لعلّه الزّائر الوجل الّذي يأتيك على استحياء أحيانًا، وقد يكون الزّائر المباغت الّذي يبعثُ فيك ألوان الطّيف إذا حلّ في دارك، ولك أن تعدّهُ الغائبَ المنتظر أو الحاضرَ المتربّص بك، أو المتطفّلَ المرغوب به، أو الرّبيعَ المزهر الّذي يقلِبُ واقعك إلى أزاهير مشرقة، ومروج مخضرّة، وحقولٍ مثمرة.
إنّه الفرح؛ حضوره مسرّة، وغيابه مضرّة، لقاؤه متعة، وفراقه قيد، إقباله مطلبٌ، وإدباره مهلك، دونه أنت تعس، بائس، فاقد لكلّ جمال، هاربٌ من كلّ حظوة.
فأين هو فيك؟ وأين أنت منه؟ هو داخلك قابعٌ، رافده ينبعُ منك، ويصبّ فيك، دورته التّحفيزيّة تنطلقُ من رغبةٍ دانيةٍ قطوفها تنتظرُ المَطعَمَ، أو حاجةٍ قاصيةٍ خرافها تطلبُ المَرعى، بَدءًا من التّهيئة النّفسيّة الّتي تحدو حدو الفرح، والبيئة التّكوينيّة الغضّة الّتي تحتضنُ إرهاصاتِه، مرورًا بالبُنية الجسديّة الّتي تتغذّى على الحاضنة المتّسقّة وميول الإنسان وطموحاته وآماله، ولا بأس لو أخذ صاحبُها جرعاتٍ من المكمّلات المساندة الّتي تقوده وتسيرُ باتّجاه المبتغى؛ ثمّ تدفعُ به للأخذ بأسبابه، والإحاطة بمستلزماته، وامتلاك أدواته، والجدّ والسّعي للوصول إليه.
حينها ستبزغ علامة الفرح الأولى؛ باندفاع الدّفقة الشّعوريّة الّتي تُظهر صاحبَها بحالة من النّشوة والانتعاش الّذي يأسرُ كيانه فيطفو مرتسمًا على صفحة البدن؛ بابتسامة أو ضحكة، أو رقصة أو حركة يدٍ أو رأس أو عينٍ إلخ؛ سيمياء الجسد الّذي يومئ بالرّضا والقبول والمحبّة؛ ويحيطه بالألق والجمال، ويبعث فيه الفخر بالذّات والمنجَز.
لتتوالى علامات الفرح وتداعياته: فبه يقطف ثمارًا سُقيت بماء العين واتكأت على تعداد الأيام أو الشّهور أو السّنين حتّى اكتمل نموّها وراق طعمها ثمّ نضجت، فرحٌ أثره فيه باقٍ، وممتدٌ لمن عاينه وسانده وله به جامعُ قربٍ ومحبّة ووفاء، فرحٌ يَردّ إليه روحًا تقاعستْ، ويعيد له ثقة ًبالنّفس فُقدت، وقد يمحو من الذاكرة تجربة سابقة تحمل في طيّاتها ألمًا وخيبة، وينسيه شخوصًا خدعوه أو على الشّر تكالبوا عليه وخذلوه، ويكون له سببًا لوصلِ عناقيدَ فُرِطَ عقدها؛ ووجدَ لها خيطًا متينًا، به يشدّ أزره ويقويه؛ ليس له قاطع.