نظريّة آينشتاين في النسبيّة تصمد أمام محك علمي دقيق

*أحمد مغربي

وضعت دراستان جديدتان ومستقلّتان نظريّة العالم آلبرت آينشتاين عن النسبيّة العامّة تحت الاختبار كما لم يسبق لها أن اختُبِرَت. وجاءت النتائج التي تم التوصّل إليها بفضل «مرصد الأشعّة السينيّة- تشاندرا» Chandra X- Ray Observatory التابع لوكالة الفضاء الأميركيّة («ناسا»)، لتظهر أنّ نظريّة آينشتاين لا تزال الأفضل.

وتنافس فريقان علميّان تولى أحدهما الدفاع عن نظرية آينشتاين، والآخر حاول تأكيد نظرية بديلة عنها تعرف باسم «إف آر غرافيتي» f(R) gravity.

واستفاد كلّ فريق من نتائج أرصاد «تشاندرا» الشاملة لمجموعات من عناقيد النجوم في المجرّة التي أكّدت أن أكبر الأجسام في الكون تربطها الجاذبيّة ببعضها بعضاً. وقوّضت النتيجة الأولى نموذج الجاذبيّة المنافس للنظريّة النسبيّة، وأظهرت الثانية أنّ نظريّة آينشتاين تصلح لتفسير على نطاق واسع من الأزمنة والمسافات في الكون.

في ذلك الإطار، أوضح فابيان شميت من «معهد باسادينا للتكنولوجيا» (ولاية كاليفورنيا) الذي ترأس فريق البحث، أنّه «إذا كانت النسبيّة العامّة بطلاً في الملاكمة للوزن الثقيل، لا تكون النظرية الأخرى سوى منافس مغتر، بمعنى أنّ عمل أصحابها لا يملك سوى فرصة ضئيلة تماماً لإطاحة مقولات آينشتاين».

وفي السنوات الأخيرة، صبّ علماء الفيزياء تركيزهم على النسبيّة العامّة كتفسير محتمل لظاهرة التمدّد السريع للكون. وحاضراً، يفسر العلماء الأمر عبر معادلة فيزيائيّة تتضمّن ما يعرف باسم «الثابت الكوني» Cosmic Constant وهو عبارة عن الطاقة الموجودة في الفضاء الفارغ. ويميل بعض العلماء أيضاً إلى الإشارة إليها باسم «الطاقة السوداء» Dark Energy وهي تسمية تهدف إلى التشديد على ميّزة أساسيّة وغرائبيّة فيها هي عدم التمكّن من كشفها مباشرة.

فضاء بملايين السنين

في المقلب الآخر من الصورة عينها، تعتبر نظريّة «إف آر غرافيتي» أنّ تسارع الكون ليس ناتجاً من شكل غرائبي من الطاقة بل من تغيير في قوّة الجاذبيّة بحد ذاتها. ويؤثّر تغيّر القوّة أيضاً في معدّل نموّ المادّة على مدى حقب مليونيّة من الزمن إلى أن تصبح عناقيد نجوم كبيرة في المجرّات.

واستخدم شميت وزملاؤه تقديرات ضخمة مأخوذة من أرصاد «مرصد تشاندرا»، شملت 49 عنقوداً نجميّاً في مجرّة «درب التبّانة» التي تنتمي شمسنا إليها. وقارنوها بحسابات نظريّة نموذجيّة ودراسات اخرى شملت نجوم ضخمة تعرف بإسم «المستعرّ الأعظم» («سوبر نوفا» Super Nova)، وإشعاع الخلفية الميكروفي الكوني، وتوزيع المجرّات على نطاق واسع في الكون الفسيح.

وبالنتيجة، لم يجدوا إثباتاً على وجود اختلاف بين الجاذبيّة وظواهرها من جهة، ونظرية النسبيّة العامّة من الجهة الثانية، مع ملاحظة أن الدراسات شملت نطاقاً واسعاً يفوق 130 مليون سنة ضوئيّة. ويتطابق ذلك الحدّ مع تحسّن بمئة مرّة من الدراسات التي أجريت سابقاً، خصوصاً تلك التي لم تشمل استخدام بيانات عناقيد النجوم في المجرّات.

واعتبر شميت أنّ ذلك يشكّل أقوى التحدّيات لنظريات تسعى لأن تكون بديلاً من نظريّة النسبيّة العامّة، على غرار «إف آر غرافيتي». وكذلك تظهر النتائج التي طاولت مسافات كونيّة شاسعة، إمكان التحقّق بشكل موثّق علميّاً من تلك النظرية على نطاق كوني يشمل استخدام بيانات عن عناقيد النجوم في المجرّات.

وربما يعود سبب التحسّن الدراماتيكي في الشروط العلميّة إلى الشدّة الهائلة في الجاذبية في عناقيد النجوم، إضافة لكونها تعمل على خلفيّة التوسّع المستمر في الكون. واستطراداً، يشكّل نموّ العناقيد اختباراً جيّداً أيضاً لنظريات أخرى حول الجاذبيّة، كنظريّة الأوتار التي تحتاج نقاشاً منفصلاً.

تماسك نظري واسع

في السياق عينه، دعمت دراسة ثانية مستقلّة نظرية آينشتاين عن النسبيّة العامّة عبر اختبار مباشر للمسافات والأزمنة على المستوى الكوني. وقبل ذلك، لم يجر التحقّق من النسبيّة العامّة إلا عبر استخدام تجارب تشمل النظام الشمسي الذي تنتمي إليه الأرض، ما ترك المجال متاحاً أمام احتمال انهيار نظريّة آينشتاين في حال تطبيقها على أمدية أوسع.

وفي سياق الدراسة، قارنت مجموعة في جامعة «ستانفورد» الأميركيّة بيانات من «مرصد تشاندرا» حول سرعة نموّ عناقيد النجوم عبر الزمن من ناحية، والحسابات التي تقولها عن نظرية النسبيّة العامّة من ناحية ثانية. وكانت المحصّلة توافقاً شبه تامّ بين الأرصاد ونظريّة آينشتاين.

في ذلك السياق، يبرز رأي البروفسور ديفيد رابتي، وهو أستاذ أكاديمي يعمل في «معهد كافلي» للفيزياء الفلكيّة للجسيمات» ويدرسّ علم الكون في جامعة «ستانفورد» و «المختبر الوطني (الأميركي) للمسرّعات الذريّة».

وتولّى الدراسة الجديدة التي برهنت صحة نظريّة آينشتاين مجدّداً. واحتسب رابتي عدد العناقيد الكبيرة الذي تشكّل بفعل ضغط الجاذبية على مدى الخمسة بلايين سنة الماضية، مضيفاً أنّه من المثير والمطمئن أنّ النتائج هي اختبار التماسك الأوسع لنظريّة النسبيّة العامّة على نطاقات كونيّة.

واستندت النتائج التي توصّل إليها رابتي وزملاؤه إلى عيّنة من 238 عنقوداً اكتُشِفَت في السماء بواسطة تلسكوب الأشعّة السينيّة «روسات».

ودُعِمَت البيانات بقياسات كبيرة ومفصّلة لـ71 عنقوداً بعيدة راقبها مرصد «تشاندرا»، و23 عنقوداً قريبة نسبيّاً روقبت بتلسكوب «روسات»، إضافة إلى مجموعة من البيانات الفلكيّة الاخرى.

عناقيد النجوم في المجرّات

تعتبر عناقيد النجوم في المجرّات ظاهرة مهمة في البحث عن طريقة لفهم الكون ككل. ولأن أرصاد كتل عناقيد المجرّة تتأثر مباشرة بخصائص الجاذبية فهي توفر معلومات شديدة الأهمية. وتقيس تقنيات أخرى كرصد المستعرات العظمى أو توظف المسافات الكونية التي تعتمد فقط على معدل توسع الكون. وفي المقابل، تقيس تقنية العناقيد التي اعتمدها البروفيسور ديفيد رابتي وزملاؤه معدل نمو الهيكل الكوني الذي تقوده الجاذبية.

ويعتبر آدم مانتز من مركز «غودارد» لبعثات الفضاء في ماريلاند الذي شارك رابتي في كتابة البحث، أن التسارع الكوني يمثل تحدياً كبيراً في وجه الفهم الحديث للفيزياء. ويذكّر بأن قياسات التسارع سلطت الضوء على المعرفة القليلة بالجاذبية على نطاق الكون، لكن لم يبدأ العمل على إزالة ذلك الجهل.

ونشر بحث فابيان شميت في مجلة مختصة بالفيزياء هي «فيزيكس ريفيو – دي» وشاركه في الكتابة أليكسي فيكلينين من «مركز هارفرد – سميثسونيان للفيزياء الفلكية» في كامبردج بولاية «ماساشوستس»، مع أستاذ آخر من جامعة شيكاغو في «إلينوي». وكذلك نشر بحث ديفيد رابتي نفسه في مجلة علمية شهرية هي «مونثلي نوتيس أوف ذا رويال أسترونوميكال سوساييتي» وشاركه في الكتابة كل من مانتز وستيف ألين من «معهد كافلي للفيزياء الفلكية للجسيمات وعلم الكون» في جامعة «ستانفورد»، وهارالد إيبلينغ من «معهد علم الفلك» في هاواي.

يدير مركز مارشال لبعثات الفضاء في «هانتزفيل»، برنامج «تشاندرا» التابع لـ «مديرية مهمة العلم» في واشنطن. ويراقب «مرصد سيمثسونيان للفيزياء الفلكية» النشاطات العلمية وعمليات الطيران من مقره في ولاية «ماساشوستس».

للمزيد من المعلومات، يمكن الاطلاع على الصور وغيرها من البيانات على الموقعين الإلكترونيين الآتيين: chandra.harvard.edu وchandra.nasa.gov
__________
*الحياة

شاهد أيضاً

كيف تعلمت الحواسيب الكتابة: تطور الذكاء الاصطناعي وتأثيره في الأدب

كيف تعلمت الحواسيب الكتابة: تطور الذكاء الاصطناعي وتأثيره في الأدب مولود بن زادي في كتابه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *