بطل روائي مغربي مهزوم يمارس عدوانيته على الإنترنت

*حسونة المصباحي

يُقدم الشاعر والإعلامي المغربي ياسين عدنان في باكورة أعماله الروائية “هوت ماروك” قصة عن المغرب وتحوّلاته، عن الإنترنت وقُطّاع طرُقها الرقمية، عن أحوال الناس وطبائع البشر، عن السياسة والصحافة، عن طرافة الحملات الانتخابية، رواية عن شخصية رحّال العوينة الجبان الذي يصير جبّارا حين يرقص على الحبال الافتراضية من وراء شاشة.

زمن الرواية

عن الرواية يقول ياسين عدنان بأن “عنوانها ‘هوت ماروك’ هو عنوان صحيفة إلكترونية يتحلّق حولها عدد من شخصيات الرواية، وتحصل داخل أبهائها الافتراضية ودهاليزها الإلكترونية العديد من الأحداث، بل يمكن اعتبارها أحد أهمّ فضاءات هذا العمل، فكان أن استسلمْتُ لحضورِها الطاغي في الرواية فمنحتُ اسمها عنوانا للرواية ككل”. و”هوت” كلمة إنكليزية تعني الساخن، و”ماروك” هو اسم المغرب بالفرنسية، حيث تعمّد ياسين عدنان هذه التركيبة على ما يعتريها من تلفيق تأكيدا ربما ومنذ العنوان على أن الأمر يتعلق برواية عن التلفيق حينما يسود كخطٍّ تحريري معتمد لدى بعض المنابر الإعلامية، وكذا عن سياسة خلط الأوراق المُمَنْهَجة التي تمارَس في مشهدنا السياسي والإعلامي.

والحقيقة أن ياسين عدنان لم يكن طارئا على السرد والكتابة السردية، فهو كاتب قصة ولديه مجاميع قصصية منشورة، وهو يعتقد أن القاص هو الذي انتقل إلى كتابة الرواية، لا الشاعر. أما كيف حصل ذلك، فبسبب شخصية رحّال لعوينة القوية على ضعفها، الجبارة على ما تُبديه من هشاشة.

ذاك أنه جرّب في أكثر من قصة سابقة الاشتغال على شخصيات قصصية تهب أسماءها عناوين للقصص، ومن هناك رصد في قصة “عبدو المسعوف” التحوّلات التي سيعيشها مناضل يساري متمرد وجد نفسه فجأة وزيرا في الحكومة، ورصد في “فيصل العطار” تحوّلات شخص يتدرّج نحو الجنون وينفصل بالتدريج عن العالم تمام مثلما هو الحال لدى شخصية “أديب” في رواية طه حسين الذي يتدرج نحو الجنون هو أيضا بسبب الصدمة العنيفة مع الثقافة الغربية، أما قصة “رازا” فكانت عن المراهقة رجاء التي تعاني جرح الاسم مع جدة تنطق جيم اسمها الصغير زايا.

ولم تكن “هوت ماروك” لعدنان وهو يباشر كتابتها أوّل مرّة، سوى قصة قصيرة عن شخص عدواني منعته هشاشته وجبنه من ممارسة عدوانيته وحنقه على العالم والناس جهرا، إلى أن ظهرت الإنترنت فجأة وعثر بالصدفة على عمل في “سيبركافيه”، فوفّرت له الغُفلية التي يتيحها الفضاء الافتراضي وكذلك حرية التشهير التي يتمتع بها البلد مجالا فسيحا لإطلاق العنان لعدوانيته المجانية، وهكذا بدأ يعيث في الفضاء الإلكتروني فسادا من خلال عدد من الأسماء المستعارة و”البروفايلات” الملفقة التي ظل يتخفّى وراءها ببراعة، لذلك يمكن القول إن “هوت ماروك” هي في الحقيقة قصة قصيرة تحولت إلى رواية.

هو ومراكش

عن الإقبال على كتابة الرواية في المغرب راهنا يرى ياسين عدنان أن هناك فعلا إقبالا لافتا على كتابة الرواية في المغرب، حيث تحوّل إلى كتابتها الشعراء كعبداللطيف اللعبي ومحمد الأشعري وحسن نجمي وفاتحة مرشد وعائشة البصري، وأيضا رجال الفكر والمؤرخون كعبدالله العروي وعبدالإله بلقزيز وبنسالم حميش وأحمد التوفيق وسعيد بنسعيد العلوي، بل وحتى النقاد على غرار حسن بحراوي ونورالدين صدوق ويحيى بن الوليد.

ويعتقد أن استقطاب الرواية لأقلام من مختلف مجالات الفكر والإبداع ظاهرة سوسيوثقافية تستحق التأمل، ولا يكفي اختزالها في أنّ الشعراء هجروا القصيدة إلى الرواية بإغراء من جوائزها وما إلى ذلك من كلام سهل.

ويوضح بقوله “أعتقد أن الرواية بدأت تكرّس نفسها كجنس أدبي جامع يتيح للشاعر والمؤرخ والفيلسوف والمثقف أن يتحقّق أدبيا من خلالها، ويتواصل بشكل أفضل مع قارئه، ويؤثر بشكل أقوى في مجتمعه، هل هو ‘زمن الرواية’ الذي بشّر به جابر عصفور وغيره يوما، فعارضه الشعراء، بدأ يتكرس الآن؟ ربما، لكن الأمر في ظني يحتاج تأملا هادئا وعميقا، لأنّ الظاهرة اليوم أوضح من أن يُغضَّ الطرف عنها”.

وكإعلامي متابع للحركة الثقافية في المغرب، يرى ياسين عدنان أن الحركة الثقافية في المغرب تقوم على التنوع، فهناك حركة ثقافية أمازيغية قوية حققت العديد من المكاسب أهمها تكريس اللغة الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب العربية، وتكريس الحرف الأمازيغي الأصيل “تفيناغ” حرفا رسميا لهذه اللغة، كما صارت للمغرب قناة تلفزيونية أمازيغية ومكاسب أخرى.

ومن هناك يرى الروائي الشاب أن الحركة الثقافية المغربية تتعدّد بتعدّد مكونات الهوية المغربية العربية الإسلامية، الأمازيغية، الصحراوية الحسانية، وبتنوّع روافدها الأفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية.

وكل مكوّن من هذه المكونات لديه حركة ثقافية مرتبطة به بجمعياتها وتظاهراتها الثقافية ومطالبها ورموزها التي تُرافِع باسمها في فضاءات النقاش العمومي الوطني بدءًا بالصحافة وانتهاء بالبرلمان، واللافت عنده أنّ هذه المكوّنات تعبّر عن ذاتها من خلال الآداب والفنون.

يرى ياسين عدنان أن علاقته بمسقط رأسه مراكش، ملتبسة، وفيها الكثير من التوتر، لهذا تحضر المدينة بقوة فيما يكتب، وكان على الدوام يطالب أدباء المدينة بإنصاف مدينتهم التي كتب عنها إلياس كانيتي “أصوات مراكش”، وكلود أولييه “مراكش المدينة”، وخوان غويتيسولو أكثر من عمل، فيما لم يستثمرها أبناؤها بما يكفي في أدبهم. ويعتقد أن مراكش مدينةُ كتابة مثل طنجة تماما، لكن هذه الأخيرة كانت أوفر حظا بعدما قُيّض لها كاتب اسمه محمد شكري عرف كيف يشتبك معها في أعمال أدبية ناجحة.

وعلى المستوى الشخصي، ينخرط ياسين عدنان في أول حوار مع المدينة من خلال كتاب “مراكش: أسرار معلنة” الذي ألّفه بالاشتراك مع الشاعر سعد سرحان، ولديه الآن مشروع كتاب جماعي دعوا له أكثر من أديب من مراكش يكتب كل منهم عن فضاء أثير من فضاءات طفولته أو شبابه فقدته المدينة في غمرة التحوّلات التي تعرفها مثل مدرسة كفت عن استقبال التلاميذ، أو سينما أغلقت، أو حديقة التهَمَ خضرتَها الإسمنت، وهكذا.
__________
*العرب

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *