عـــــتمة الــــرؤيا لـــصنم الكـَـتــبة (8)

خاص- ثقافات

* نـجيب طــلال

خـلل واختـلال:

فما تعـيشه الحركة الثقافية اليوم من اخـتلالات وأزمات وإحباطات وصراعات وهمية ؛ سواء على المستوى الموضوعي أو الذاتي ، هل نتيجة انهيار القيم المؤسساتية وأهدافها ؟ أم ارتباطا بالفساد المعلن وغير المعلن في جميع المجالات والبنى الاجتماعية ؟ أم هناك خلل في مواكبة المثقف والأديب المغربي؛ مجمل التحولات التكنولوجية والتواصلية ؟ أم مرده لتسرب اليأس لمكونات الحركة الثقافية ؛ بناء على إفراز مظاهر الانتهازية والوصولية ؛ التي دأب عليها العديد من المثقفين الذين أضحوا يهرولون ويتهافتون خلف الامتيازات المادية والمعنوية، ويبذلون قصارى جـهـدهم لتقلد مناصب في الدواوين والمصالح الوزارية أو الهيئات العربية وغيرها ؟ هل اهتزاز صورة المثقف  في نظر الشعب وانعدام شجاعته في المواقف السياسية والاجتماعية ؛ وهروبه المفتعل عن معمان الحياة العامة ؛ وما يعانيه أبناء جلدته من فقر وتجهيل وحصار ومحسوبية… من ضمن الأسباب الجـوهرية ؟
ففي السياق هاته التساؤلات لا يمكن فهم ذلك إلا بالرجوع إلى ماضي الحركة الثقافية والفكرية؛ وخاصة ما بعـد الاستعمار، لأن الطموح كان أقوى في تفعـيل البعد الوطني والروح المغربية؛ التي أنهكها الاستعمارين : الفرنسي/ الاسباني . وهـذه الـعـودة تحديدا؛ ليست من أجل تنقية وتصفية المسار الثقافي بتنويعاته وتلويناته من الشوائب والتحريفات التي أصابته بـل تـجعلنا على الأقل فهم ما يمكن فـهـمه من التحريفات والاشراقات والهنات التي أصابت الروح الثقافية . فالموضوع في حـد ذاته  طرح في بداية الستينيات من القرن الماضي بصيغة زمانه كالتالي: أليس من العيب الكبير أن لا يتصدى أحـد المفكريـن إلى تحليل أوضاعنا الاجتماعية وعللنا وأمراضنا التي لا تحصى ولا تـعَـد؟ أوليس من النقص الكبير أن لا نلتفت إلى طوائف في مجتمعنا تعيش عيشة البؤس والشقاء والضنك والحرمان فنحاول أن نخفف من وضعها الأليم ونعرض أمرها على جميع المواطنين؟ فهذه مدن القصدير تعيش في هرج ومرج وتعد بآلاف المواطنين ؛ فمن منا أدار وجهه نحوها وتعمق وضعيتها وأخرج لنا قصيدة ذاتية أو قصة شخصية تصور آلامها ومصائبها . إن المواضيع شتى إذا مـا قـرر عزمنا على طرقها ولكن أمرها متوقف على هذا العزم الصادق (1) فمن حول العزم إلى اللاعزم ؟
هناك عوامل شتى ولكن حضور الحزبي؛ في معمعان الحياة الاجتماعية؛ بكل ثقـله وممارساته ومناوراته؛ حَـوَّل كُـل ما يهدف إليه الشعـْب من حرية وتنمية حقيقية وفاعلة مصحوبة باستغلا ل خيرات البلاد ومـوارده ؛ بعـدما كان المستعمر يتمتع بها ويستغلها يما استغلال؛ إلى سراب ووهـم ؛ نتيجة الصراعات والمؤامرات التي أطاحت بتصورات عملية وراديكالية في عهـد حكومة ع الله إبراهيم ؛ وقبلها: ابتدأت هذه المحنة ونحن داخل الحكومة الوطنية الأولى….. أما عن جلد أنصارنا بدهاليز الشرطة في عهد المدير العام للأمن الوطني محمد الغـزاوي فقد عَـرف عدد من أعضاء حزبنا «ضيافات» خاصة في الدائرة السابعة للأمن بالدار البيضاء. وكان على رأس الأمن الإقليمي بالمدينة إدريس السلاوي الذي سيصبح فيما بعد وزيرا ومستشارا (زميلا لي) للملك الحسن الثاني. وأذكر أننا كنا ما نزال في الحكومة عندما كانت تبلغنا أنباء عن المعاملة القاسية التي كان يعامل بها الـسلاوي بعض أعضاء حزبنا في الدائرة السابعة للشرطة، حيث كان يقال إنه كان يشرف على عمليات تعـذيب الشرطـة لأنصارنا بهذه الدائرة…(2) وفي ظـل هـذا الوضع الشاذ عن المنظور الذي كان يحمله المواطن بشكل عام ؛ منظور قـتل معه أحلام جيل كامل لم يفرح بنشوة الاستقلال،  منظور حول الإشراقات لسوريالية قاتمة ! فـطبيعي سيؤثر لا محالة على البنية المجتمعـية ؛ وسيصيبها باختلالات جوهـرية و ليست عرضية؛ كما توهم بعض المحللين السياسيين؛ لا محالة سيؤثر في الهيكـلي؛ فمن الطبيعي أن يكون الاختلال والخلل متجليا؛ والذي يقابله  تنامي المؤامرات من أجل الهيمنة والاستبداد؛ وحب السيطرة وخاصة في الهياكل التنظيمات الثقافية؛ التي هي صلب نقاشنا وعلى رأسها – اتحاد كتاب – إذ بدل أن يهتم أعضاؤه  بالتنمية الثقافية والدفع بها قـدما؛ ويحاولون فيما بينهم دعم هذا وتشجيع الآخر؛ بعيدا عن الحسابات الضيقة وتـضخم الأنا؛ التي ساهمت في صراعات بين مثقفين حزبيين وأدباء تقـلـيـدانيين وآخرون يدعون بالعـصرانيين ومؤمنين بالثقافة الأجنبية ؛ وكل هذا ساهم في الانسحابات التي أشرنا إليها سابقـا؛ ومن خلالها؛ لاحظنا أصواتا تدين ما وقـع ويقع في النسيج الثقافي ؛ وبعض منهم خط قوله بالقول: ليس بإمكانكم اليوم أن تلوذوا بالصمت؛ وتختاروا المواقـف الهروبية؛ فالاختيار ضروري، مادام أمامكم ما تحيون من أجله؛ وما من مبررات عادلة يمكن أن تتخذوها مركزا استنادا لرفض المسؤوليات؛ بينما مجتمعنا الإنساني مريض ؛ الاختيارات الارادية بيـدكم والهدفـية أنتم على علم بجدواها؛ وحتمية انتصاراتها .  فلم يبق إلا تحديد المواقـف الانسانية الرائعة عن وعي تلقائي لا ارتباط له بأية روح نفعية؛ أو تأثيرات خارجية ؛ لتحددوا مواقفكم الشرفية؛ حتى لا تنقطعوا عن القضايا الحية؛ لمصير أفضل للجميع اللأكثرين فقرا وجهـلا ومـرضا (3) فهاته الصورة كاشفة بالتضمين والعلن؛ حال مـاعـليه الإطار الذي يدعي اصحابه آنذاك ؛ منظمة ثقافية يستظل بظلها الأدباء والمثقفـون في ذاك الوقت ؛ ولكن ما يزيد حيرة ؛ حينما يتتبع المرء الخـيوط التاريخية لهاته المنظمة ؛ إذ تم انسحاب العديد منها؛ وتلك اختيارات؛ ورغم ذلك يمثلونها في بعض اللقاءات  والمؤتمرات؛ فهل هي اختيارات كذلك أم وصايات أم مهمات سرية ؟ مثل دورة 1965 عقد في بغداد مـؤخرا مؤتمر الأدباء العرب في موضوع ( درر الأدب في معركة التحريروالبناء في الوطن العربي) حضرته عدة شخصيات أدبية من جميع بلدان العالم العربي؛ وقد مثل المغرب في هذا المؤتمر الأستاذان ع الكريم غلاب والحسن السايح ؟ والذي يزيد استغرابا أن – ع الكريم غلاب – دائم الحضور كما اشرنا في ليبيا/ تونس / الكويت؛ قـبل أن يصبح رئـيسا لاتحاد كـتاب المغرب [ 1968] وعلى ذكر الحضور؛ نقبض على تصريح  غاية في الروعة :إن مؤتمرات الأدباء السنوية ليست لها نتيجة مؤكدة لمستقبل الأدب العـربي؛ لأنها ذات طابع حكومي ومقرراتها لا تأخذ طريقها إلى التنفيذ ….. وفي المغرب أدباء كثيرون في كل مجالات الأدب؛ ففي مجال النقد تبرز اسماء ع الله كنون ع المجيد بنجلون محمد عزيز الحـبابي وفي مجال الشعر الحديث والقديم علاء الفاسي محمد صبري محمد الحلوي (4) نلاحظ من خلال الشق الأول . أنه يدين بشكل ضمني تلك المؤتمرات واللقاءات- لماذا ؟  مبدئيا فأي إدانة كيفما كان مستواها ومستوى صاحبها لا تأتي من فراغ . و بكـل بساطة فغلاب بتحركاته هنا وهـناك وتقلده عدة مناصب في مواقع مختلفة  (مثلا ) :  نائب الأمين العام لاتحاد الصحفيين العرب [1965-1983 ]ونائب رئيس إتحاد الأدباء العرب [1968-1981] والأمين العام للنقابة الوطنية للصحافة المغربية عند إنشائها [سنة 1961 ]و جدد انتخابه في كل المؤتمرات إلى سنة 1983. أليس في المغرب إلا هو ؟ سؤال نتركه لذوي الشأن العام ؛ لكن إدانته هي بمثابة رد فعل كانت تحكمها الاستراتيجية الحزبية ؛ بمعنى : أنه لم يسـتطع من خلالها ترسيخ أفكار- الاستقلال والتعادلية – وعـدم الاستجابة  لـها ؛ ولاسيما أنه  يعد منظرا لطروحات حزب الاستقلال؛ باعتباره عـضو ومنظر و قيادي فـيه ؛ وليس اعتباطيا تم انتخبه في اللجنة التنفيذية ؛ ثم جدد انتخابه منذ المؤتمر الخامس سنة 1960 وبالتالي فإن كـنت هاهنا أضع أحكام قيمة ؛ وأمارس التجني وتقديم أوهام متضمنة لمغالطات فادحة؛ ؟ فمن منحه جائزة المغرب للكتاب عن رواية “دفنا الماضي” سنة 1968؟ أليست الحكومة أم  أشباح حكومة ؟ فمادام يدين المؤتمرات لأنها ذات طابع حكومي ؛ فكيف قبل بالجائزة؟ لنترك السؤال لذوي الشأن الثقافي ؛ والمصادفة أنه نالها في لحظة تقلده رئاسة اتحاد كتاب المغرب ؛ ورغم ذلك يشير بأن: الدولة انتبهت إلى هذا الإطار فيما أذكر، حينما عقدنا المؤتمر الأول أو الثاني. وكان من المقرر أن يجدد مكتب اتحاد كتاب المغرب.وارتأى الكثير من إخواني أن ينتخبوني رئيسا للاتحاد ،وبطبيعة الحال، كان هذا لا يرضي الدولة، لأنها لم تكن تؤمن باتحاد كتاب المغرب. والوزراء الذين كانوا يترددون على الاتحاد، كانوا أصدقاء الحبابي فـقط، وكان بودهم ويدونه بالكلام، وأحيانا يستدعيهم لمحاضرات، وكنا نحرص على أن يكون الاتحاد متحرراً من أية سلطة، بحيث تكون علاقتنا بالوزير علاقة ثقافية…(5) فما الدولة إذن ؟ اليست هي المؤسسات التي تدار من قبل السلطة أو الحكومة ؛ بحـيث هي المكتسبات التي تتحقق في الوطن ؛ وفي هـذا الباب أليست إحـدى مؤسسات الدولة هي التي منحته الجائزة ؟ وفي نفس السياق ألم يكن وزيرا مفوضا ومديرا للإدارة العـربية والشرق الأوسط [1956-1959] ومن الأطر الأولى المؤسسة لوزارة الخارجية المغربية بعد استقلال المغرب تحت رئاسة الحاج أحمد بلافريج ؟ ألم يكن برلمانيا ؟
وبناء عليه أليس هـو من زمرة أصدقاء الوزراء الذين كانوا يترددون على الاتحاد،  ويتسامرون على كسكس الأربعاء الذي تحسر عليه ؟ أليس هو من الشريحة البرجوازية ؟ وبرجوازيته تمظهرت في أفكاره وكتاباته بحـيث : يكتب ع الكريم غلاب من موقع انتماء سياسي واضح ( حزب الاستقلال) والكتابة عنده احتراف ذاتي؛ يخْـدم بها قضايا وموضوعات هي مضمون انتمائه السياسي وهدفه؛ وإذ يخدم بها برنامجا يستند إلى افتراضات نظرية ويجعل من الواقع ميدان عمله….. يمثل دورا لا يستطيع إلا أن يلتزم به في حلبة الصراع السياسي/ الإيديولوجي الذي يجري في الواقع المغربي؛ وهو دور مرسوم وفق خطة حزبية  بهذا القدر أو ذاك؛ ووفق قناعـته هـو(6) وهـذا التحليل النقـدي؛ فالعديد أجمعوه عليه وعلى:  سبيل المثال، أنه وجد في مضمون روايات غلاب ما يـؤكد فعلا أنها كتبت لتحقيق أهـداف طبقية ومصالح برجـوازية ( 7) وهـذ ا يجعـلنا نتعـمن في الشطر الثاني من جـواب الحـوار؛ أنه ركـز على أسماء استقلالية تحـزبا ومذهـبا ؛ فلماذا لم يذكربعض من الأدباء ( ك): النيسابوري ؛ لحبيب الفــرقاني ؛ أحمد السطاتي؛ أحمد المجاطي؛ مصطفى القرشاوي ؛ المدني الحمراوي؛ عبدالعلي الوزاني ، علي الهـواري، علال الهاشمي؛ محمد الطنجي؛ ع القادر زمامة؛ محمد زنبير….. لأن المحاور بدوره استغـرب واكتفى بعبارة تهكمية في أخر اللقاء (قال[هذا ما استطعـنا أن نعرفه عن أدباء المغرب ]) وسيتضح أمرالانحـياز والشوفـينية والأنا ؛ بشكل مكشوف عبر جواب لسؤال محدد وواضح  مفاده : ماهـو عـدد المجلات الأدبية والثقافية التي تصدر في المغرب؛ وما دورها في الحركة الأدبية والفكرية ؟ : من المجلات التي تصدر الآن؛ دعـوة الحق وهي شهرية ثقافية تصدر مجلة آفاق  عن اتحاد كتاب المغرب العربي ؛ وتصدر مجلة البحث العلمي  عن مركز البحـث العلمي  التابع للجامعة المغربية ؛ وتصدر كذلك مجلة اللسان العربي عـن مكتب تنسيق التعريب التابع لجامعة الدول العربية؛ وأما الصحف الأسبوعية واليومية؛ فأغلبها تخصص مجالا واسعا للأدب فـمثلا جريدة العلم تصدر كل يوم جمعة صفحتين أدبيتين؛ تهتم فيها بالقـصة والشعر والنقد الأدبي؛ كما تصدر صفحة اسبوعية تهتم فيها بالمسرح والفنون التشكـيلية ( 8)

العصبية الحزبية :

مبدئيا قدم نفـسه بأنه نائب رئيس اتحاد كتاب المغرب العربي  ومدير تحرير جريدة العلم ؛ هـذا أمر ثانوي وشكلي؛ لكن الأساس لماذا تم ذكر تلك المجلات التي كانت تابعة لحزب الاستقلال؛ من خلال المشرفين عليها والداعمين لها  ؟  وتم اغفال العديد من المجلات التي كانت نشيطة في زمن الحوار معه ( 1966) كـمجلة الرائد /  شروق/ أقلام / الأهـداف المغربية/ المشاهد/ الأطلس/…/ لأنها خارج فـلك التنظيم الحزبي؛ من هنا يتمظهر التعصب الحزبي الواضح والمكشوف ؛ فلولاه لما أمسى يمجد جريدة العلم ؛ التي يديرها ويسهر على تحريرها؛ كأنها الوحيدة التي تمثل الروح الثقافية المغربية ؛ علما أن السؤال كان حول المجلات تحديدا؛لكن السؤال الذي يمكن أن يثار؛ لماذا لم يـشحذ بعض المثقفين والأدباء آنذاك أقلامهم لمواجهة هاته التناقضات والمفارقات الصارخة وما أكثرها؛ والتي كان يدلي بها رئيس الاتحاد في تركيبته الثانية ؛ هل كانوا آنذاك متواطئين؛ أم صراعـتهم التي تكشفها الردود والردود المضادة والتي تترواح بين تضخم الأنا ؛ والتمعلم بين المعرفة وشبه النقـد والمدونة في العديد من الملاحق الثقافية والمجلات ؛ وقتئذ؛ ربما  لم تترك لهم فرصة الانتباه ما يصرح به ؛ أو لا يطلعون إلا على ما يكتبونه هم ؟ أم بحكم هينمة حزب الاستقلال في مواقع القرار والثكنات الإدارية والمؤسساتية ؛ جعلت من العديد من المثقفين يتهيبون من مصير إداري مجهول ؟ أم في ظل تأجج الصراعات السياسية والمناورات الحزبية الحزبية والحزبية والحكومية والحكومية والشعب ! حدث خلط بين الحقلين السياسي والثقافي وتداخل بين الموقفين ؛ لأن الرؤية الصائبة  للثقافة خطابها وللسياسة خطابها كذلك ؟ كلها تساؤلات تفرض نفسها وبالتالي: فالصمت الذي يلوذ به المثقفون؛ وجنوح بعضهم نحو طرق الإنتهازية ؛ يكاد يحمل الجماهير على أن تنفض يدها منهم…. فلابد إذن ؛ من أن يتفتح المثقـفون  بعضهم على بعض؛ وأن يدور بينهم حوار قوامه إنشاء رابطة فكرية موحـدة هادفة إلى استجلاء الواقع وتحليله وتركيبه ، طبقا لمقوماتنا شخصياتنا ولقيم التطورالحـديث (9) نلاحظ عبر هذا المدخل ثلاث مفردات ( الصمت/ الانتهازية/ رابطة فكرية) فطبيعي أن الانتهازي سيركن للصمت ؛ والصمت هو ما تعانيه الثقافة المغربية. مما لم تستطع تأسيس سلطتها الخاصة ، من قبل المثقفين والأدباء والمفكرين .مما أضحى المثقف بكل بساطة تابع لسلطة السياسي، لكي يجد سلطته من خلال الارتباط بمشروع سياسي، يكون حاملا لمشروع ثقافي، هـذا اعتقاد تأسس منذ تمظهر- صنم الكتبة – مما وجد المثقف نفسه يعاني من الهامشية والتهميش ؛ فلولا هاته الحقيقة ؛ لما كانت المفردة الثالثة ( رابطة فكرية) التي تضرب في ماهية اتحاد كتاب المغرب في (1964) وليس اليوم ؛ مما نستشف أنه هيكل أو تنظيم بدون روح نابضة كما يدعي البعض وبدون فعل ثقافي حقيقي؛ والذي يزكي ذلك ؛ هناك جملة من المقالات والأبحاث في زمانها ؛ تشير للوضع الثقافي المغربي بأنه يعيش في بوثقة لاختلال والأزمات والإحباطات والصراعات الوهمية؛ حتى أن التقاليد الثقافية لم يستطع الاتحاد تحقيقها وإنجازها نتيجة حضور الحزبي وهيمنته وبالتالي إن: شبابنا المثقف يقرأ للشهادة لا لتعشق المعرفة؛ ويدرس للحصول على وظيف ؛ لا للأستجابة لنزوع فكري محض؛ فإذا تحصل على الشهادة والوظيف ؛ تنكر للثقافة ؛ وطوى الصحف ؛ وجعل بينه وبين الكتاب حجابا كـثيفا من المصالح العاجلة ؛ فإذا أي أحـد يكرس حياته للعلم؛ ويهب نفسه للأدب ،أعتبره شاذا عن القاعدة؛ وغير صالح للحياة؛ يعيش في الخيال و ينعم بالأحلام ؛ وليس معنى هذا أن كل مثقفينا من هذا النوع  فمنهم أقلية  ولكنها ضئيلة تدين بدين الفكر وتصون قـداسة  المعرفة (10) تلك معطيات لم نكن في زمانها ولم نختلقها نحن؛ بل هي ناطقة عصرها ولحظتها ؛ وبناء على محاولة الهيمنة الحزبية؛ ساهمت في اجهاض فكرة بناء اتحاد كتاب المغـرب مما اضطر مُؤسِـسُه ( محمد عزيزالحبابي) الانسحاب متجها للجزائر للتدريس بجامعتها والاستفادة من خبرته العلمية والفلسفية ؛ قـبل أن يصبح مستشاراً للبحث العلمي بوزارة التعليم العالي هناك، وبعـدها تقلد عـدة من مناصب ريادية في مجموعة من المؤسسات الفكرية والثقافية دوليا ؛ ليتحول مشروع اتحاد كتاب المغرب العربي إلى صنم، مفرزا تشردما في هـيكله !  وكما قال القرآن الكريم: قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين (11) فبرهان تحوله لصنم وجعل صورته غائمة للغاية ! فـدرأ للشبهات والادعاءات المجانية لنتأمل في صرخة الإتحاد بعد المؤتمر الثاني له (1968) :… وحيث أن هذه الظروف جعلت دور الكتاب والمثقفين يتقلص نحو العزلة والانكماش واللامبالاة. ودفعت بحياتنا الفكرية والثقافية إلى فراغ سهل انزلاقها نحو الزيف والتحلل والإنحراف وإلى الابتعاد عن مشاغـل المجتمع وارتياد البناء الفكري والحضاري للإنسان المغربي (12) فطبيعي أن المناورات والكولسة بين الفرقاء والمساومات على حساب الحقل الثقافي؛ ومحاولة السيطرة والهـيمنة من خلاله ؛ لامناص أنه  سيؤدي عند البعض إلى  غياب روح المسؤولية وعدم إذكاء الحس بها؛  وانهيار الوازع أو الرادع الاخلاقي؛ وهذه عـوامل ساهمت في تفشي ظاهرة اللامبالاة وخلق الضجيج والهرولة في المشهد الثقافي الذي يصنع المشهد السياسي ويدعمه ؛ على حساب العمل الجاد والهادف. ورغم هاته الممارسات نجد خطاب الاتحاد:  يؤكد على الرابطة العضوية للأدباء بالمجتمع ؛ يرى أن التزامهم بقضاياه لا ينبع من مواقف ذاتية أو وقتية؛ وإنما هو متصل بالمسؤولية الأخلاقية الملقاة على عاتق حملة الأقلام؛ باعتبارهم روادا للآفاق والقيم الجديدة؛ وباعتبارهم ملزمين  كمواطنين في مجتمع نام ؛ بأن يرفضوا أدب الاستهلاك والتسلية والزخاريف اللفظية والببغاوية . وإذا كانت هناك من مسؤولية تواجه الأديب في مجتمعنا فهي أن يضطلع بوضع المشاكل والتناقضات موضع التساؤل إسهاما في توضح المفاهيم وتدعيم أسس البناء والحرص على استمرار التطلع إلى المزيد من العدالة والتوازن والحرية (13) فمحصلة هـذا التأكيد ؛ يحيلنا بأن المجال الثقافي مجال ملعوب فيه ….

إحــــالات

1) حاجتنا إلى تفكير مغربي : لعبد اللطيف خالص ص 60 مجلة دعوة الحق ع 6/7 س8  / 1965
2) ثورة الريف لم تقم للإطاحة بالملكية في المغرب وأبرئ عبد الكريم الخطابي من الضلوع فيها : حـوارات مع عبد الهـادي بوطالـب : صحيفة الشرق الأوسط اللقاء الخامس اجرى الحوارات:  حاتم البطيوي- عدد 8053 بتاريخ 15 / 12/2000
3)  من الوجهة الإنسانية : لعبد القادر السميحي ص10 مجـلة دعـوة الحق عدد 8 س 8
يونيو/1965
4) حوار مع ع الكريم غلاب مجلة البيان الكويتية – ص 19- ع 4 يوليوز1966 حديث كتبه:
محبوب العبد الله
5) على هامش انعقاد مؤتمر اتحاد المغرب عبد الكريم غلاب لجريدة الاتحاد الاشتراكي
نشر في – 24/03/2012
6) مقدمات في الوعي البورجوازي -ع الكريم غلاب في القصة : تقديم : توفيق الشاهـد مجلة
أقــلام المغربية ص 89 عدد 4 أبريل 1978
7) المصطلح المشترك : لإدريس الناقـوري –  ص – 15 دار النشر المغربية / 1977
8) حوار مع ع الكريم غلاب مجلة البيان الكويتية – ص 19- ع 4 يـوليوز 1966 حديث كتبه:
محبوب العبد الله
9) هذه المجلة : مـدخل لمجلة أقلام المغربية – ص 3 -ع 1يناير/1964
10) نذرة النبوغ الادبي في الجيل المغربي الحاضر بقلم ع العالي الوزاني ص 30 مجلة دعوة الحق  ع 5 س 8 / مارس 1965
11) سورة البقرة الأية 111
12) حول الجمود الفكري والزيف الثقافي ص46 مجلة آفاق عدد1 يناير1969
13) موقف الفكرالمغربي من القضاياالمغربية : مقدمة بقلم اتحاد كتاب المغرب-   ص45 مجلة
آفاق عــدد1 يناير1969

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *