خاص- ثقافات
*إبراهيم مشارة
الماترويشكا أو الدمية الروسية هي عبارة عن دمية تتضمن داخلها عدة دمى أخرى بأحجام متناقصة بحيث أن الكبرى تحوي الصغرى منها وهكذا.. تعرف اللعبة أيضا باسم بابوشكا.
إلا أن شكلها صار ينوع في الوقت الحاضر، حيث ترسم عليها مناظر طبيعية من روسيا وشخصيات أسطورية إلى جانب أفراد العائلة، وبينهم الأم والأب والأطفال. وهناك دمى ماتريوشكا تتصف بالفكاهة والسخرية ترسم عليها شخصيات سياسية، مما يعد انحرافا عن التقليد القديم الذي يقضي بأن تكون المرأة وليس الرجل أساساً للماتريوشكا الروسية.
هكذا خطر لي تشبيه الانتخابات العربية إنها مجرد لعبة لدمى تتضمن بعضها البعض بعيدا عن الفاعلية السياسية الحقيقية والمشاريع الوطنية لتنمية البلدان العربية ونهضتها وخدمة الشعب، لقد مات الأداء السياسي في تلك البلدان وأفلت شمس الالتزام بالقضايا الكبرى للوطن والجماهير وحلت محلها الانتهازية والوصولية وتكرست الرداءة في الأداء ووصول من هب ودب إلى مجلس الشعب بالمال المشبوه – وفي بعض البلاد العربية لا توجد انتخابات أصلا- فالمراكز الأولى على القوائم الانتخابية للأحزاب والقوائم الحرة تباع بالمال الفاحش مادام مجلس الشعب ذريعة إلى الكسب والثراء وتعويض الخسائر وخدمة المصالح الشخصية في غياب معارضة سياسية حقيقية مثقفة وملتزمة، والشعب العربي قد انتبه لذلك فهذه الانتخابات لا تعنيه في قليل ولا كثير إنها تعني المترشحين أنفسهم الذين يضمنون راتبا محترما وتقاعدا مريحا ونشاطا تجاريا موازيا كما تعني عائلاتهم المهووسة بنجاح مرشحيها ولذا عزف الناس عن الإدلاء بأصواتهم- حتى لو أجبرتهم الإدارة على التصويت أو هددهم أرباب العمل بقطع أرزاقهم – وقروا في بيوتهم غير متبرجين تبرج الجاهلية الأولى حين كانوا يخرجون زرافات ووحدانا ظانين أن الأمل في الصندوق فمنه تشرق الشمس وفيه يصنع النحل شهده وفيه تجري الأنهار لبنا وعسلا مصفى لذة للشاربين والمستقبل في ورقتهم الانتخابية ،ولربما ذهب الظن ببعض كبار السن إلى اعتبار الاقتراع فريضة دينية مثل الصلاة والصوم إنه نمط من الثقافة تكرس في أذهان بعض الناس أن الاقتراع واجب في حين أنه حق وليس بواجب، أما الشباب فقد اتخذ من وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة لإظهار تبرمه وسخطه ونقمته على المترشحين وعلى الانتخابات ذاتها، بل وصل الأمر حد الاستخفاف والزراية وشر البلية ما يضحك كما قال الشاعر العربي. ومهما قاطع الناس الانتخابات تتكفل السلطات العربية برفع نسبة المشاركة كالعادة – وياليتها رفعت نسبة التنمية ومتوسط الدخل الفردي – وتوزيع المقاعد على دمى البابوشكا لأداء الدور المنوط بها وهو الموافقة غير المشروطة على كل القوانين التي تزيد في إغناء الغني الداخلي والخارجي وإفقار الفقير الذي له الله إلى أن يلقاه.
تسير البلدان العربية نحو أفق مسدود فقد انقسمت حقيقة إلى فئتين فئة الأثرياء (النبلاء)، وهم الطبقة المتنفذة التي بيدها السلطة والمال والإعلام وهي التي أسست معامل خاصة من المال العام واقتطعت الأراضي واحتكرت البنوك ووظفت عامة الناس بأبخس الأثمان (سخرة)، ولم تكتف بذلك بل نقلت أموالها إلى الخارج لممارسة أنشطة تجارية أخرى وأودعت أموالها في بنوك هناك وحفت بتلك الطبقة حاشية من أصحاب المناصب التي يقال لها العليا وأصحاب المهن الخاصة والحرة ربحت هي الأخرى ودر عليها الوضع الذي هو في حالة سقوط حر بتعبير الفيزياء أرباحا وأموالا فمنهم الأطباء الخواص والمحامون والموثقون والمضاربون في سوق الغلات والمواشي والعقار والمستوردون ومعلموا الدروس الخصوصية والرقاة والسماسرة وهلم جرا.
وفئة مسحوقة (غير النبلاء) هي عامة الشعب الكادح بلا معنى كسيزيف يدفع الصخرة إلى قمة الجبل فترتد عليه وتعيده كرة أخرى إلى السفح فلا يكون حظه إلا العرق والنصب .
من قديم انتبه المعري إلى مزالق السياسة ومآربها فدمغها بقوله:
يسوسون الأمور بغير عقل : فينفذ أمرهم ويقال ساسه
بل اعتبر قيام أي مذهب مهما كان وسيلة للنباهة وحسن الذكر والرفاه فما بالك بالمذاهب السياسية؟:
إنما هذه المذاهب أسباب: لجذب الدنيا إلى الرؤساء
تعيش الأنظمة العربية وتستمر ويبقى الوضع على ما هو عليه – حالة الموت السريري- بدعم الخارج لها المستفيد الأول من تلك البلدان فخيراتها لم تشبع نهم الغرب وما زال يدخر تلك الخيرات سندا له في محنه الاقتصادية وضامنه هوتلك الأنظمة ذاتها.