جوائز

*أمير تاج السر 

تبدو لي تلك الأرقام التي تعلنها إدارات الجوائز الأدبية العربية، كل عام عن عدد المشاركين في الدورات السنوية لتلك الجوائز، خاصة الرواية، غريبة فعلا، وتدل في الغالب على ما ذكرته من قبل عن التحول الكبير لعدد ليس هينا، من الذين يقرأون الكتب الأدبية، إلى كتاب، لن يتكاسلوا عن الركض في مضمار الجوائز، عسى ولعل أن يحصدوا جائزة.
جائزة الحي الثقافي – كتارا، في قطر، هي الجائزة الأضخم الآن، وتبدو «بوكر متعددة»، حيث يحصل خمسة من الفائزين على قيمة البوكر نفسها، وامتيازاتها أيضا من حيث الترويج، والترجمة للغتين رئيستين، هما الإنكليزية والفرنسية، مع دعم سنوي للفائزين، واستضافتهم في أغلب الأنشطة الحية التي تقيمها مؤسسة الحي الثقافي، إضافة لجائزة المخطوطات التي هي أيضا قيمة، وتحمل سمات جائزة الأعمال المنشورة نفسها، في ما عدا القيمة المادية، حيث يحصل الفائزون الخمسة على ثلاثين ألف دولار لكل منهم. كل هذه معلومات معروفة، يتداولها الكتاب وغير الكتاب، وتبدو نقاط جذب متوهجة لكل من كتب قبل عصر الجوائز، وما زال يكتب حتى الآن، رغم كل إحباط قد يكون حدث، ومن ابتدأ يكتب في عصر الجوائز، حيث الأدب، ليس قاحلا تماما، من الناحية النظرية، ويمكن أن يأتي بشيء من المال أيضا، وهناك شيء مهم، وهو أن كتارا لا تعلن قوائم مرحلية أبدا، ولن يعلن في يوم من الأيام، أن كاتبا ضخما متألقا، دخل قائمة وخرج منها، وهذا ليس عيبا ولا مشكلة، في الحقيقة، لأن الجوائز عادة لا تنظر إلى الكاتب وظلاله وتوهجه، وإنما إلى النصوص المتقدمة، إن كانت جيدة فعلا، بحسب رأي من يتولون التحكيم، أو لا تستحق. لكنه رغم ذلك قد يترك أثرا سلبيا ما لدى الكاتب، كما يحدث حين يخرج اللامعون من سباقات الجوائز الأخرى، ويظلون مهمومين، يتكئون على عبارات قرائهم وهي تصفهم بتلك العبارة المألوفة، في تلك المواقف: أنت أكبر من الجائزة.
إذن كتارا، ليس فيها من هو أكبر ومن هو أصغر، ومن يتساوى في الحجم مع الجائزة، وإنما ذلك اليوم الذي يخطر فيه كل فائز، بنبأ فوزه، ويستعد ليذهب إلى منبع جائزته، لذلك تجد عدد الأعمال المقدمة لجائزة كتارا تتزايد في كل عام، ويظهر في الدرب أشخاص ما كانوا يعملون كتابا أصلا، ولا طرأت الكتابة على بالهم إلا حين أصبحت سكتها خضراء، قد تأتي بالحصاد، كما يعود شيوخ انزووا منذ زمن إلى الدرب بأقدام كتابية جديدة، وبالطبع لن يتوقف الشعراء عند قصائد معقدة، ما عادت تهم أحدا في هذه الأيام، ولا النقاد سيكتبون الدراسات المطولة، في مدح النصوص أو ذمها، ولكن ثمة وقت سيخصص لكتابة الرواية، وستركض تلك الرواية، في سكة الجوائز، خاصة جائزة كتارا، الساترة، والمميزة التي إن جادت، فهو عائد محترم، بلا شك.
الأرقام التي تعلن بالفعل صادمة، وتزداد الصدمة، حين تعبر بأروقة معارض الكتب، وتحس بالحيرة من ألوان الأغلفة، والأسماء البراقة والغريبة لأعمال روائية، صدرت كلها في وقت واحد، ولا تعرف لمن تقرأ، أو كيف تقرأ، أو تعثر أصلا على صوت رائع، أضاعه ذلك التكدس الغريب.
أود أن أقول بأنني من مشجعي الكتابة، أي أنني أؤمن بأن لكل شخص قصة يود أن يرويها ويشارك بها أصدقاءه وأحبابه، والقراء إن عثر على قراء، وكثير من القصص العظيمة، نشأت من وجود دوافع لكتابتها، مثل أن يكتب سجين ما، قضى عقوبة طويلة، تجربته في السجن، وتكتب زوجته، تجربتها في انتظار سجين قد يخرج عاديا، مألوفا كما دخل، وقد يخرج بمئة عقدة، بلا حل. كأن يكتب سياسي مخضرم، مذكراته بنفس إبداعي، ربما يستعين فيه بكاتب روائي أو محرر مقتدر، كما يحدث في الغرب، وحتى أن تكتب ربة بيت عادية، مكابداتها في كل ما يخص البيت من تعب وشقاء، ومعروف أن مهنة ربة البيت، واحدة من أروع المهن، لكنها منهكة.
وقد قيل في حيثيات منح الكاتبة الألمانية الرومانية: هيرتا ميلر، جائزة نوبل في الأدب، أن لديها قصة عن الديكتاتورية، كان لا بد أن تكتبها، وكتبتها، الفرق هنا أن الذي يكتب في الغرب، يقرأ أولا، يقرأ كل ما يستطيع أن يحصل عليه من معرفة، وبالتالي حين يكتب، لا تبدو كتابته، خرقاء، أو بعيدة عن القواعد، أو كارثة، بينما من يسمعون بالجوائز، ويظنون الدرب أخضر، وسالكا، ويكتبون، لا يعون أصلا أن هناك إبداعا، له مبرراته، وليس مسألة عشوائية. نعم بإمكان كل من أراد أن يكتب قصته التي تربكه، ويود كتابتها، فقط ليستدل على طريقة كتابتها، ويفعل، ولا تكون المسألة سباقا محموما من أجل جائزة.
ودائما ما تقفز إلى ذهني بعض الأعمال الروائية التي كتبت في عصر ما قبل الجوائز، أو العصر الذهبي للكتابة، وكان عصرا طويلا امتد ربما منذ عرف العرب كيف يكتبون الرواية، إلى الألفية الجديدة، حين بدأت إشارات الجوائز، تظهر، أتذكر «الياطر» لحنا مينا، وعلاقة البحار بالبحر، و«يوميات نائب في الأرياف» لتوفيق الحكيم، وكم كانت بديعة في كل شيء، وممتعة، أتذكر «البوسطجي» ليحيى حقي، وجمال الحكاية والتشويق، وأتذكر «فساد الأمكنة»، لصبري موسى، إحدى أجمل ما كتب في الأدب العربي، عالم غريب سحري في جبل الدرهيب، ونيقولا الساحر في بنيان شخصيته، والكثير من الزخم الجميل، بلا أي جائزة، أو نظرة إلى جائزة.
بالنسبة لورش الكتابة، أي تلك التي يشرف عليها كتاب قدامى، وينضم إليها كتاب يودون الكتابة بإلحاح، بغض النظر عن مسألة العمر، أنا أعتقد أنها من الحلول الجيدة لمسألة عشوائية الكتابة، ففيها توجيه لأعمال تستحق القراءة، ويمكن أن تفيد، وفيها تأكيد على قواعد الكتابة الإبداعية، وفيها تهذيب للنص الذي يقدمه المشارك، وأعتقد لو امتد نشاط تلك الورش، وأصبحت شكلا معتمدا من أشكال التعليم، لحصلنا على كتاب مقتدرين، يعرفون كيف يكتبون قصصهم التي تربكهم، وبحاجة لأن يكتبوها، فليست هيرتا ميلر كما ذكرت سابقا، تملك قصة، ولكن الدنيا كلها تملك قصصا، ربما تشبه قصة هيرتا، من حيث أنها قصة ألم في عهد ديكتاتوري، وربما قصص عن الفقر والجوع، والحرب والتشرد، والضياع، وعدم الوصول إلى أي نقطة آمنة للحياة.

_______
*القدس العربي

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *