ترجمة عربية في البحرين لكتاب ‘محتوى الشكل’ لهايدن وايت
أغسطس 22, 2017
المنامة – أحدث إصدارات مشروع نقل المعارف التابع لهيئة البحرين للثقافة والآثار جاء بعنوان “محتوى الشكل: الخطاب السردي والتمثيل التاريخي” للفيلسوف والمؤرخ الأميركي هايدن وايت، وهو نتاج بحثٍ دام 7 سنواتٍ حول تأويل النصوص وسرد التاريخ.
يحاول هايدن وايت من خلال كتاباته وأفكاره التقريب بين مفهومي الأدب والتاريخ، إيمانًا بفكرة مفادها أن السردية في شرح التاريخ تضفي على النص بعدا بلاغيا أخاذا وجانبا من التشويق والإيغال الممتع في التفاصيل الهامشية، دون أن يفقد صفة المطابقة بين ما هو مدون وما قد حدث فعلا في زمن ما.
وبالاستناد إلى منطق السيميائية والدلالات التي تحققها عبر نقل معان أو حالات شعورية للمتلقي وإسقاطها على جوهر السرد يتبين للقارئ -كما يذكر وايت- أن السرد قادر على تشكيل نظام فعال للإنتاج الخطابي يمكن للقارئ من خلاله عيش علاقة خيالية مع ظروف وجوده الواقعية.
يضم هذا الكتاب ثماني مقالات اختارها المؤلف المهتم بالنصوص ذات البعد التاريخي ليضع أمام القارئ تفاصيل وحقائق مهمة جاءت بصبغة سردية تعالج الأحداث بطريقة غير اعتيادية، عقب عليها وايت ليثبت موقفه في التصدي لمن يعتقد أن النصوص التاريخية محكومة بنسق جامد ورتيب.
يحلل الكاتب العلاقة المتشابكة بين السرد والتاريخ، فهو لا يرى أن السرد مجرد تمثيل خطي متطابق للأحداث، وإنما يتجاوز ذلك إلى بناء الواقع وتشكيل المضامين الأيديولوجية والسياسية، ويناقش المؤلف أطروحات بول ريكور ورولان بارت وكارل ماركس وميشال فوكو، محاولا استكشاف فكرة السلطة في الأدب والفن.
الفصل الأول من الكتاب جاء بعنوان “قيمة السردية في تمثيل الواقع”، يناقش فيه وايت ما ذهب إليه رولان بارت الذي وجد في السرد حلًا لما يكتنف ترجمة فعل المعرفة إلى فعل القَص، فهو يقول “إن السرد موجود ببساطة كالحياة نفسها، أمميٌ وعابر للتاريخ وللثقافات”، كما يتناول المؤلف في هذا الفصل شكلَي الحوليات والإخباريات ويفاضل بينهما في التمثيل التاريخي، ليتساءل في نهاية الفصل عن إمكانية الخوض في السرد دون إعطاء دروس وعظية أو أخلاقية؟
الفصل الثاني جاء بعنوان “مسألة السرد في النظرية التاريخية المعاصرة”، يوضح فيه المؤلف تهمةً للسرديين تفيد بأن السردية ما هي إلا سمة مسرحية أو روائية تضيف نغمةً دراماتيكية للأحداث التاريخية. وهنا يضع وايت الحجج والبراهين لينفي تلك التهمة والصفة الدخيلة على السرد، ويخلص إلى استنتاج أنّ الفرق ما بين الواقعة أو ما حدث فعلًا وبين السرد هو في الحقيقة منطق التشكيل نفسه (فن المجاز).
وهكذا يقوم وايت ضمن فصول كتابه بمقارعة الحجة بالحجة في ما يتعلق بوصم الأسلوب السردي بالشاعرية والبعد عن الواقع ليحدد أسس ونظريات وضوابط التمثيل التاريخي إلى أن يصل في فصله الأخير بعنوان “السياق في النص: المنهج والأيديولوجيا في التاريخ الفكري”، إلى توجيه المشككين في أهمية السرد في النصوص التاريخية اللوم إلى أصحاب النصوص الكلاسيكية كهوميروس وأفلاطون وأوغسطين وحتى ميكافيللي الذين باتت سمتهم التمثيلية محل تشكيك.
وفي الختام يتناول المؤلف فكرة نمطية النص، ويستند إلى نص هنري آدمز، وقد أورد تعريفًا للنمطية بأنها “توسط بين الخصوصيات والكليات، الواقعية والمصطنعة”، بمعنى فرض شكل محدد يقوض المحتوى ويكبح جماح كاتبه ليكون أسيرًا بين بين.
كتاب “محتوى الشكل، الخطاب السردي والتمثيل التاريخي”، هو الإصدار الحادي عشر لمشروع نقل المعارف التابع لهيئة البحرين للثقافة والآثار وكان قد أصدر قبل هذا الكتاب عددًا من الإصدارات المترجمة لأهم الكتب العالمية نذكر منها: “تفكر: مدخل أخاذ إلى الفلسفة” لسايمن بلاكبرن، و”هل اعتقد الإغريق بأساطيرهم: بحث في الخيال المكون للكاتب” لبول فاين، و”لغات الفردوس” للمؤرخ موريس أولندر، و”التحليل النفسي: علمًا وعلاجًا وقضية” لعالم التحليل النفسي مصطفى صفوان، و”الزمن أطلالًا” لعالم الانتروبولوجيا مارك أوجيه، و”قصة الفن: مدخل استثنائي لتاريخ الفن” لإرنست غومبريتش.
________
*العرب