حول ٢٥ مايو … السلطان (مدحا) أو (شيطنة)

خاص- ثقافات

*محمد امين ابوالعواتك

المثاقفات الفكرية التي تتم في بعض المجموعات استفادة ايجابية من وسائل التواصل الاجتماعية يكون فيها أحيانا إثراء مفيدا للأفكار وتتبلور فيها رؤى جيدة وبخاصة إذا غاب أهل الإقصاء أو الأفكار المعلبة مع أن الأمر لا يكون كذلك على الدوام، كان النقاش عن ثورة 25 مايو والرئيس الراحل جعفر نميري وتباري تيارات القدح أو المدح في تلك التجربة، والذي أتاح أن أقدم افكارا  تعبر عن رؤية عن الموضوع  كنموذج لتجربة السلطان في عالمنا عبر الأزمان.

تظل أزمة السلطان في عالمنا والفهم غير الصحيح لطبيعة أدواره وأدواته  داء مستمرا وهي مرشحة للاستمرار وذلك لطول استمرار وجود هذه الأزمة حتى استحقت مطلوبات الإقامة بيننا، فجميع الأجيال الحالية أو تلك التي سبقت  ولدت ورضعت من ثدي الموروث والمفهوم عن السلطان والذي بفعل تطاول آجاله صار واقعا فآمن الناس به إيمانا يقينيا، فشبت وشابت أجيال على نفس الأدوار والأدوات المأزومة وغير الصحيحة فهمًا وسلوكا وهي ليست أزمة السودان فحسب إنما  هي أزمة أمة وصفت في القران العظيم بأنها (خير أمة اخرجت للناس) بمقاييس الهدي الصحيح الذي بين أيديها ولم تفقهه بعد !!

يتساوي هذا الفهم للسلطان بالتأكيد عند الحاكم أو معارضيه وأعدائه الذين يجيشون الجيوش أو يعدون العدة للتخلص منه سلما أو غير ذلك،  كما يفعل هو أيضا في محاولات التخلص منهم بكل السبل واستئصالهم حتى ينعم بالهدوء، فادعاء تملك شرعية الصحة لهذا الفهم أو ذاك  متشابه في طريقة  الفهم والفعل وكل يرى أنه منقذ العناية الإلهية، لكن يفوت علي الكثير  المشيئة الإلهية والتي تمثل إرادة الفعل الحادث والقضاء والقدر الإلهي وهو خير الماكرين جل جلاله (….ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتفكرون أو يتدبرون للاتباع الصحيح، وإرادة التسليم منا تقتضي القبول وعدم حبس آلية التدبر والتفكر في الماضي الدامع والذي هو تاريخنا وحاضرنا الذي بين أيدينا والتخلي عن كل نقيض لهدي الرسالة المحمدية في (عدم الإكراه) و ( لست عليهم بمسيطر ) و ( لست عليهم بوكيل ) و ( أن الله لايحب المعتدين ) و ( من نظر الى أخيه نظرة تخيفه أخافه الله يوم القيامة ) و(بعثت لأتمم صالح الأخلاق) ولي عنق النصوص في إثبات أن الأمر تجبر وسلطان!

 الدعوة للتدبر يتكرر التذكير بها كل مرة للإنسان والانتباه لكيفية السير المستقيم تصويبا للأمر إلى مرجعيته المعصومة سيدي رسول الله والذي هو المجسد لرسالته وقدوتها،  فعندما عرضت قريش  وسلطانها آنذاك علي سيدي رسول الله  صلوات ربي وبركاته عليه ووالديه وآله أن يترك أمر ( أمر رسالة الإسلام التي مقصدها الأخلاق والمجتمع الفاضل وليس السلطان ) على أن يجعلوه ملكا أو أكثر مالا …رفض المعلم الأكبر ومدينة العلم سيدي رسول الله ذلك قائلا: ( والله لو وضعوا القمر على يميني والشمس على يساري أن أترك هذا الأمر ما تركته ) و بالتمحيص الشديد في هذا الموقف وهو خلاصة التدبرالمستفاد رفض ما تقوم عليه الدولة أساسا بل هما قواعدها  الرئيسيّة …المال والسلطان !!!

من هذا الذي يحدثنا الآن بعد كلام من لاينطق عن الهوى سيدي رسول الله  عن السلطان والسيف والاكراه !!! نقبوا سيداتي وسادتي وابحثوا عن هدي الرحمة المهداة في أننا خير أمة أخرجت للناس برسالة بعث فيها للناس كافة ( وما أرسلناك إلا كافة للناس ) ..كل الخلق ..لا دينين وكفار  ..أهل كتاب..كل أصناف الآخر والاختلاف ..تعاملا بالأخلاق متقدمين نحو المجتمع الفاضل والذي لأجله بعث الله كلماته الرسل عليهم السلام.

بهذا الفهم المعوج المؤسس على السلطان وصراعاته نحمل نفسنا بما لا نستطيع أو لا نطيق أو حتى ما لا ينبغي..فأصحاب فهم  الديمقراطية أو الدين في آن  (السياسة لعبة قذرة) أو (السلطان هو الدين) عليهم أن يعلموا أن أي عمل أو فعل أو جهد يجافي في أسلوبه ومقصده الأخلاق لا محالة سيصيبه البوار، لايستقيم أن ندعي اختطاف ما لله في الآخرة بادعاء محاسبة خلقه في الحياة الدنيا وكل الخلق والذين رحلوا هم في رحاب الله يفعل بهم ما يشاء إن شاء عذب وإن شاء عفي فلا يسأل عن ما يفعل جل جلاله..فلا ينبغي لإنسان أن يدخل نفسه في هذه المهالك، ورغم الدماء التي أريقت وتحدث عنها الأخوان فقد عاد الرئيس جعفر نميري بعد الثورة الشعبية التي أطاحت به وهو خارج السودان ..عاد شخصا عاديا وقابلته في أكثر من مناسبة زواج وعزاء وتوفاه الله وشيعه بكل الحب  جمعا غفيرا  من أبناء الشعب الذي ثار عليه  بالأمس وهو مقبور في قلب ام درمان  وهو أمر جدير بالتدبر…لكن هل يلغي ذلك وجود من عانوا أو عذبوا أو قتلوا؟ بالتأكيد لا…. فلكل إنسان سعيه والله أعلم بالنوايا ( ورب قتيل بين الصفين الله اعلم بنيته) لذا كان ( أكثر شهداء أمتي أصحاب الفرش ).

من يتدبر !!
يفوت علي كثير من الناس أن الأمر فيه جانب أعمق عندما نقبل على التقييم ..تقييم أي شيء  فنقوم بعزل أثر عوامل أساسية نبه لها الله سبحانه وتعالى في الكتاب الذي لم يفرط فيه من شيء، فكثير مما نعانيه من أثر السلطان  فيه جانب خاص بنا وهو أعمالنا  التي ترد إلينا ( كما تكونوا يولي عليكم ) و ( لا يغير الله ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم ).

فلنتقدم إلى مدينة العلم بالأخلاق والدين المعاملة وحسن الخلق لنشيد مجتمعه الذي نتفق علي تنظيمه كيف ما نشاء بالحرية على هدي الأخلاق  والذي ليس متاحا فيه أن يأتينا مدعي مدعيا بأنه أشطرنا أو هو الدين وبدونه ستنعدم الحياة والأمان!
ما أحوجنا إلى الخلاصات
والتقدم إلى الأمام..إلى قدوتنا المعصومة.

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *