السفر عبر الزمن والذهاب للمستقبل

*د.جواد بشارة

هل السفر عبر الزمن ممكن، ولو من الناحية النظرية؟ نعم هذا ما يقوله لنا العلم الحديث  بعيداً عن روايات وأفلام الخيال العلمي. فهناك في النسبية الخاصة والعامة لآينشتين مبدأ يسمى تباطؤ الزمن مع السرعة، ما يعني أنه كلما تسارع الجسم في حركته واقترب من سرعة الضوء ، كلما تضاءل الزمن بالنسبة له فيما يبقى الزمن يجري في إيقاعه العادي بالنسبة للآخرين  غير المسافرين بسرعات كبيرة بل يتحركون بالسرعة العادية اليومية . ولقد أثبتت لنا تحولات لورنتز في النسبية ، ــ وهي عمليات رياضية معقدة  ــ أن نظرتنا المألوفة للزمان والمكان خاطئة وعلينا تغييرها كلياً. فالمدة ليست قيمة مطلقة والزمن يمكن أن يتمدد ويتقلص حسب حالة المراقب ، إذا كان ساكناً أو متحركاً ، وبالطبع  حسب قيمة سرعة تحركه ولقد سمى آينشتين هذه الحالة بمفارقة التوأم. ولقد أجريت تجارب عملية  علمية بساعة ذرية أثبتت صحة هذا المبدأ ، أي تباطؤ الزمن مع السرعة
فلو أخذنا توأمين بنفس العمر ووضعنا أحدهما في مركبة فضائية وتركنا الآخر على الأرض يعيش كباقي الناس. ثم تمر  أربعون عاماً  على التوأم الباقي على كوكب الأرض،  وكان عمره 20 عاماً عند مغادرة شقيقه في المركبة الفضائية فسيكون عمره 60 عاماً  عند عودة أخيه في حين أن الشقيق المسافر بسرعة فائقة لا يشيخ أكثر من عام واحد أي سنة مقابل أربعين سن تمر على التوأمين بسبب سرعة السفر ، لنأخذ مثالا آخر لأب يترك ابنه على الأرض وعمره سنة ويغادر لمدة سنة وعمره 19 عاماً ولكن بسرعة فائقة ، فعندما يعود إلى الأرض يجد أن عمر إبنه أربعون عاماً وعمره هو 20  عاماً فقط أي أصغر من ابنه بــ 20 عاماً ، هذا إذا كانت السرعة كبيرة لكنها بحدود المعقول وليست قريبة من سرعة الضوء وهي 300000 كلم في الثانية. فلو تمكن شخص أن يعيش على متن سفينة فضائية لمدة ثمانين عاماً خارج كوكب الأرض في سفينة  ترحل بسرعة قريبة من سرعة الضوء فإنه عند عودته إلى الأرض ــ إذا كانت ما تزال موجودة بالطبع ــ فسيجد أنه مر عليها 1036 سنة ، أي حوالي مائة مليون مليار المليار أكثر من عمر الكون الحالي وهو 13.85 مليار سنة أي إنه سوف يجد أن الأرض والشمس بل والمجموعة الشمسية برمتها قد انقرضت واختفت وابتلعتها مجرة أخرى هي أندرويدا أي المرأة المتسلسلة. لكننا في حياتنا البسيطة المتواضعة لا نشعر بمثل هذه التغيرات فحياتنا لاشيء مقارنة بأبعاد وقيم وحسابات وقوانين الكون المرئي الذي يحتوي على مائة مليار مجرة مثل مجرتنا درب التبانة وفي كل مجرة بين مائة إلى ثلاث مئة مليار نجم مثل نجمنا الشمس وحوله كواكب وأقمار تدور في نظام شمسي كنظامنا وإن اقرب نجم للأرض يبعد مسافة 4 سنوات ضوئية أي مايقطعه الضوء بسرعته الفائقة  لمدة أربع سنوات أرضية . وخلاصة ذلك أننا لايمكن أن نفصل بين الزمان والمكان فهما وجهان لعملة واحدة ويمكن أن يتحول أحدهما للآخر في ظروف معينة فهما نسيج واحد يسميه آينشتين  ــ الزمكان  ــ  فمراقب ما يرصد الزمن من زاوية معينة من الكون المرئي،  يجده مراقب آخر من زاوية أخرى وبظروف أخرى على إنه مكان وليس زمان، ولو تمعنا ملياً بهذا المفهوم الجديد لاستوعبنا مدى عمق هذه الثورة العلمية التي بدأت في أوائل القرن العشرين وما زالت مستمرة وترفدنا بالعديد من المنجزات والتطورات والابتكارات العلمية والتكنولوجية التي نلمسها في حياتنا اليومية،  كنظام الملاحة الفضائي الجي بي أس والأقمار الصناعية والذكاء الصناعي والهواتف الذكية والقنوات الفضائية  الستلايت ، وكانت ترجمة هذا الحدث العلمي المهول قد تمت سينمائياً من خلال الفيلم الملحمي الرائع أنترستلر أي رحلة ما بين النجوم حيث يغادر شخص  بحثاً عن أرض مناسبة لسكن البشرية المعرضة للفناء، لبضعة أشهر قليلة تاركاً ابنته المراهقة وعندما يعود يجدها طاعنة في السنة وجدة لعائلة كبيرة من الأبناء والأحفاد بينما هو مايزال شاباً يافعاً وما علينا سوى أن نتأمل .
_______
*المدى

شاهد أيضاً

كيف تعلمت الحواسيب الكتابة: تطور الذكاء الاصطناعي وتأثيره في الأدب

كيف تعلمت الحواسيب الكتابة: تطور الذكاء الاصطناعي وتأثيره في الأدب مولود بن زادي في كتابه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *