الحُب وشراكة الحياة بين الرجُل والمرأة نعمة عظيمة تفوق قيمتها الحقيقية ما يبدو من مميزاتها الظاهرية، فتلك العلاقة التكاملية مُرتبطة ارتباطًا وثيقا بعلم “الاتزان الكوني” وهندسته الدقيقة القائمة على تبادل الطاقة بين الثنائيات من ذكور وإناث في كل المخلوقات، ويكفي أن تنضج علاقة حب واعية قائمة على التفاهم والقبول غير المشروط ليتسبب اتحاد طاقتي الطرفين بميلاد طاقة قوية قادرة على صنع كل ما يحلمان به من معجزات وتحقيق كل ما يرجوانه من طموحات.. عدم وعي أكثر البشر بهذه الحقيقة هو السبب في تشبثهم بالعنف والعناد وإثارة المشكلات مع الطرف الآخر إلى حد يمنعهم من فرصتهم في النعيم ويحوّلها إلى صورة من صور التقلّب على جمر الجحيم.
قد لا تعلم أن وجود شريك حياة طيّب مُتفهم في عالمك من أهم أسباب تحسن صحة قلبك، وتعزيز جهازك المناعي، وزيادة إفراز الكيماويات الحيوية، ويزيد من حيوية ونشاط الجسد، ويقلل معدلات هرمون التوتر، وارتفاع ضغط الدم، والقلق، والذنب، ولإنهاك، ويُحسن تنظيم الجسم لإفراز الجولوكوز مما يقيه من اضطرابات البنكرياس، هذه المعلومات القيّمة التي أفصحت عنها مؤسسة “هارت ماث” في كاليفورنيا للأبحاث توضح لك جزءًا صغيرًا من قيمة هذا الإنسان، وتدعوك للاهتمام به، وتقديره، والامتنان لوجوده، وليس تعذيبه، ومُعاندته، وإرهاقه بالطلبات، ومطالبته بما يفوق طاقته كل الوقت، ونبش الأرض لافتعال المشكلات معه على تفاهات لا تستحق.. فهذا الشخص وُجد في عالمك ووجدت في عالمه كي تتعاونا على رحلة الحياة، وتقضيا معًا أوقاتًا مبهجة ممتعة، ويدعم كل منكما الآخر عاطفيًا ومعنويًا وماديًا وصحيًا، لا أن تعيشا على أرض معركة من اللوم المتبادل، والتذمر المتبادل، والتنازلات الإجبارية المُتبادلة عن الحقوق والأحلام والطموحات.
بعضهم سيقول: “لكن الحياة الواقعيّة لا تهبنا شيئًا كهذا”، الجواب هو أننا “نحن الحياة الواقعية”، نحن الذين نصنعها ونبنيها بآرائنا ومعتقداتنا ومستوى وعينا، ما نراه من حقائق الحياة لا يعدو عن كونه أشبه بالكتلة الظاهرة من جبل الجليد، بينما ما يخفى عن أنظارنا تحت مياه الحقيقة أكبر كثيرًا وأعمق، وثمة تفاصيل وراء كواليس المشهد السطحي الذي نراه تتعلق بأرواحنا وأجسادنا الأثيرية، وهي التي تتحكم بالبناء المرئي لحياتنا.
تذكر الفلسفات الإنسانية العتيقة أن الهندسة الدقيقة للكون وللثنائيات المزدوجة على الأرض تفترض أن المرأة تمثل دور الشمس، بينما الرجُل يُمثل دور القمر، وأن كل المشاعر العميقة تولد أولاً في أعماق المرأة مثلما تنتج الشمس أشعة الضوء ثم تنعكس تلك المشاعر بالتدريج على روح الرجُل التي تتغذى عليها، بينما ينحصر دور الرجل في اتخاذ هذه المشاعر وقودًا لحركته كي يعمل ويُنتج.. الدور الكوني للكيان الأنثوي هو خلق المشاعر وإبداعها كي تُرسل وتنعكس على روح الرجل الذي يُعتبر مُستقبلاً وحسب، بينما دور الرجل أخذ تلك المشاعر وتحويلها إلى طاقة عمليّة لأن الكون اختار تصميم كيانه بهذه الطريقة التي تخدم السياسة الكونية، لذا نلاحظ أن نساء كثيرات يشعرن بالانطفاء حين لا يكون في حياتهن رجل يُحببنه، فطاقة الخلق الداخليّة تتكدس في أعماقهن بحاجة إلى قمر مناسب يستقبلها، ولذا أيضًا نلاحظ أن رجالاً كثيرين يشعرن بالاختناق حين لا تكون في حياتهن امرأة، أي امرأة حتى وإن لم تكن زوجة أو حبيبة، المهم عنصر أنثوي يُرسل من شمسه أشعة الحياة، دون تحقق هذه المُعادلة التبادليّة يندر أن يشعر أحدهما بالاستقرار في غياب الآخر.. الأمر هنا لا يعتمد على تشبيه شاعري رقيق أو عبارات أدبية أنيقة؛ بل على حقائق كونية أصيلة قائمة على نظام اتزان دقيق لا يقبل الاستهتار أو العبث، ومادمت الآن قد عرفت هذا السر حافظ على شمسك ولا تطفئها بإهمالك، وحافظي أنتِ على قمرك واحرصي على انتقاء الأشعة التي ترسلينها له كي يبقى في فلكك الدافئ.