العلاقة بين الشعر والفكر

خاص- ثقافات

*جواد لؤي العقاد

معروف أن الشعر أجود وأروع وأفخم أنواع الكلام ؛فهو يقدم الفكرة بأسلوب بياني بلاغي مدهش وراق يأسر سمع المتلقي ويحوذ على ذوق القارئ ، صحيح أن الشعر كلام ولكن ما فيه من لغة موسيقية عذبة وقوية أو إيحاءات فلسفية قائمة على الدهشة تجعله مختلفاً عن الكلام العادي ولغة التواصل.
يولد النص الشعري ليعبر عن حالة وتجربة إنسانية عايشها الشاعر أو عن أحداث ومجريات تدور حوله ولعل قلق وهواجس الشاعر ورغبته ومحاولته تفسير وفهم الطبيعة جعلته يوظف الأساطير القديمة في نصه الشعري مما يكسبه إيحاءات خاصة ورمزية قد تصل حد السريالية أحياناً ولا سيما في الشعر المعاصر حيث ظهرت هذه الخاصية بشكل واضح في شعر ( درويش، أدونيس، السياب، البياتي) وأغلب شعراء عصرهم .
وعند الاطلاع على نماذج الشعر المعاصر نستطيع القول أن توظيف الأسطورة في الشعر أهم ما جاء به المحدثون، ومن أهم الأساطير ( العنقاء، سيزيف، عشتار، أنكيدو) ولكل منها دلالتها الخاصة ، وربما يذكر في النص شخصيات تاريخية مرموقة ( بلقيس، المسيح بن مريم، أسماء أنبياء) على سبيل المثال .
وهنا السؤال هل يمكن الموائمة بين الشعر والفكر؟
الشعر يعتمد على الحدس والخيال واللغة المجردة من الواقعية بينما الفكر قائم على المنطق والتفسير الواقعي للحياة والظواهر الإنسانية ؛ لذلك إذا كان الشاعر متناقضاً في نصه الشعري هذا ليس مشكلة كبيرة ولا يحق لأحد مسألته بالمعنى الجاد ولكن في الجهة المقابلة لا يمكن للمفكر أن يكون متناقضاً فهو يتعامل مع حقائق ومعطيات واقعية وربما مشكلات مجتمعية يحاول حلها .
نستطيع القول أن نظرة الإنسان الأولى للكون وتفسيره للطبيعة كانت قائمة على هواجس وخيال وشعور وتكهنات، ويتضح هذا كله من خلال دراسة المثولوجيا والفلسفة القديمة، بمعنى آخر أن الخيال سابق للفكر، وأعتقد أن للأديان السماوية أثر كبير في تحقيق توازن الإنسان وإشباع العقل والعاطفة معاً.
يقول محمود درويش ” أنا أتألم إذن أنا حي “، ويقول ديكارت ” أنا أفكر إذن أنا موجود “. ربط الشاعر درويش الحياة بالشعور وفقاً لتوجه الشاعر في حين ربط ديكارت الوجود بالتفكير وفقاً لتوجه المفكر .
والحقيقة أن الشعور والتفكر يعطيان الإنسان صفة الإنسانية التي تميزه عن باقي المخلوقات .
أما من حيث المبدأ فإن الشعر والفكر متناقضان جداً، ولكن يمكن إقامة علاقة بينهما ولا سيما أن الشاعر الجيد هو صاحب تأملات في الحياة وفكر شمولي واضح ؛ لذلك يمكن توظيف تساؤلات فكرية وفلسفية في النص الشعري وهذا قد تحقق فعلاً في الشعر سواء الأجنبي أو العربي على سبيل المثال أبو العلاء المعري تجربة واضحة في الشعر العربي الكلاسيكي في العصر العباسي ، أما في الشعر المعاصر يمكن اعتبار أدونيس نموذجاً للاندماج الشعري الفكري وهو شاعر ومفكر ومن الطبيعي أن تظهر عقليته الفكرية في نصه الشعري.
الأصل في علاقة الشعر بالفكر تناقض واضح ( تناقض القلب والعقل) فالعقل يعتمد على الأدلة والبراهين بينما القلب يعتمد على الشعور والحدس، كان لا بد من إيجاد علاقة بينهما بشكل أو بآخر وتوظيف بعض التساؤلات الفلسفية والفكرية في الشعر والشعر بدوره لا يستطيع الرفض لأن هذه العلاقة تخدم النص الشعري خاصة في ظل التطور الكبير في الشعر العربي سواء من حيث الشكل أو المضمون .

شاهد أيضاً

فصل من سيرة عبد الجبار الرفاعي

(ثقافات)                       الكاتب إنسان مُتبرع للبشرية …