إنغريد برغمان توثق حياتها في فيلم سينمائي

لندن – تبدو النجمة السينمائية السويدية الراحلة في فيلم “إنغريد برغمان بكلماتها” للمخرج والناقد السينمائي السويدي ستيج بوركمان، وكأنها لم تفقد شيئا من نجوميتها الأسطورية، فهي لم تكن فقط ممثلة سينمائية ومسرحية مرموقة، بل كانت أيضا مصورة أو بالأحرى “مدمنة تصوير”، أي شخصية تؤمن بقوة بأهمية الصورة والوثيقة وقيمتها كشاهدة على الفترات المختلفة في حياة المرء.

كانت النجمة حريصة على تسجيل كل لحظة من لحظات حياتها بالصور الفوتوغرافية أو بالكاميرا السينمائية، وهو ما نعرف من هذا الفيلم أنها اكتسبته عن والدها الذي علمها التصوير وكان يصورها منذ مولدها وظل يفعل حتى وفاته المبكرة عام 1929.

لم تكن برغمان تمسك الكاميرا وتصور نفسها أو تدع الآخرين يلتقطون لها الصور وهي ممسكة بالكاميرا في أماكن كثيرة مختلفة من العالم فقط، بل كانت أيضا قد بدأت وهي بعد في الثانية عشرة من عمرها، في تسجيل مذكراتها بانتظام وبحرص شديد رغم ما اعترى حياتها من اضطراب وابتعاد، سواء عن وطنها أو عن أبنائها.

ومن هذه الصور واللقطات والأفلام الشخصية والعائلية والمذكرات المكتوبة التي تركتها إنغريد برغمان، يتكون هذا الفيلم الممتع الذي يكشف الوجه الآخر للممثلة، الوجه الإنساني الذي لا نعرف عنه كثيرا، وهو ما لم يكن هناك مهرب منه أمام مخرج الفيلم، أولا لأن المادة التي توفرت له فرضت عليه هذا المنحى، ثانيا أن هذه المادة، بسحرها وأهميتها التاريخية والتسجيلية والتوثيقية، لا تتناول فقط حياة وأبناء وعلاقات وصداقات وأزواج برغمان والمخرجين الكبار الذين عملت معهم، بل تلتقط وتسجل أيضا الكثير من التفاصيل الفرعية التي لفتت أنظار برغمان مبكرا، كما في المشاهد التي صورتها أثناء رحلتها إلى برلين في الثلاثينات قبل اندلاع الحرب، للشبيبة النازية في ملابسهم الشهيرة وهم يسيرون في شوارع برلين، أو الاستعراضات النازية كما نرى لقطات سجلتها بكاميراتها السينمائية لبرلين بعد الحرب مباشرة، وكيف كان الألمان يكافحون من أجل رفع الأنقاض بعد تهدم معظم مباني المدينة.

ويعتمد السرد في الفيلم على مذكرات برغمان نفسها التي تسردها بصوتها الممثلة السويدية أليسيا فيكاندر، بمصاحبة الموسيقى الرومانسية الناعمة التي كتبها الموسيقار مايكل نيمان.

وتتحدث برغمان بالصوت والصورة من خلال مقابلات عديدة انتقاها المخرج بدقة من تلك التي أجراها معها بعض ألمع الإعلاميين ومقدمي البرامج في محطات التلفزيون العالمية. وهي تتحدث في بداية الفيلم عن حياتها وأعمالها، ثم يقدم لنا الفيلم أبناءها: إيزابيلا وإنغريد وروبرتو روسيلليني، وهم أبناؤها من المخرج الإيطالي روبرتو روسيلليني، قبل أن يتطرق الفيلم إلى علاقتها بزوجها الأول بيتر في السويد الذي أنجبت منه ابنتها الأولى بيا.

وتنبع أهمية الفيلم أساسا من اللقطات والصور النادرة التي يضمها، ومن اهتمامه بنسج تفاصيل بورتريه لشخصية امرأة تمردت مبكرا على واقعها، ورفضت الاستسلام له، وقررت أن تبحث عن وجودها وفرض شخصيتها الخاصة، من خلال ارتباطها بعالم التمثيل الذي كانت تعيشه كأنها تعيش الواقع في حين أنها كانت تتعامل مع الواقع كما لو كان قصة خيالية، أي لا تقيم له وزنا كبيرا.

وإنغريد برغمان التي توفيت جراء إصابتها بسرطان الثدي عن 67 عاما سنة 1982، ظلت بابتسامتها الساحرة وشخصيتها التلقائية وتمردها وجرأتها في مواجهة نتائج اختياراتها، شخصية مثيرة للخيال ومنبعا للإلهام.

ونراها في الفيلم بعد تقدمها في العمر وأحد رجال الإعلام يسألها عمّا إذا كانت تشعر بالندم إزاء أي شيء في ماضيها؟ تجيب إجابة تلقائية مباشرة “لست نادمة على أي شيء فقد كنت أفعل ما كنت أشعر به.. بل أنا نادمة على ما لم أفعله!”.

________

*العرب

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *