“أنا الغراب أسود ريشي”

خاص- ثقافات

إحالة إلى مجموعة الشاعر باسم سليمان “الببغاء مهرج الغابة”

لعل ما يستوقفك وأنت تقرأ مجموعة الشاعر باسم سليمان “الببغاء مهرج الغابة”، والصادرة حديثا عن دار الروسم العراقية هو كم الحزن الذي ظل يشغل كاتبها. حزن غالبه وهو يتقمص دور المهرج ـ الرجل المبتسم أو الضاحك، والبطل الذي يصنع فرحة الناس بينما لا يمكن لأحد أن يقف على حجم معاناته وانكساراته وأعطابه.
“أنا الغراب أسود ريشي”
تحضر النصوص موغلة في البلاغة والانسياب، خصبة بالصور والخيال. واللغة فيها لا تميل إلى التعقيد المفرط، بل تنحو في غالبها إلى البساطة مع العمق المطلوب.
“تنقر القيثارة عنكبوت
تنقر على أوتار فخّها
لتطرب فراشة
وتقطف ثمرة ندى من شجرة الماء.
عازفة القيثارة تغني:
الموسيقى أوهى البيوت.”
كما أن حكمة العلم تكاد تكون وصية على النصوص. منها ينطلق الشاعر ليؤثث عوالمه. ولا بأس أن يعيد علينا نظرية داروين نفسها والتي ردت الإنسان إلى أصول حيوانية، شارحا هذه المرة ومبينا ومفصلا على طريقته. هكذا يقبع الشاعر في زاوية اختارها لنفسه ليرصد لنا منها العالم والطبيعة الإنسانية، وملاحقا ذاته عبر أنساق غير مألوفة أو مسبوقة.
“أنا قردك الصغير
الذي تنقّي فكره من قمل الاستقامة”
يكتب باسم سليمان شعرا غير معتاد، رابطا بين ما هو إنساني بما هو حيواني ما دام هناك ألف شبه وشبه يجمعهما، مستعيرا هذه المرة ومن الأخيرة أشكالها وظائفها طبائعها، ومسخرا إياها في قول مختلف، وبعدما بلغت به حالة الاغتراب منتهاها.
“الدوري لا يكترث بما أخطّ
يلتقط كسرة خبز ويطير”
بل إنه يتجاوز ذلك ويتمادى أكثر فيشبه الإنسان بالنبات والجماد، مذكرا القارئ بأننا نعيش وسط عالم فقد إنسانيته، وتبدلت فيه روحه، أو أنه لم يعد يملك روحا ولم تعد له إلا ملامح الأشياء وطبيعتها.
“الحزن عنقود عنب أسود
ندوسه،
ندوسه بأقدامنا”
أو في قوله:
“القمر سن لبني
تخلعه السماء
في آخر الشهر”
ورغم أننا أمام مجموعة شعرية ومن المفروض أن تكون الغلبة فيها لفيض المشاعر والأحاسيس، إلا أن الشاعر هنا حاد عن المتعارف عليه، فتجده يقدم أشعاره غير معتبر بالوجدان، فلا صوت له في نصوصه؛ وأما إذا ما حصل ذلك كان لأجل معنى يقود إلى ما هو أكبر. إذ يرتبط الشعر عند باسم سليمان ـ وخصوصا في هذه المجموعةـ بالدلالة ومنها بالمغزى. وما يرمي إليه يكون عن تقصد، وليس مجرد تهويمات وشطحات تتبع نسق القصيدة، يكون فيها الشاعر مجرد تابع لا متبوع. وهو بذلك قد فتح باب التجريب على مصراعيه، ثم وكيف لا وصاحبنا مسكون بقول مختلف.
“الحرباء
تحمل خزانة ثيابها، صندوق زينتها، مرآتها وحليها
كأنهم بضعة منها
كذيلها
أكانت ذاهبة إلى العشق أم الصلاة”
باسم سليمان شاعر وناقد سوري. وتعد المجموعة وهي من إصدارات 2017، رابع أعمال الكاتب الشعرية. تقع في 106 صفحة، كما تتضمن ثمانية عشر نصا شعريا. للمبدع أيضا نتاج قصصي وروائي.

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *