*إسماعيل الشريف
وكالة الاستخبارات الأمريكية تمتلك أي شخص مؤثر في أية وسيلة إعلامية رئيسة – ويليام كولبي مدير سابق لوكالة الاستخبارات الأمريكية
أثار فيلم المرأة الخارقةWonder Woman جدلا واسعا بين الدول أولا، حيث رفضت لبنان عرضه فيما سمح الأردن بعرضه بدعوى أنه لا يخالف القانون، وهذه حجة مقبولة، أما الحجة الأخرى بأن مثل هذا الفيلم لا يمكنه اختراق ثقافتنا العميقة والمتماسكة، فهذه حجة غير مقبولة، فنحن أمة مهزومة عسكريا وفكريا وثقافيا، والجدلية هي أن بطلة الفيلم ممثلة إسرائيلية خدمت في الجيش إبان العدوان على لبنان، وداعمة كبيرة للجيش الصهيوني خاصة في حرب غزة، وبشكل مواز يدور جدل بين الناس حول مقاطعة أو حضور الفيلم.
اطلعت قبل فترة على تقرير كتبه كل من توم سيكر وماثيو ألفورد استنادا إلى وثائق حصلوا عليها تبرهن على تغلغل وكالات الاستخبارات الأمريكية في هوليود، ويبين التقرير تأثير وكالة الاستخبارات على أكثر من ألف وثمانمائة عمل سينمائي وتلفزيوني منذ أربعينيات القرن الماضي، ويأخذ التدخل أشكالا عديدة من إنتاج أفلام لصالح وكالات الاستخبارات وتسويق القرارات السياسية إلى منع أعمال سينمائية، مرورا بتغيير الأحداث في أعمال أخرى، إضافة لتكريس صورة شيطانية لأعداء الامبريالية وضحاياها في الأعمال المختلفة.
ولننظر إلى بعض هذه الأعمال، ففيلم Charlie Wilsons War أي حرب ويلسون الذي عرض في الثمانينات كان الهدف منه تسويق حرب أفغانستان، فظهر بطل الفيلم الذي لعب دور عميل استخبارات أمريكي يدعم المجاهدين الأفغان، ثم تغيرت سياسة الولايات المتحدة وبدأت الحرب على «الإرهاب» فظهر فيلم المجنّد عام 2003 The Recruit وهو فيلم تشويق تدور أحداثه حول تدريب عميل استخبارات ويشرك الجمهور في كواليس الاستخبارات، وهدف الفيلم هو تبرير الميزانيات الضخمة التي خصصت للحرب على الإرهاب وتحسين صورة وكالات الاستخبارات التي تأثرت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
وأفلام مثل جيمس بوند والمتحولون The Transformers وجميع أفلام مارفيل التي تدور أحداثها حول أبطال خارقين، وفيلم سولت Salt ومسلسل هاواي فايف أو، كلها منصات للإعلام تبث أجهزة الاستخبارات رسائل معينة من خلالها.
حتى مسلسل مثل America Got Talent هو من أعمال وكالات الاستخبارات فلا عجب إذن أننا دائما نسمع ونقرأ من أن برامج المواهب العربية هي من صنع الصهيونية لترفيه وإلهاء الشعوب العربية.
تتدخل أجهزة الاستخبارات لمنع أفلام أو مسلسلات مثل فيلم التدابيرCountermeasures الذي يتحدث عن فضيحة إيران غيت في فترة ولاية ريغان الثانية حين زودت الولايات المتحدة إيران بصواريخ من خلال إسرائيل ثمنا لإطلاق رهائن أمريكان من بيروت.
وكما نعلم فإن الهدف الأساسي من صناعة الأفلام هو جني المال، فعندما يتطلب المشهد مثلا استخدام منشآت عسكرية أو آليات عسكرية، وتوفيرا للمال، يعرض الأمر على وحدة خاصة في البنتاغون فيراجعون كل شيء وهنا تحدث الصفقات فيتدخلوا في كل شيء ثمنا لخدمات سيوفرها البنتاغون.
وتظهر عشرات الأفلام التي تمجد البطولات العسكرية الأمريكية في العراق، في حين تحارب الأفلام التي تتحدث عن انتحار الجنود الأمريكيين الذين خدموا في العراق الذين تفوق أعدادهم بكثير أولئك الذين قضوا نحبهم على أرض المعارك.
ويقال إن إحدى أساسيات صناعة السينما عدم تصوير اليهودي بشكل سيء، وإذا ما ظهر يهودي سيء في فيلم وجب مقابله إبراز اثنين صالحين من اليهود.
وعودة إلى فيلم المرأة الخارقة، لا يوجد أي دليل لغاية الآن على تدخل وكالات الاستخبارات فيه ولكن هنالك حديثا بأنه حظي بدعم من الجيش البريطاني، وهو من الأفلام القلائل التي تتحدث عن موت مدنيين باستخدام الغاز السام في إشارة للنظام السوري، وبالطبع، فلطالما خلط العامة بين الممثل ودوره الذي اشتهر به، وقد استغلت المجندة جال جادوت هذه الحقيقة في مقابلاتها، فلن تُعرف من الآن فصاعدة إلا باسم المرأة الخارقة، وهي تُسقط شعار الفيلم «حربها هي حربنا» على أرض الواقع، وقد تزامن العرض مع تصعيد العدوان على غزة، فهل هي مصادفة أم لا؟
لغاية الآن لم يعرض الفيلم، وآمل أن لا يعرض أبدا في بلادي، فالمرأة الخارقة هذه تسقط أمام النماذج الحقيقية لنساء خارقات قدمن أبناءهن شهداء للوطن، ولبطلات مرابطات يتحدين الصهاينة على أعتاب المسجد الأقصى، ولفتيات صغيرات في الأسر يخفين الخوف والألم وراء بسمات التحدي، أو حتى لنسوة يصلن ليلهن بنهارهن لإطعام وتربية أطفالهن.
والخلاصة، سواء أكنت من المؤيدين أو المعارضين لحضور فيلم المرأة الخارقة، عليك أن تعلم مسبقا بأن السينما شأنها شأن الدبابة والصاروخ هي أداة من أدوات بسط سيطرة الامبراطوية في العالم، وحضورك هو تصويت بالموافقة على سياسات الامبراطورية، وثق تماما بأن السينما تؤثر تأثيرا كبيرا وتساهم في بناء شخصيات أطفالنا وقناعاتهم وحتى ولاءاتهم السياسية.
لا أذكر مَن مِن الساسة الأمريكان قال إننا انتصرنا على الاتحاد السوفييتي قبل نصف قرن من سقوطه في هوليود.
___
*الدستور