الكاتب – المؤسسة

خاص- ثقافات

*سعيد الشيخ 

الكاتب الذي لا تقف خلفه مؤسسة ما رسمية كانت أو خاصة، هو كاتب محاصر بلا شك. لا يدرك الشهرة كما يدركها أقرانه المكرّسون من قبل المؤسسات. وهذا لا يعني أنه أقلّ إبداعاً منهم، بل هو ربما يفوقهم في موهبته وفي نصاعة صوته الذي يختلف ولا يتماشى مع همهمات القطيع.

وعلى ما يبدو أنّ الكاتب في الغرب استطاع أن يكسر دور المؤسسة في صناعة الكاتب، ليؤسس لنفسه مؤسسة تنقل صوته وتضعه على تماس مباشر مع العامة من القرّاء، بعيداً عن الدور الوظيفي للمؤسسة الرسمية التي تخلق لكاتبها المكرّس نخبة تجتمع على النفاق في إعلاء قيمة نصوصه دون أي حس تجاه العملية الإبداعية.

الظاهرة التي لفتت انتباهي في السويد، أنّ كتاباً مشهورين يجلسون خلف طاولات يعرضون عليها آخر إصداراتهم، وذلك عند مداخل المحلات الكبيرة ويوقّعونها لمن يريد اقتناء الكتاب. وطبعا بإمكان الناس الحوار مع الكاتب حول إبداعه. ويظل الكاتب ينتقل بمعرضه الشخصي (إذا جاز لنا التعبير) من محل إلى محل في المدينة الواحدة إلى أن ينتقل إلى مدينة أخرى. واللافت أن الكتب لا تحمل اسم دار للنشر، وأنّ حقوق الطبع محفوظة باسم الكاتب.

لقد استفاد الكاتب من نظام الطباعة الحديثة التي باتت توفرها الأنظمة الرقمية، في أن يطبع فقط احتياجاته الشخصية والتسويقية من الكتب.. هو من يكتب وهو من يسوّق، وللكتاب صفحة على الإنترنت بإمكان المتابعين حجز نسخهم من خلالها ليصار بعد ذلك إرسالها إلى عناوينهم. وكل شيء يجري تحت إدارة الكاتب، بعيداً عن سلطة دور النشر التقليدية التي غالباً ما تخفي حقيقة أرقام المبيعات وعدد النسخ المطبوعة.

إن نظام “الطباعة عند الطلب” قد وفّر للكاتب، إن كان مبتدئاً أو مهما علا شأنه استقلالية تامة جنّبته محاباة السلطات المُمْسكة بعمليات النشر والتوزيع. وهو ما ألغى دور الرقيب أيضاً لتجد حرية الرأي والتعبير لنفسها مساحة أكبر وتتوسع باضطراد نحو فضاء يخلو من المداهنة. ومع هذا النظام ما عادت الكتب تتكدس في مخازن دور النشر أو عند الكاتب في مواسم بوار الكتاب.

الكاتب بات يمتلك الناصية، وبعد أن كانت دور النشر تدوّخه في تحمّل نفقات طباعة كتابه من دون مردود يذكر، وبعد أن كانت تتجاهله السلطات الثقافية إن كان يغرد خارج السرب ومحافظاً على استقلاليته وحريته، بات هو من يزوّد شركات التوزيع بإصداراته حتى إلى خارج مكان إقامته وهو عزيز وحر بكلمته وعمله في إطار مؤسسته الخاصة.

كاتب فلسطيني

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *