انطلاقًا من عدم تعويل التيارات الشعرية الجديدة على المؤسسة الرسمية، شهدت السنوات العشر الأخيرة مبادرات عدة من الشعراء والنقاد الطليعيين لإقامة مهرجانات أهلية موازية، للشعر الجديد على وجه العموم، وقصيدة النثر بصفة خاصة، منها “مؤتمر قصيدة النثر” بأتيليه القاهرة.
ضيوف متنوعون
انعقدت ثلاث دورات سنوية متتالية ناجحة للمؤتمر منذ العام 2014، ومن المقرر أن تنطلق دورته الرابعة في الفترة من 17 إلى 20 سبتمبر المقبل بالقاهرة، بحضور تونس كضيف شرف المؤتمر هذا العام، ومشاركة عشرات الشعراء والنقاد المصريين. المنسق العام لمؤتمر قصيدة النثر هو الشاعر عادل جلال، وتتكون لجنة مؤتمر 2017 من الشعراء والنقاد: إبراهيم جمال الدين، أحمد عايد، عمر شهريار، هناء نصير.
الدورة الرابعة من “مؤتمر قصيدة النثر” تأتي لتنهي “المرحلة الكمية”، التي استهدفت استعراض هذه القصيدة على مستوى مصر كافة دون إقصاء أو أحكام قيمة مسبقة.
هكذا يقول لـ”العرب” الشاعر عادل جلال، المنسق العام للمؤتمر، مشيرًا إلى انطلاق المؤتمر خارج القاهرة كذلك بهدف كسر المركزية، من خلال بعض الأمسيات بمحافظات مصر المختلفة “السويس بمنطقة القناة، ودمنهور بدلتا مصر، وبني سويف بالصعيد”.
ابتداء من العام المقبل، وفق عادل جلال، ستبدأ “النقلة الكيفية” للمؤتمر، مع الحرص على تمثيل قوي لكافة الأجيال، بداية من جيل سبعينات القرن الماضي، حتى أحدث الإبداعات “هدفنا دائمًا المزيد من التواصل والتعارف الإنساني والإبداعي، لكسر العزلة والشللية التي نضربها حول أنفسنا، بما فيها تواصل العزلة الذي فرضته وسهلته الميديا”.
عن مشاركة تونس في مؤتمر قصيدة النثر هذا العام، يوضح عادل جلال أن الطرف المصري لا يتدخل في أي شيء يخص الدولة المختارة كضيفة شرف، وهذا ما حدث مع المغرب في الدورة الثالثة العام الماضي، ومع تونس هذا العام، يقول “لا نشترط إلا ما أقررناه على أنفسنا، وهو الحياد وعدم تنحية أي صوت، من أجل التعرف على المزيد من تجارب الدول المشاركة، شعرًا، ونقدًا”.
يشير الشاعر والناقد عمر شهريار، عضو لجنة مؤتمر قصيدة النثر 2017، في حديثه لـ”العرب” إلى أن مؤتمر هذا العام يشهد تنوعًا كبيرًا، إذ يشارك فيه شعراء ونقاد من مصر وتونس، يمثلون تيارات وأجيالًا مختلفة.
يضم الوفد التونسي: الناقد عبدالمجيد يوسف، والشعراء: ماجدة الظاهري، سفيان رجب، فرج عمر الأزرق، والإعلامية سماح قصدالله. ويصدر عن المؤتمر كتاب يضم نصوصًا لخمسين شاعرًا تونسيًّا، منهم: آسيا الشارني، بسمة الحذيري، الحبيب المرموشي، رياض الشرايطي، ريم قمري، ضحى بوترعة، وغيرهم.
محاور وأبحاث مؤتمر هذا العام تبدو جديدة، كما يقول عمر شهريار، إذ تنصب على مداخل عميقة تمس جوهر قصيدة النثر، منها: “البعد الجمالي في قصيدة النثر الحداثية” للناقد أحمد تمام، “حركة نص التونسية ومحاورة الواقع الشعري” لعبدالمجيد يوسف، “قصيدة النثر بين الصورة وإشكاليات التلقي” لإبراهيم علي عبده، “فواعل إنتاج الشعرية في قصيدة النثر” للدكتور محمد سليم شوشة.
من أبحاث ومحاور المؤتمر كذلك “مفهوم اللامركزية في خطاب قصيدة النثر” لخالد حسان، “قصيدة النثر والثورة” لأمل سالم، “بين قصيدة النثر والنثر الشعري” للدكتور يسري عبدالغني، “تشظي الصور الشعرية واشتباك السياقات في قصيدة النثر المصرية” للكتور محمد صلاح زيد، “خصائص بناء الصورة الشعرية في قصيدة النثر المصرية” لإبراهيم عاطف، “شعرية المكان في قصيدة النثر المصرية” لأحمد حسن.
ووفق بروتوكول مع الهيئة المصرية العامة للكتاب، كما يوضح عمر شهريار، ستجري طباعة كتب الأبحاث والقصائد الخاصة بالمؤتمر فور الانتهاء من إعدادها، يقول شهريار “نعوّل على جهدنا الذاتي ومعاونة الشركاء، نثمن جهد الجميع ونشرع في مدّ جسور التواصل ونطمح لدورة تحقق جزءًا مما نصبو إليه”.
من بين الشعراء المصريين المشاركين في دورة 2017، وهم يزيدون على أربعين اسمًا من أجيال مختلفة وحساسيات متنوعة: أسامة بدر، علي منصور، غادة خليفة، محمد القليني، ديمة محمود، فارس خضر، محمد سالم، أشرف البولاقي، الضوي محمد الضوي، أمل جاد الرب، علي عفيفي، شيرين عبدالله، عفت بركات، نصر الكاشف، هدى حسين، عادل العدوي، محمد عبدالهادي، أشرف الجمال، بهية طلب، صلاح فاروق، محمد أبوالمجد، مؤمن سمير، وغيرهم.
الانفتاح والتغيير
يبدو المؤتمر منفتحًا على الجميع، ليمثل أكبر عدد من شعراء قصيدة النثر، كما يقول عمر شهريار، ويستطرد “ربما رأى البعض أن هذه المرحلة الكمية بها شيء من الفوضى، أو اختلاط الحابل بالنابل، لكن البديل الوحيد لهذا كان الوصاية من جانب منظمي المؤتمر، ليقولوا: هذا شاعر جيد يستحق الوجود في المؤتمر، وهذا شاعر رديء لا يستحق، وكأننا نمنح صكوك الغفران والبركة، وهذا ما نرفضه تمامًا، لذا كان خيارنا أن نتيح للجميع حق الحضور، بالتناوب بين الدورات المختلفة”.
دورة هذا العام، وفق عمر شهريار، هي نهاية مرحلة، وابتداء من العام المقبل “ستبدأ مرحلة جديدة، نسميها المرحلة الكيفية، نركز فيها على التجارب اﻷكثر رسوخًا وبزوغًا في قصيدة النثر. وسيكون مسموحًا في اﻷبحاث التركيز على شاعر واحد وتجربته، على عكس المرحلة الكمية التي كنا نطلب فيها من الباحثين تناول أشعار أكبر عدد من الشعراء في أبحاثهم”.
على مستوى الشعر نفسه، يقول شهريار “سندخل لاحقًا مرحلة التدقيق في اﻷسماء المشاركة، ومن المقرر ألا يقف اﻷمر عند حدود اﻷمسيات والجلسات البحثية، بل ستكون هناك ورش وجلسات عمل وموائد مستديرة، يشارك فيها شعراء وباحثون، للنقاش في أكثر مناطق قصيدة النثر إشكالية”.
بدأ مؤتمر قصيدة النثر في دورتيه اﻷولى والثانية مصريًّا خالصًا، وبدءًا من دورة العام الماضي 2016 انفتح المؤتمر على الفضاء العربي، وكانت المملكة المغربية ضيف شرف المؤتمر، وفي دورة هذا العام 2017 تحل تونس ضيف شرف.
“سنطبع أنطولوجيا لقصيدة النثر التونسية، إلى جوار الكتاب الخاص باﻷنطولوجيا المصرية”، يقول عمر شهريار، ويضيف موضحًا “ﻷننا لا نلم بتفاصيل المشهد الشعري في الدول الشقيقة، فإننا نعهد إلى مختصين من تلك الدول بإعداد اﻷنطولوجيا الخاصة ببلادهم، وكذا تكليف باحثين بالكتابة عن قصيدة النثر لديهم وتاريخها وتحولاتها”.