عن العلم والعمل والحكومة.. أنتم تنتجون الفوضى

 

خاص- ثقافات


*كفاح جرار

 

للمعاني والألفاظ اهميتها القصوى وبخاصة في الحوار الفكري والسياسي، فمثلا حتى نقول هنالك مؤامرة يجب توصيف وتحديد المصطلح تماما، وليس لمحدودية في عقل وتفكير المتحدث عندما لا يجد ما يقول، يلقي بالمسؤولية على المؤامرة، فتلك من الحلول السهلة التي لا تقنع، كما أننا اعتدنا نحن لتخلفنا وسطحيتنا أن نضع الكلمات في غير موضعها، وكأن الواحد يلقي حملا ناء به ظهره، فأراد أن يتخلص منه قرب أول مكب نفايات.

وقولنا مثلا إن الله تعالى “موجود” فيه من الخلل والإرباك ما فيه، فكيف يكون الله تعالى موجودا، أي معمولا/ مفعولا/مصنوعا.. فهذا موضوع لا يصح ولا يليق أبدا؟.

وقول العامة نحن مسلمون فيه مغالطة كبيرة وإساءة لا تغتفر بحق دين الله تعالى، فهل يحق ويجوز أن يكون حال المسلم كحالنا المقيت والسيء من الضعف والشرذمة والبؤس؟.

هي يكون المسلم جاهلا جاحدا تابعا وضعيفا؟.

ليس أفضل إذن من تحديد وتعريف المصطلحات والمفاهيم.

بالمقابل هل يمكن سلب الدين هويته وجوهره ومبناه؟.

نعلم بداهة أن العمود الفقري للدين هو التوحيد لأنه يدل التابع على المتبوع ويرشده إليه ويبين له مطالبه أو شرعته، وتلكم براعة اللصوصية في الإبقاء على التوحيد وسرقة الشرعة والشريعة والقانون، وقد كان ذلك حقا وصدقا، عندما استأثر شخص أو فئة بالسلطة الاقتصادية والمعرفية والعسكرية، ثم احتكرها وجيًرها لخدمته، فكانت له باعتباره ربا صغيرا يقوم مقام الله تعالى عند مجموع الشعب.

لقد نجح المستعمر الداخلي الذي لبس ثوب المستبد، في تجيير الماضي والحاضر لخدمته مستعينا بمن بيدهم مقاليد الشرع والتشريع، فقهر حاضر الأمة ومستقبلها، بعدما استعمل الفقهاء والعلماء في إسقط فريضتين إسلاميتين رئيسيتين هما العلم والقتال، فجرى تجاهلهما وكأنهما ليستا من الدين في شيء، ونتج عن تلك المصادرة والتغييب والإلغاء أمة جاهلة، لا ترى في العلم منفعة واجبة، فصار للمال قيمة عظمى تساوي قيمة وجودها بحاله، وضربت في ذلك أمثالا كثيرة، تؤكد فيها أولوية المال على كل شيء، ومن نتائج التغييب أيضا، أنها أمة يقودها أي متجبر فاسق، لا يعمل لرفعتها ونهضتها بقدر عمله لبقاء نسله وظله، بإشاعة الفوضى والفساد والذلة الاجتماعية والفكرية بين الرعية، وأمة ضعيفة يركبها أي تافه وضيع، وذلك هو حالنا وهنا بالضبط كان مقتلنا.

الأجسام قاطبة تمتلك رأسا وساقين، فالأول يوجه ويبين والساقان هما أداة السير والتقدم، فكيف تعيش أمة بلا رأس اسمه العلم، وبدون ساقين اسمهما القتال؟ ما يطرح سؤالا يبدو من الوهلة الأولى غريبا وفي غير موضعه، ألا وهو كيف نعيد للإسلام منزلته وبقية أعضائه التي سلبت منه، بإعادة الاعتبار للعلم كفريضة أولى وللقتال وليس الجهاد كما يردد العوام جهلا كفريضة أخيرة، وتلك مفردة جرى التلاىعب فيها واستخدامها في غير مكانها، وتلك حاجة لو تحققت لن يحكمنا مستبد ولا طاغية ولن يعلوا رؤوسنا غير سقف السماء.

وعن ذلك كتب الأستاذ والمحلل السياسي وليد عبد الحي، ما يستحق القراءة والبحث بعد التبصر والتفكير، أحببت أن أنقله إليكم، فقد تكون الفائدة عامة شاملة، رغم أني لست من المتفائلين، وما زلت متشائلا حسب أديبنا الراحل أميل حبيبي، ورغم قصره ففيه من المعلومات مقدمات وحيثيات ونتائج وتحليل يغني عن كلام كثير يذهب أدراج الرياح، قال الأستاذ في مقالته المعنونة “انفصام العقل”:

إن موقف النظم السياسية العربية من “الدين السياسي” يشير لعقل انتهازي مطلق، ويتجلي ذلك في المعادلة التالية:

1- يدخل الطفل العربي للمدرسة من السنة السادسة (تقريبا) من عمره ويبقى فيها 12 سنة ( الوضع الطبيعي)

2- معدل أيام الدراسة في السنة الواحدة حوالي 200 يوم تقريبا(بعد حذف يومي الإجازة الأسبوعية والأعياد..الخ)

3- يتلقى الطالب خلال المرحلة المدرسية مواد دراسية ” دينية” تشمل:

أ‌- الدين الإسلامي (من قرآن وأحاديث نبوية)، وبعض الدول العربية كالسعودية أكثر من ذلك بكثير

ب‌- التاريخ الإسلامي من عهد الرسول وحتى نهاية الدولة العثمانية

ت‌- الأدب وبعض الفلسفة في مرحلة الحضارة الإسلامية

وفي كل هذه المواد الدراسية يتم تقديم الدين بطريقة إيجابية تملأ مشاعر الطالب بالزهو من انجازات هذا الدين ماديا ومعنويا.

4- لو حسبنا عدد هذه المواد، فإن الطالب يتلقى ” يوميا” مادة دراسية لها صلة وثيقة بالدين(سواء قرآن أو أحاديث أو تاريخ إسلامي أو نصوص أدبية دينية..الخ) طيلة السنوات ال 12 التي يقضيها في المدرسة.

5- ذلك يعني أن الطالب يتلقى خلال المرحلة المدرسية 200 حصة دراسية سنويا( كل يوم حصة) × 12(عدد سنوات الدراسة في المدرسة) = 2400(ألفان وأربعمائة ساعة دراسية) كلها تمجد له هذا الدين وتقدمه بطريقة إيجابية(وهو عدد ساعات يفوق ساعات أي تخصص جامعي).

6- نضيف لذلك: أن كل الدول العربية تقوم كل يوم جمعة بنقل صلاة الجمعة عبر أجهزة التلفزيون، وتقدم لمواطنيها آلاف الساعات البرامجية الدينية ناهيك عن وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة.

7- يتمسح كل الحكام العرب في خطبهم بالدين ويلتصقون به بطرق شتى

بعد كل هذه الرحلة التثقيفية الطويلة والشاقة، تضع الحكومات العربية نصا صريحا ” بعدم شرعية تشكيل أحزاب على أسس دينية”، علما أن الأحزاب ليست إلا أجهزة إدارية اجتماعية لتنظيم توظيف المنظومة المعرفية في خدمة المجتمع وتنميته.

ذلك يعني أن الأنظمة السياسية العربية تحشو عقول الطلاب بألفين وأربعمائة ساعة دراسية ومئات الساعات البرامجية والإعلامية المختلفة بهدف “عدم تطبيقها “.

وإذن..

هل وصلت الفكرة واستقرت في جماجمكم؟.

تلكم هي العقول المريضة التي تعلم وتبرمج وتمنهج ثم تمنع وتحرم وتجرم ما سبق أن برمجت، وهي السياسة المريضة لعدم وجود سياسة أساسا، وليس كما تعارف الناس على القول في السياسة، وأما التعاسة والتياسة فتكمنان في أمة تجتر وهي لا تعي ولا تعرف ما تضع في فيها. والتياسة هنا نسبة إلى التيس الذي يعتقد أن رأسه أشد صلابة من الحجر الصوان، وفي الحديث الشريف: الرأس الفارغ مغارة إبليس.

وكم لإبليس هذا من مغارات بيننا.

 

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *