النساء والأدب في فيلم «الرجل الذي أحبّ النساء» للفرنسي فرانسوا تروفو

*سليم البيك

هو من الأفلام الأخيرة للمخرج الفرنسي الذي كان من بين المؤسسين لـ«الموجة الجديدة» في أوائل ستينيات القرن الماضي، من خلال فيلمه الأول «400 ضربة» (1959) الذي بدأ سلسلة أفلام لشخصية واحدة اسمها أنطوان دوانيل.
يمكن القول إن فيلم «الرجل الذي أحبّ النساء» مبني على اثنين من أكثر ما يستهوي تروفو: النساء والكتب. بطله بيرتران (شارل دينّيه) مهووس بالنساء أولاً وبالكتب ثانياً، وليس الفيلم عنه، بل عن هذا الهوس، حيث يعبّر عن الأول من خلال الثاني، إذ يكتب رواية عن علاقاته المتعددة.
يبدأ الفيلم حيث ينتهي، نساء عديدات، وفقط نساء، بشخصيات وملابس وأشكال متنوعة، يقفن حزينات أثناء دفن بيرتران، لتبدأ بعدها حكايته التي أوصلته باكراً إلى قبره. رجل أعزب، يمضي معظم وقته في تعقّب النساء، دون التردد في البحث عمّن أعجبته منهن والتواصل معها، أما أول ما يعجبه بهنّ فهو الساقان، في زمن كانت ترتدي فيه النساء، غالباً، فساتين وتنانير. يتنقّل من واحدة إلى أخرى، إلى أن يجد نفسه، أخيراً، في مستشفى، بعدما صدمته سيّارة وهو يلحق بإحداهن، ثم، في المستشفى، يلقى حتفه وهو على السرير بعدما حاول النهوض ليقترب من الممرضة ذات المريول الكاشف عن ساقيها وخيال فخذيها فيقع ويموت.
القصص التفصيلية، قصصه مع كل امرأة، كانت عديدة، ولذلك كان لا بد من أن تكون سريعة، بالكاد نتذكر فيها وجه الامرأة واسمها، لكن في كل منها ما يميّز قصّتها، أو تجربته معها، كتلك التي أتته مرة ترتدي فستاناً يتطلّب خلعه فكّ ٣٦ زراً تمتد على طوله. وهنالك نساء استمررن معه لفترات أطول، أما ما جمعهن كلّهن فهو رغبتهن في إقامة علاقة دائمة معه، في وقت كان هو يصر على أن يبقى كل منهما حراً.
لم يقع الفيلم، رغم موضوعه، في خطاب ذكوريّة يمكن أن يكون مزعجاً للمشاهِدات، وذلك لأمرين، لتنوّع شخصيات النساء فيه، وأساساً للباقته في تعامله معهن واحترامه لهن، مَن صاحبهن ليومين أو شهرين، وهو ليس فيلماً عن النساء بعين رجل، بل هو فيلم عنهن بحضورهن، غير متكرّرات، في حياة رجل أحب واحترم كلاً منهن على حدة، وبطريقته.
أهم ما يمكن أن يُقال عن الفيلم هو طريقة سرده لحكايته، فهو يبدأ وينتهي في اللحظة ذاتها، أثناء دفنه، لكن الأحداث فيه، بين المشهدين الأول والأخير، تُنقل بثلاثة أساليب: الأسلوب السينمائي، إذ تصوّر الكاميرا بشكل موضوعي بيرتران ومغامراته مع النساء. الأسلوب الأدبي إذ نشاهده، في مشاهد طويلة، يكتب روايته عن مغامراته، مع سماعنا له يقرأ ما يكتبه، يرويه بشكل ذاتي، ومشاهدتنا أحياناً لقطات تصوّر ما نسمعه. وثالثاً هو أسلوب يدمج السينما بالأدب، وكان بمثابة الخاتمة للفيلم، وهو ما نسمعه بلسان المحرّرة في دار النشر التي أودع عندها مخطوطة روايته، إذ نشاهد لقطات لها تحكي فيها بشكل مباشر، في مشهد الدفن، في تزامن بين ما نسمعه وما نشاهده، تحكي عن النساء العديدات الآتيات لتوديعه.
ولكل من الأساليب الثلاثة المتتابعة في نقل الحكاية وظيفته: في الأول، في الساعة الأولى من الفيلم، يتم تقديم الشخصية الرئيسية، نشاهد ملاحقة حقيقية ومباشرة لامرأة، ومحاولته الدؤوبة، المبالَغ فيها للجانب الكوميدي في الفيلم، للوصول إليها، ثم تحرّشاته التليفونية، ثم نظراته اللاحقة لسيقان النساء في الشوارع والمحال، بعدها يقرّر أن يكتب رواية تحكي عن مغامراته معهن، فيلتزم البيت ويبدأ بالكتابة، ليلاً ونهاراً، إلى أن ينهيها، أثناءها نسمعه يقرأ ما يكتبه، ثم نشاهده في استعادات لمغامراته السابقة والعديدة مع النساء، يتخلّل ذلك مشاهد عن إنجازه للرواية واستكماله لبعض مغامراته أثناءها، إلى أن يقيم علاقة، أخيرة في حياته، مع المحرّرة في دار النشر التي انجذبت، كالأخريات، إليه.
شارك الفيلم في مهرجان برلين السينمائي، وعُرض مؤخراً في سينماتيك تولوز، ويكون هذا العام قد مر أربعون عاماً على إنتاجه.
____
*القدس العربي

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *