مشروع ‘كلمة’ للترجمة يحتفي في عامه العاشر بألف كتاب

*محمد الحمامصي

بالتزامن مع الدورة الـ27 من معرض أبوظبي الدولي للكتاب، يحتفي مشروع “كلمة” للترجمة في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة بمرور عشر سنوات على انطلاقته، أنجز خلالها نحو 1000 كتاب في مجمل التخصصات التي تشمل: المعارف العامة والفلسفة وعلم النفس والديانات والعلوم الاجتماعية واللغات والعلوم الطبيعية والدقيقة والتطبيقية والأدب والتاريخ والجغرافيا وكتب السيرة وكتب الأطفال والناشئة، وتمت ترجمتها عن أكثر من 13 لغة.

وحصل مشروع “كلمة” على ثقة الناشرين العالميين، فتمكن من إبرام اتفاقيات تعاون مع أكثر من 50 دار نشر أجنبية، ونشر سلسلة إصدارات صوتية بأسطوانات مدمجة لمجموعة حكايات من ثقافات الشعوب، تجمع تراث الحكايات والأساطير والخرافات الشعبية، كما أسس جملة من اتفاقيات التعاون مع عدد من الجامعات والمؤسسات العالمية في هولندا وإيطاليا وألمانيا والهند وسويسرا وكوريا واليابان وفرنسا، علاوة على تبادل الزيارات مع مراكز الترجمة في كوريا الجنوبية واليابان. وأسس أيضا قاعدة بيانات للمترجمين في العالم العربي تضم أكثر من 600 اسم، كما أطلق مؤتمر الترجمة في عام 2012، الذي يقوم بتنظيمه سنوياً تزامناً مع معرض أبوظبي الدولي للكتاب بهدف مناقشة القضايا المتعلقة بالترجمة وتدريب المترجمين على التعامل مع التحديات التي تواجههم في الترجمة من خلال تنظيم ورشات عمل متخصصة.

انطلق مشروع “كلمة” للترجمة في قطاع دار الكتب بهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة في عام 2007 تحت رعاية الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بهدف إحياء حركة الترجمة في العالم العربي ومد جسور التواصل الثقافي والحضاري بين الشعوب ليشكل جسراً للحوار والانفتاح والتسامح الإنساني. ومن منطلق هذه الأهداف السامية والنبيلة يسعى مشروع “كلمة” إلى ترسيخ قواعد العمل الجاد وتعزيز حركة الترجمة إلى العربية، من مختلف اللغات العالمية الحية، بهدف تقديم خيارات واسعة من القراءة أمام القارئ العربي وتعويض النقص الكبير الذي تعاني منه المكتبة العربية في كافة مجالات المعرفة.

المغامرون في اللغات

يقول المترجم والأكاديمي الأردني محمد عصفور “إن ثقافة أيِّ أمَّةٍ من الأمم تصبح ملكاً للعالم ما إن يوضع بعضُها في الكتب. ويبقى الحاجز بين كتابٍ يُنشر في نيويورك أو باريس أو بيجن حاجزاً لغويّاً سرعان ما يُزيله المترجمون، سفراءُ الثقافة منذ القِدَم. وقد كان العرب يستخدمون كلمة ‘الترجمة’ بمعنى الشرح والتفسير، ولذا فإن القواميس العربية تضع لك تحت ما يدخل فيها من مفردات ‘ترجمةً‘ لتلك المفردات. وقد توسَّع مفهوم الترجمة، فأخذ يُطلَق في الوقت الحاضر على نقل المعاني من لغة إلى أخرى، مع كلّ ما يرافق هذا النقل من مُتْعةٍ ومَشَقّةٍ وإحباطٍ وفشلٍ ونجاح”.

يضيف “قصَّةُ مشروع ‘كلمة’ قصَّة نجاحٍ مطَّرد بُني على تصميمٍ متَّصل، وقام على رسالة بعيدة النظر، مؤدّاها أن الثقافات تتَّصل وتتكامل، وأن ما لدى الآخر من فكرٍ وعلمٍ وأدبٍ يكمِّل ما لديَّ من فكرٍ وعلمٍ وأدبٍ، وأنني غير مُكتَفٍ بذاتي، لأنني لا أعيشُ داخل أسوارٍ تحيطها أسوار. فالأسوار تَخَطَّتها الإلكترونات. والأسوار الباقية هي أسوار اللغات، ولذا فإننا نلجأ إلى تلك الطائفة من المغامرين الذين أتقنوا لغةً أو أكثر من اللغات الأخرى ويجيدون الترجمة، أي الشرح، أي الإفهام. ولذلك اعتمد ‘كلمة’ على حشدٍ من هؤلاء المغامرين في بحار اللغات، وشجَّعهم على نقل ما لدى الآخرين من فكرٍ وعلمٍ وأدب”.

ويرى الناقد والمترجم فخري صالح أن الترجمة جسرٌ بين عالمين، أو، لكي نكون أكثر دقة، هي جسرٌ يربط عوالم عديدة: اللغة المنقول منها واللغة المنقول إليها؛ الثقافة التي ينتمي إليها النص المترجم والثقافة الجديدة التي يحلُّ عليها ضيفاً فيصير مكوِّناً من مكوناتها؛ عالمي المترجم والمؤلف. وأخيرا وليس آخرا فهي تربط عالمَ النص المرتحل من لغة إلى لغة، ومن ثقافة إلى ثقافة، بعوالم قراءٍ محتملين يتخذ لديهم النص معاني عديدة متكاثرة لا حصرَ لها.

لكن علاقة المترجم بالنص الذي يترجمه لا تتأجج إلا في حالات خاصة تكون فيها للمترجم المتميز بصمتُه التي لا تخطئها العين. ولحسن الحظ فإننا في الثقافة العربية يمكن أن نعدَّ على أصابع اليد الواحدة، أو قد يكون على أصابع اليدين معاً، عدداً من المترجمين الذين ارتبطت أسماؤهم بنقل آثار كتّاب عالميين كبار إلى لغة العرب، فلا يذكر اسم الكاتب العالمي إلا ويحضر في الذهن معه اسم المترجم العربي الذي كرَّس حياته كلها، أو معظمها، لنقل آثاره وجعلِها في متناول القراء العرب.

هكذا ارتبط اسم حسن عثمان بـ”الكوميديا الإلهية” لدانتي، وسامي الدروبي بفيودور دوستويفسكي، وإحسان عباس بـ”موبي ديك” لهيرمان ملفيل، وجبرا إبراهيم جبرا بتراجيديات وليم شكسبير وسونيتاته، وصالح علماني بروايات غابرييل غارسيا ماركيز، وجهاد كاظم بإنجاز جاك دريدا الفلسفي والنقدي، حتى صار المترجم دالاً على المؤلف الذي ترجمت أعماله إلى اللغة العربية، ملتصقاً به وكأنه قرينه.

ويضيف صالح “عمل هؤلاء المترجمون الكبار، الذين ينتمون، ولحسن الحظ، إلى أجيال متعاقبة في الثقافة العربية، على إبراز حضور المؤلفين الذين ترجموهم في الثقافة العربية، وركزوا الضوء عليهم بسبب البعد الخلاق في ترجماتهم، وقدرتهم على إعطاء النص المترجم صفة الإبداع والألمعيَّة والجاذبية التي تتسم بها، في العادة، الأعمالُ المكتوبة لا المترجمة”.

ويقول صالح عطفاً على هذا الكلام، ينبغي أن نتذكر دور المؤسسات التي تعنى بالترجمة في العالم العربي، وعلى رأسها مؤسسة “كلمة” التي أخذت على عاتقها أن تكون جسراً بين القارئ العربي وثقافات عديدة، وأنواع من الفكر والثقافة والإبداع آتية من لغات وثقافات متباعدة، لتصبح جزءاً لا يتجزأ من الثقافة العربية.

كسر حاجز اللغة

المترجم التونسي عزالدين عناية أشار من ناحيته إلى ما يميز مشروع “كلمة” للترجمة في استراتيجيته المعرفية العامة وفي سعيه لجعل القارئ العربي مواكبا للإنتاجات العالمية الحديثة والمعاصرة، فضلا عن اهتمامات المشروع بنقل الأعمال الكلاسيكية العالمية لتكون بحوزة القارئ العربي يسيرة ومتاحة لديه. ويتجلى ذلك بالخصوص مع اللغة الإيطالية، فقد كانت هذه اللغة، على إغرائها وقرب موطنها من بلاد العرب، تعاني إهمالا وتفويتا. مشروع “كلمة” كسر تلك القاعدة وألغى ذلك التقليد. والأبرز في عمل “كلمة”، وعلى مدى سنوات قليلة لا تتعدى العقد، أنه أنتج ما لم تنتجه أقسام الدراسات الإيطالية في جامعات عربية عدة، من حيث ترجمة الأعمال الإيطالية ونقلها إلى اللسان العربي. من أين جاءت هذه الحيوية وهذا الإصرار؟ والجواب أن مشروع “كلمة” ليس جهازا بيروقراطيا ولا برجا عاجيا يسكنه المتعالون عن هموم الناس الثقافية والمعرفية، بل خلية نشيطة تؤمن بالعمل الثقافي وتواكب ما يشدّ الناس.

وقال “النتيجة أن جملة من أعمال مشروع ‘كلمة’ صارت شائعة في أوساط القراء، في فترة وجيزة، وأضرب مثلا على ذلك ترجماته في حقل الدراسات العلمية للظواهر الدينية، والتي غدت مراجع أساسية في أوساط الطلاب والباحثين والدارسين بشكل عام. وأذكر على سبيل الذكر كتابيْ ‘علم الأديان‘ لميشال مسلان و‘علم الاجتماع الديني‘ لسابينو آكوافيفا وإنزو باتشي. أن يضع مشروع ‘كلمة’ القارئ العربي على النسق نفسه الجاري في الغرب من حيث مواكبة المنتوج العالمي، فهذا ليس أمرا هينا أو يسيرا، وهو تحدّ كبير”.

وبدوره قال أستاذ الحضارة الصينية بجامعة روما باولو سانتانجيلو “أتيحت لي فرصة التعرف على أنشطة مشروع ‘كلمة’ منذ ثلاث سنوات خلت، حين حادثني أستاذ الحضارة العربية بجامعة روما لاسابيينسا عزالدين عناية عن مساع لترجمة كتابي عن الصين ‘إمبراطورية التفويض السماوي’ إلى العربية. فالمؤسسة المتواجدة بأبوظبي، تحوم انشغالاتها حول عرض جملة من الإنتاجات الثقافية للحضارات العالمية باللغة العربية، سائرة على خطى تقاليد الترجمة العريقة التي شهدها العالم في التاريخ السابق، وهي الحقبة التي شهدت ترجمة أهم المؤلفات الطبية والفلسفية والفنية من الإغريقية إلى العربية. وفي سياق هذا الاهتمام يأتي الانشغال بترجمة الأعمال الإيطالية من مختلف الأجناس. إنه لمن عظيم الشرف أن يُعرض كتابي للقراء العرب ويُقرأ بالعربية، أعرف على سبيل المثال أن مشروع ‘كلمة’ قد ترجم كذلك عملا على غاية من الأهمية لجون غانم وهو بعنوان ‘الاستشراق والقرون الوسطى’، علاوة على ذلك بقيتُ مندهشا أمام تنوع المحاور التي يشتغل عليها المشروع وثراء المواضيع المتطرَّق إليها.

ولفت الكاتب الإيطالي إنزو باتشي إلى أن “مشروع ‘كلمة’ يقوم بدور في غاية الأهمية، من حيث نشر المعارف وإشاعتها بين العالمين الثقافيين العربي والأوروبي. وضمن ظروف التاريخ الشائكة، ولا سيما في عصرنا الراهن، تمثّل فرص اللقاء والتبادل الثقافي، ومشاريع البحث المشتركة، مساهمةً فعّالة في التفاهم بين الثقافات، وفي تخطي الأحكام المسبَقة التي باتت طاغية في عالمنا المعاصر. عمل الترجمة، ولا سيما إلى العربية، هو في منتهى الأهمية بالنسبة إلى الأعمال المؤلفة باللغة الإيطالية. وإن تكن اللغة الإيطالية لغة رائقة فإنها شائعة على نطاق ضيق، وتبدو مسحوقة جراء هيمنة اللغة الإنكليزية من جانب واللغة الفرنسية من جانب آخر. ترجمة بعض أعمالي إلى العربية من قبل مشروع ‘كلمة’، يسّرت لي التواصل مع الدارسين العرب، لا سيما من الأجيال الجديدة”.

من أجل الاحتفال

وقال الشاعر والأكاديمي العراقي كاظم جهاد “… عشر سنوات تمرّ على انطلاق مشروع ‘كلمة’ للترجمة، عقدٌ من السنوات لا غير، إلاّ أنّ حصاده يتعدّى ما تأتي به مشاريع أخرى في عقودٍ من السنوات وبإمكاناتٍ أكبر من هذه التي يتوفّر عليها مشروع ‘كلمة’ بكثير. هي ديناميّة العمل المُحِبّ الخلاّق، تُضاعف الزّمنَ داخل الزّمن وتتجاوز ضيق الإمكانات برحابة الفكر وسِعة الطموح.

وأكد جهاد أن هناك أوّلاً منهج العمل الجماعيّ الصارم الذي ألزم به المشروع نفسَه والمتعاونين معه منذ انطلاقه. وهناك أيضاً، ضمن مزايا عمل المشروع، تعدّد فئات الكتب المترجمة واللّغات التي يُترجَم عنها. فلم تقتصر اختياراته على اللّغات الأوروبيّة.

جمع مشروع “كلمة” في اختياراته الفكر والأدب من شعر وسرد ورحلات، والنقد الأدبيّ والفكريّ والعلوم الإنسانية والعلوم الدقيقة، بما في ذلك جولات علميّة موسّعة في عالمَي النبات والحيوان. قدّم كتباً للراشدين وأخرى، جميلة هي أيضاً ومنتقاة ومترجمة بعناية، موجّهة للناشئة والأطفال. واحتضن في عائلته الكبيرة مترجمين ومراجعين ومدقّقين آتين من مشرق العالم العربيّ ومغربه الكبير؛ من قلب الأقطار العربيّة ومن فضاء المَنافي والهجرات. فكان في هذا كلّه صورةً بليغة لإخاءٍ أدبيّ لا يعرف التقوقع أو الانحباس داخلَ الحدود القطريّة أو الإقليميّة. مراسٌ جماعيّ ومتعدّد، متكامل ومتكافل، يعمل على الدوام بفضائل الحوار وينمّ أبداً عن أريحيّة وانفتاح.
___
*العرب

شاهد أيضاً

يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت

(ثقافات) يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت حسن حصاري منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *