د . ز جوكر وأزمة النخبة في الجزائر

خاص- ثقافات

*إبراهيم مشارة

لا مرية في الدور الذي يلعبه المثقفون في مسار التنوير والتطوير لأوطانهم فالحق أن المجموع يسير في حياته كالقطيع لا يدرك له مآلا ولا يفقه له حالا إلا حال الصراع من أجل لقمة العيش وهو صراع مشروع على كل حال، كما أن التعود يجعل الأشياء تبدو طبيعية بما فيها القهر ،إن المسجون يتعود على حياة القيد حتى لتبدو الحرية مقلقة مثيرة ربما لا يتحملها لفرط تعوده على حياة فقد فيها حريته. فمهمة التنوير وتطوير حركة التاريخ باتجاه الرقي والكمال مهمة المثقف ومحاربة الرجعية والاستبداد السياسي والتخلف الفكري والتطرف مهمة لا شك يضطلع بها المثقفون إنهم الشريحة الأحق بفعل ذلك بحكم منطلقاتهم العلمية ومشاربهم الثقافية واحتكاكهم بالثقافات الأخرى التي تتيح لهم مقارنة حال شعوبهم بغيرهم من الشعوب الأخرى ومن ثمة النضال من أجل التحرير والتنوير والتحسين لحركة التاريخ في الحال والمآل.
لم يعد في بلدنا الجزائر بهذه النظرة لمفهوم المثقف ووظيفته أي وجود فعلي وما بقي مجرد عناصر مشلولة معزولة مغيبة في زوايا المجتمع لا يذكرها أحد ولا هي بقادرة على مغالبة الواقع والتصدي للصمت المضروب عليها ومقاومة الفساد والردة الممنهجة في العودة إلى اللاعقلانية والكساد السياسي الذي يعني أن السياسة لم تعد علما يستند إلى دراسات علماء التاريخ والاستشراف المستقبلي والأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع من أجل رسم سياسة وطنية داخلية وخارجية تجعل الوطن في مصاف الدول الراقية المحافظة على قيمتها داخليا وخارجيا إنما تعني السياسة الفساد والاحتكام إلى الغرائز وتسليط أناس لا مصداقية لهم على المجتمع وجعلهم في الواجهة إنه الإفناء الحقيقي للطاقات الوطنية الشابة المؤهلة التي هاجرت
أو غيبها التهميش والإقصاء وإبراز البيادق والأصاغر وتحكيمهم في مصير الناس.وإبراز طبقة من عديمي المستوى أو الأخلاق أوالمعرفة كفنانين والاحتفاء بهم واعتبارهم رموزا وطنية وإغداق المال عليهم مادام الغناء الرخيص والرياضة المسيسة وسيلة لتخدير وعي الشعب وإلهائه عن مستقبله ومصيره وعن الفساد الذي عم .
لم يعد في الجزائر فئة تسمى فئة المثقفين لأنهم خافوا ولم يعد لديهم الاستعداد لمجابهة المحن ولا القوة في مواجهة الزبف والكساد بل تحول أشباه المثقفين إلى قطط تلتقم ما يلفظ إليها من فتات السلطة والاستراحة من هم المتابعات والملاحقات.
وإن مثقفا حاله هكذا فكيف يسمى مثقفا؟ إنه لم يزد على تأكيد المعنى التراثي لمفهوم المثقف وهو ذلك الحافظ للأشعار الراوي للمغازي الدارس لأيام العرب الحافظ والعارف بثقافات مجاورة فارسية وهندية ورومية يتخذه الحاكم جليسا ونديما على حساب فقر العامة وجوع الشعب كما كان العهد في دولة بني أمية ودولة بني العباس وسائر الدول التي يقال إنها إسلامية. حتى انتفض مثقف ثوري تقدمي هو أبو حيان التوحيدي فرأى أن الثقافة ليست حفظ الأشعار والإحاطة بالدين والفلسفة والجلوس إلى الحاكم لتسليته ومطارحته الأشعار ومسامرته بالأخبار كما تسامره الجواري بتهتكهن إنها التزام بقضايا الناس ومصائرهم في حالهم ومآلهم لذا انتقد رمزين كبيرين في الثقافة العربية وهما الصاحب بن عباد وابن العميد في كتاب عظيم “مثالب الوزيرين” انتقدهما من حيث انتقدنا المثقف السلطوي الخادم للسلطة الذي يشرعن فسادها واستبدادها بحيله الخطابية وبلاغته البهلوانية مقابل الامتيازات التي يحصل عليها.
ما جدوى وسام يقدم لمثقف من نظام فاسد ؟ منذ مدة رفض الروائي الإسباني المثلي خوان غويتسلو وقد مات أخيرا جائزة القذافي على الرغم من قيمتها المادية لأن القذافي مستبد لم ينتخبه شعبه فكيف يعطي جائزة لكاتب حر يؤمن بالحرية أيجيز الاستبداد الحرية؟ ومن العجب أن اللجنة التي اختارت خوان غويتسلو يمثلها روائي ليبي هو إبراهيم الكوني وناقد مصري هو صلاح فضل فأي زراية واستخفاف موجهة من قبل الروائي للجنة الموقرة ولمانح الجائزة؟ وماذا نقول عن جوائز أمراء النفط الذين ولدوا ملوكا وأمراء بمشيئة إلهية لم يعرفوا معنى للحرية ولا للديمقراطية ولا للعلم ولا للكدح. !
لقد كشفت الانتخابات الأخيرة حجم الأزمة التي يمر بها الوطن وحجم التردي من قبل من يسمى بالمثقفين وحجم الارتزاق والوصولية من قبل حتى الأحزاب الدينية والمدنية وأدت إلى بروز طبقة حاكمة استأثرت بالمناصب السياسية والاقتصادية والمالية وصارت خادما لمصالحها ولمصالح الغير وتركت لعامة الشعب الفقر والإملاق والجهل المؤسس والمقدس.
من أجل ذلك انتهى المثقف في الجزائر وانتهت طبقته اللهم إلا من أشباه المثقفين وهم حاشية من المتنفعين والانتهازيين والباذلين خدماتهم الخطابية أو العلمية والدينية للنظام. وهذا بالتحديد ما يعنيه غرامشي بالمثقف العضوي إنه المثقف الذي أنتجه النظام والذي هو جزء منه ويعيد إنتاج ثقافة النظام السياسية والدينية والاجتماعية وتكريس سيطرة النظام وعدم حدوث أي تغيير جذري إيجابي لصالح الشعب وحركة النماء والتنوير والتطوير.
إنما الأمل في هذه الفئة الشابة المتعلمة التي لا تخاف تعبر عن رأيها بأحدث الوسائل معتمدة على التقانة والثورة الرقمية كحال الشاب”دز جوكر” الذي أنتج ذلك الفيلم القصير الذي يعبر فيه عن مقاطعته التصويت ويشرح الأسباب بكل قوة ووجاهة رأي وهدوء ورزانة إن هذا الشاب أقلق النظام وزاد في التأثير على شريحة الشباب بل والكهول في مقاطعة التصويت لأنه لا يغير أي تغيير اللهم إلا إفقار الفقراء وإغناء الأغنياء وملء البرلمان بمن يسدي خدماته لمن وضعهم في منصب تمثيل الشعب بلا تزكية الشعب إنها جرأة وعدم خوف من النظام حين سكت المثقفون والأكاديميون والصحافيون فخرج هذا الشاب يشرح للناس ما يعرفونه مسبقا ولكنها صرخة وكلمة لا بد أن تقال عن فساد تلك الانتخابات التي أخذ مقاعد البرلمان فيها أصحاب النفوذ والمال في هذه اللعبة وهي حقا لعبة وما أبعدها عن الانتخابات النظيفة التي تيسر حياة الشعب وتدفع بها إلى الرقي حال الانتخابات الأروبية والأمريكية، هذا الشاب في رأينا أكثر ثقافة من أساتذة الجامعة وأكثر وعيا من المثقفين العضويين بتعبير غرامشي والدليل التأثير الذي أحدثه والهلع الذي أصاب النظام من شريطه القصير والإعجابات التي حصدها والتي تجاوزت الملايين حين عجزت الأحزاب الإسلامية والعلمانية عن ستر عورتها من عزوف الناس عنها فلم تجمع إلا آلاف الأصوات .
أين هم أساتذة الجامعات النخبة الأكاديمية؟ أم أنهم مشغولون ببحوثهم الأكاديمية التي لا يفهمها عامة الناس والتي غدت لعدم قيمتها كهانة وتنجيما وجعلت الجامعة الجزائرية في ذيل جامعات الدنيا مع هذا الجيش من الطلبة وجامعة في كل مدينة وطوفان من الدكاترة الذين لا يملكون – في غالبيتهم إلا القليل النادر- إلا الطنين واللقب الفارغ وطلبة يحفظون ما يلقنون. أيكون العلم والشموخ والأنفة والاعتزاز بالرأي والحرية الشخصية والإنية(أنا) مولودا لرحم لا تنسل إلا التبعية والخوف والإمعية؟
فلو كان لأولئك الجامعيين قيمة مااستشرى الفساد ومن العجب أن الجامعة الجزائرية هي الاستثناء بين جامعات العالم التي يؤطرها أساتذة بلا مؤلفات علمية أكاديمية وبعضهم بشهادات مشبوهة وكثير من شهاداتهم تستند إلى أعمال مبتذلة عديمة القيمة ولذا تفشت الرذيلة في الجامعة وصار الطالب والأستاذ كلاهما شريكان فيها. وكل إبداع في الاجترار أو التقليد تصنعه الجامعة الجزائرية إلا الإبداع العلمي والأدبي.
ولو كان في البلد مثقفون لتعرضوا للمحن أو دخلوا السجون بتعبير أدونيس لا الاتحادات الوطنية والمجالس العليا وقصور الثقافة لأنهم لا يحتملون الصمت أمام الفساد والاستبداد ولكن عدمنا مثقفين فساد علينا الاستبداد بكلكله.
من أجل ذلك هذا زمن الشباب الذكي الشجاع العارف بغير وصاية أشباه المثقفين والشيوخ النائمين وأرجلهم الناعمة في الجوارب التركية إنه يعبر بأحدث وسيلة عن رفضه لهذا الاستبداد والضحك على الذقون.قديما انتفض المعري على السياسيين مع أنه كان عازفا عن الدنيا ولكنه كشف حقيقتها وأدانها:
يسوسون الأمور بغير عقل
فينفذ أمرهم ويقال ساسه
لم تعد الثقافة تعني الانعزال عن الناس في تهويمات ميتافيزيقة والأخذ بنصائح” ابن باجة” في تدبير المتوحد ذاك المنعزل عن الناس بين القلل بل الثقافة مجابهة الفساد ومواجهة البغي والانتصار للخير والحق والعدل داخليا وخارجيا تماما كما كان” سارتر” يعبر من “مقهى فلور” عن حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره وكما كان” راسل”يحتج على السباق نحو التسلح النووي. أي الثقافة الإيجابية وليست الثقافة الميتة الغارقة في الماضي المهادنة التي تخاف من البرد والأنفلوانزا فتغطي نفسها بالثياب الخشنة وتضع رجليها في جوارب ناعمة حقا ليس من السهل أن تحيا حياة المثقف من شظف عيش أو خمود ذكر أو ملاحقة وتضييق وعدم خضوع للفساد ومقاومته ولكن ذاك السبيل هو الجادة التي توصل إلى الحق والعدل والخير في وطن شاع فيه الظلم وعالم عمت فيه الرذيلة والتي على المثقفين أن يسلكوها إن كانوا حقا جديرين بهذا اللقبلا مرية في الدور الذي يلعبه المثقفون في مسار التنوير والتطوير لأوطانهم فالحق أن المجموع يسير في حياته كالقطيع لا يدرك له مآلا ولا يفقه له حالا إلا حال الصراع من أجل لقمة العيش وهو صراع مشروع على كل حال، كما أن التعود يجعل الأشياء تبدو طبيعية بما فيها القهر ،إن المسجون يتعود على حياة القيد حتى لتبدو الحرية مقلقة مثيرة ربما لا يتحملها لفرط تعوده على حياة فقد فيها حريته. فمهمة التنوير وتطوير حركة التاريخ باتجاه الرقي والكمال مهمة المثقف ومحاربة الرجعية والاستبداد السياسي والتخلف الفكري والتطرف مهمة لا شك يضطلع بها المثقفون إنهم الشريحة الأحق بفعل ذلك بحكم منطلقاتهم العلمية ومشاربهم الثقافية واحتكاكهم بالثقافات الأخرى التي تتيح لهم مقارنة حال شعوبهم بغيرهم من الشعوب الأخرى ومن ثمة النضال من أجل التحرير والتنوير والتحسين لحركة التاريخ في الحال والمآل. لم يعد في بلدنا الجزائر بهذه النظرة لمفهوم المثقف ووظيفته أي وجود فعلي وما بقي مجرد عناصر مشلولة معزولة مغيبة في زوايا المجتمع لا يذكرها أحد ولا هي بقادرة على مغالبة الواقع والتصدي للصمت المضروب عليها ومقاومة الفساد والردة الممنهجة في العودة إلى اللاعقلانية والكساد السياسي الذي يعني أن السياسة لم تعد علما يستند إلى دراسات علماء التاريخ والاستشراف المستقبلي والأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع من أجل رسم سياسة وطنية داخلية وخارجية تجعل الوطن في مصاف الدول الراقية المحافظة على قيمتها داخليا وخارجيا إنما تعني السياسة الفساد والاحتكام إلى الغرائز وتسليط أناس لا مصداقية لهم على المجتمع وجعلهم في الواجهة إنه الإفناء الحقيقي للطاقات الوطنية الشابة المؤهلة التي هاجرت أو غيبها التهميش والإقصاء وإبراز البيادق والأصاغر وتحكيمهم في مصير الناس.وإبراز طبقة من عديمي المستوى أو الأخلاق أوالمعرفة كفنانين والاحتفاء بهم واعتبارهم رموزا وطنية وإغداق المال عليهم مادام الغناء الرخيص والرياضة المسيسة وسيلة لتخدير وعي الشعب وإلهائه عن مستقبله ومصيره وعن الفساد الذي عم . لم يعد في الجزائر فئة تسمى فئة المثقفين لأنهم خافوا ولم يعد لديهم الاستعداد لمجابهة المحن ولا القوة في مواجهة الزبف والكساد بل تحول أشباه المثقفين إلى قطط تلتقم ما يلفظ إليها من فتات السلطة والاستراحة من هم المتابعات والملاحقات. وإن مثقفا حاله هكذا فكيف يسمى مثقفا؟ إنه لم يزد على تأكيد المعنى التراثي لمفهوم المثقف وهو ذلك الحافظ للأشعار الراوي للمغازي الدارس لأيام العرب الحافظ والعارف بثقافات مجاورة فارسية وهندية ورومية يتخذه الحاكم جليسا ونديما على حساب فقر العامة وجوع الشعب كما كان العهد في دولة بني أمية ودولة بني العباس وسائر الدول التي يقال إنها إسلامية. حتى انتفض مثقف ثوري تقدمي هو أبو حيان التوحيدي فرأى أن الثقافة ليست حفظ الأشعار والإحاطة بالدين والفلسفة والجلوس إلى الحاكم لتسليته ومطارحته الأشعار ومسامرته بالأخبار كما تسامره الجواري بتهتكهن إنها التزام بقضايا الناس ومصائرهم في حالهم ومآلهم لذا انتقد رمزين كبيرين في الثقافة العربية وهما الصاحب بن عباد وابن العميد في كتاب عظيم “مثالب الوزيرين” انتقدهما من حيث انتقدنا المثقف السلطوي الخادم للسلطة الذي يشرعن فسادها واستبدادها بحيله الخطابية وبلاغته البهلوانية مقابل الامتيازات التي يحصل عليها. ما جدوى وسام يقدم لمثقف من نظام فاسد ؟ منذ مدة رفض الروائي الإسباني المثلي خوان غويتسلو وقد مات أخيرا جائزة القذافي على الرغم من قيمتها المادية لأن القذافي مستبد لم ينتخبه شعبه فكيف يعطي جائزة لكاتب حر يؤمن بالحرية أيجيز الاستبداد الحرية؟ ومن العجب أن اللجنة التي اختارت خوان غويتسلو يمثلها روائي ليبي هو إبراهيم الكوني وناقد مصري هو صلاح فضل فأي زراية واستخفاف موجهة من قبل الروائي للجنة الموقرة ولمانح الجائزة؟ وماذا نقول عن جوائز أمراء النفط الذين ولدوا ملوكا وأمراء بمشيئة إلهية لم يعرفوا معنى للحرية ولا للديمقراطية ولا للعلم ولا للكدح. ! لقد كشفت الانتخابات الأخيرة حجم الأزمة التي يمر بها الوطن وحجم التردي من قبل من يسمى بالمثقفين وحجم الارتزاق والوصولية من قبل حتى الأحزاب الدينية والمدنية وأدت إلى بروز طبقة حاكمة استأثرت بالمناصب السياسية والاقتصادية والمالية وصارت خادما لمصالحها ولمصالح الغير وتركت لعامة الشعب الفقر والإملاق والجهل المؤسس والمقدس. من أجل ذلك انتهى المثقف في الجزائر وانتهت طبقته اللهم إلا من أشباه المثقفين وهم حاشية من المتنفعين والانتهازيين والباذلين خدماتهم الخطابية أو العلمية والدينية للنظام. وهذا بالتحديد ما يعنيه غرامشي بالمثقف العضوي إنه المثقف الذي أنتجه النظام والذي هو جزء منه ويعيد إنتاج ثقافة النظام السياسية والدينية والاجتماعية وتكريس سيطرة النظام وعدم حدوث أي تغيير جذري إيجابي لصالح الشعب وحركة النماء والتنوير والتطوير. إنما الأمل في هذه الفئة الشابة المتعلمة التي لا تخاف تعبر عن رأيها بأحدث الوسائل معتمدة على التقانة والثورة الرقمية كحال الشاب”دز جوكر” الذي أنتج ذلك الفيلم القصير الذي يعبر فيه عن مقاطعته التصويت ويشرح الأسباب بكل قوة ووجاهة رأي وهدوء ورزانة إن هذا الشاب أقلق النظام وزاد في التأثير على شريحة الشباب بل والكهول في مقاطعة التصويت لأنه لا يغير أي تغيير اللهم إلا إفقار الفقراء وإغناء الأغنياء وملء البرلمان بمن يسدي خدماته لمن وضعهم في منصب تمثيل الشعب بلا تزكية الشعب إنها جرأة وعدم خوف من النظام حين سكت المثقفون والأكاديميون والصحافيون فخرج هذا الشاب يشرح للناس ما يعرفونه مسبقا ولكنها صرخة وكلمة لا بد أن تقال عن فساد تلك الانتخابات التي أخذ مقاعد البرلمان فيها أصحاب النفوذ والمال في هذه اللعبة وهي حقا لعبة وما أبعدها عن الانتخابات النظيفة التي تيسر حياة الشعب وتدفع بها إلى الرقي حال الانتخابات الأروبية والأمريكية، هذا الشاب في رأينا أكثر ثقافة من أساتذة الجامعة وأكثر وعيا من المثقفين العضويين بتعبير غرامشي والدليل التأثير الذي أحدثه والهلع الذي أصاب النظام من شريطه القصير والإعجابات التي حصدها والتي تجاوزت الملايين حين عجزت الأحزاب الإسلامية والعلمانية عن ستر عورتها من عزوف الناس عنها فلم تجمع إلا آلاف الأصوات . أين هم أساتذة الجامعات النخبة الأكاديمية؟ أم أنهم مشغولون ببحوثهم الأكاديمية التي لا يفهمها عامة الناس والتي غدت لعدم قيمتها كهانة وتنجيما وجعلت الجامعة الجزائرية في ذيل جامعات الدنيا مع هذا الجيش من الطلبة وجامعة في كل مدينة وطوفان من الدكاترة الذين لا يملكون – في غالبيتهم إلا القليل النادر- إلا الطنين واللقب الفارغ وطلبة يحفظون ما يلقنون. أيكون العلم والشموخ والأنفة والاعتزاز بالرأي والحرية الشخصية والإنية(أنا) مولودا لرحم لا تنسل إلا التبعية والخوف والإمعية؟ فلو كان لأولئك الجامعيين قيمة مااستشرى الفساد ومن العجب أن الجامعة الجزائرية هي الاستثناء بين جامعات العالم التي يؤطرها أساتذة بلا مؤلفات علمية أكاديمية وبعضهم بشهادات مشبوهة وكثير من شهاداتهم تستند إلى أعمال مبتذلة عديمة القيمة ولذا تفشت الرذيلة في الجامعة وصار الطالب والأستاذ كلاهما شريكان فيها. وكل إبداع في الاجترار أو التقليد تصنعه الجامعة الجزائرية إلا الإبداع العلمي والأدبي. ولو كان في البلد مثقفون لتعرضوا للمحن أو دخلوا السجون بتعبير أدونيس لا الاتحادات الوطنية والمجالس العليا وقصور الثقافة لأنهم لا يحتملون الصمت أمام الفساد والاستبداد ولكن عدمنا مثقفين فساد علينا الاستبداد بكلكله. من أجل ذلك هذا زمن الشباب الذكي الشجاع العارف بغير وصاية أشباه المثقفين والشيوخ النائمين وأرجلهم الناعمة في الجوارب التركية إنه يعبر بأحدث وسيلة عن رفضه لهذا الاستبداد والضحك على الذقون.قديما انتفض المعري على السياسيين مع أنه كان عازفا عن الدنيا ولكنه كشف حقيقتها وأدانها: يسوسون الأمور بغير عقل فينفذ أمرهم ويقال ساسه لم تعد الثقافة تعني الانعزال عن الناس في تهويمات ميتافيزيقة والأخذ بنصائح” ابن باجة” في تدبير المتوحد ذاك المنعزل عن الناس بين القلل بل الثقافة مجابهة الفساد ومواجهة البغي والانتصار للخير والحق والعدل داخليا وخارجيا تماما كما كان” سارتر” يعبر من “مقهى فلور” عن حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره وكما كان” راسل”يحتج على السباق نحو التسلح النووي. أي الثقافة الإيجابية وليست الثقافة الميتة الغارقة في الماضي المهادنة التي تخاف من البرد والأنفلوانزا فتغطي نفسها بالثياب الخشنة وتضع رجليها في جوارب ناعمة حقا ليس من السهل أن تحيا حياة المثقف من شظف عيش أو خمود ذكر أو ملاحقة وتضييق وعدم خضوع للفساد ومقاومته ولكن ذاك السبيل هو الجادة التي توصل إلى الحق والعدل والخير في وطن شاع فيه الظلم وعالم عمت فيه الرذيلة والتي على المثقفين أن يسلكوها إن كانوا حقا جديرين بهذا اللقب.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *