقها الموت في المساحات التي كانت معدة لأحلام عفوية تنبت في سياق الكلمات كورد السفوح …
هذه البلاد التي أرهقتنا بمسميات الوقت وكبلتنا بحب فطري يسرقنا كل صباح من وجعنا ولو لدقائق معدودة …
هذه البلاد التي أخذتنا إلى أندلس الروح وواجهتنا بصراعات التائهين في دروب المعازل المسيجة بالقلق …
هذه البلاد يا مهند …
تصرعنا في كل يوم بصمت، وكأننا نرتاح من عبئنا اليومي بموت عفوي في النص والحكاية، موت فاض عن صراخ الأمكنة اليومي وابتلاع العتمة لما تبقى من ألوان في الصور …
مهند …
وأنت في الأبدية المطلة على فراغات السوس في عظامنا الهشة وعلى بقايا البكاء في النصوص التي أحرقتها الحروب والنزاعات وقسوة الأمكنة، ستدرك حجم الخسارة التي نقترفها كل يوم في أنفسنا، كما أدركت حجم المسافة الشاسعة بين الوقت والحياة وأنت تنشر قصصك القصيرة تباعا بصلابتك الهشة … تلك الصلابة التي جعلت من رؤيتك نورسا ومن شاطئ البحر في غزة ملاذا ومنفى …
كأننا نمزقنا في كل يوم يا مهند بهستيريا غامضة دون الانتباه إلى بقايا الجسد الممزق …
كأنه لم يبق في سردنا المتعب سوى الحديث عن ذاكرة بعيدة وبعض أحلام صغيرة لم تكن واردة في سياق أحلامنا العفوية حين كانت أحلامنا الكبرى بوصلة الكتابة والموسيقى …
مهند …
تحملني تلك القصص التي قرأتها لك إلى عائلة افتراضية، متخيلة …
إلى دفء أردت أن يكون عالما موازيا للبرد دون أن تفقد أصابعك في النار أو الثلج …
دون أن تسقط من يدك زهرة الحلم، تلك التي نبتت بعفوية على سفح أسميناه وطن …
يا مهند …
ستحمل هذا الدفء إلى الأبدية، دون حاجة للاعتذار عن رحيل مبكر، فالقصص التي سجلتها في ربيعك الدائم ستحرس حضورك من آفة النسيان، وستظل علامة من علامات هذا الوقت الذي نحياه …
يا مهند …