21 مارس : اليوم العالمي للشعر .. فصل الربيع .. نزار قباني
مارس 21, 2017
خاص- ثقافات
*المصطفى رجوان
يحتفل العالم كل سنة في 21 من شهر مارس بالشعر.ويبدأ فصل الربيع مع 21 مارس.فهل الشعر هو الربيع الذي تخضر معه رؤانا وتغرد فيه عصافير الإيقاع وتمرح؟
الجميل في الأمر أن ربيع الشعر العربي الحديث نزار قباني قد ولد في 21 من شهر مارس سنة 1923.أهي مصادفة فقط أم شاء القدر أن يحتفل العالم بنزار وأن يُنشد الشعر في يوم ولادته دون أن ندري؟
اليوم العالمي للشعر .. فصل الربيع .. نزار قباني،ثلاثية فريدة لها معانيها المتوهجة ودلالاتها الخصبة.
وقد لاحظ نزار ثنائية ولادة فصل الربيع وولادته،فكتب تحت عنوان” الولادة على سرير أخضرَ” : يوم ولدت في 21 آذار(مارس) 1923 في بيت من بيوت دمشقَ القديمة،كانت الأرض هي الأخرى في حالة ولادة.. وكان الربيع يستعد لفتح حقائبه الخضراء.
الأرض وأمي حملتنا في وقت واحد..و وضعتنا في وقت واحد.
هل كانت مصادفة يا ترى أن تكون ولادتي هي الفصل الذي تثور فيه الأرض على نفسها،و ترمي فيه الأشجار كل أثوابها القديمة؟ أم كان مكتوباً علي أن أكون كشهر آذار،شهر التغيير و التحولات؟.”
لنعد لليوم العالمي للشعر … في هذا اليوم نأمل الكثير من الأهداف ونتطلع إلى شموسٍ بعيدة،ونشرئب لها بقلوبها.
نتطلع إلى شعر حقيقي يمثل الإنسان،ويترجم أحاسيس الإنسان،وينخرط في قضاياه.
اللغة العربية لغة شاعرة كما يسميها العقاد،ولغة موسيقية إيقاعية،فلا يمكن الإيقاع بالقارئ دون إيقاع.ولا تتطلعْ يا عزيزي الشاعر إلى العالمية فلن ترضى عنك اليهود ولا النصارى،حاول أولا إرضاء شعب عريض كان يوما يدعى شعبا من الشعراء.ثم إن الشعر لو ترجم ولم يفقد شيئا فليس بالشعر.
نتطلع إلى شعراء حقيقيين،لا يلقبون أنفسهم بالشعراء،بل يتركون للناس حرية اختيار ممثليهم في وادي عبقر.نريد شعراء ليس همهم هو التهافت على النشر،وإنما همهم الوحيد هو التنقيب عن ماء الشعر.نريد شعراء يعرفون حركة تاريخ الشعر العربي،لا نريد شعراء ينزلون علينا فجأة من السماء.نريد شعراء يتكلمون معنا بلغتنا وحساسيتنا العربيتين،لا نريد شعراء يتكلمون مع الخشب.وأقول:
لكنني أملاً
أمارس شهوة الإيقاع
للإيقاعِ بالقرّاءِ
نحتاجُ شعرا
شعرَ رؤيا كي نؤوله
مكان الصورة العمياءِ
تلك الرؤى أضغاث أحلامٍ
أعمالكم أضغاث أقزمٍ
أقوالكم أضغاثُ أقلامٍ
خذوا أقلامكم
و حداثة الأهواءِ
نتطلع إلى ثقافة شعرية مسؤولة من كل الأطراف: قارئٌ واعٍ بجماليات الشعر وذواق.شعراء يستطيعون سرقة نار الشعر واقتحام كل المجاهيل وكل مفازات الدهشة.نقاد يشرحون النص ويستندون إلى العلمية بدل النقد الانطباعي،وكيل المديح للأصدقاء،لا نريد النقد الذي يصلح أن نلصقه لأي نص.ورعاة للثقافة والشعر يكون الاستحقاق بوصلتهم.
أما الربيع فله فضل كبير على الشعر والشعراء،وله حظ وافر من الشعر العربي،أعرف منه قول البحتري:
أتَاكَ الرّبيعُ الطّلقُ يَختالُ ضَاحِكاً
منَ الحُسنِ حتّى كادَ أنْ يَتَكَلّمَا
أما نزار قباني فالحديث عنه يطول ويطول،إنه آخر شاعر أُموي تجود به العربية،شاعر العمود والتفعيلة والنثر،كل قصيدة من قصائده لا تشبه الأخرى،وكل إيقاع في قصيدة لا يشبه إيقاع الأخرى.استطاع أن يعمم الشعر على كل الشعب،دون أن يتنازل في الوقت نفسه عن رفعة الشعر وهيبته.وهو الذي استطاع أن يحول اللغة اليومية وهي تراب إلى ذهب،تلك معادلة لا يجيدها إلا عالم بكيمياء الشعر.
لكنني إن أنس لا أنسى موقفا بطله رجل مغربي،إنه موقف إنساني ودراماتيكي مذهل لا يتكرر ولا يفعله إلا المغربي،أدهش نزارا ويدهش كل ما يقرؤه.وقد سرد نزار هذه القصة في أوراقه المجهولة تحت عنوان “نبوءة الرجل المغربي”.سنة 1954 جاء مواطن مغربي إلى دار القنصلية السورية في لندن،وطلب من السكرتيرة مقابلة نزار عندما رأى توقيعه على التأشيرة في جواز سفره،وعلم من السكرتيرة أن القنصل هو نفسه الشاعر السوري الكبير نزار قباني.
عندما دخل المغربي على نزار قباني استقبله الأخير مبتسما وطلب منه أن يجلس فيشرب معه القهوة،لكن المغربي امتنع عن الجلوس وبقي واقفا،وفي عينيه شهوة واضحة للقتال والتحدي.فقال متوترا:
“يا سيدي الشاعر: ولا أقول يا سعادة القنصل٬ لأن كل الألقاب الأخرى المضافة إلى اسمك كشاعر٬لا تهمني.
قل لي بالله عليك يا سيدي٬ ما الذي تفعله وراء هذا المكتب؟ هل مهمتك أن تنظر في جوازات السفر٬ وتدقق في أسماء طالبي التأشيرات٬ وتلصق الطوابع عليها.. وتمهرها بتوقيعك الشريف؟؟
لا يا سيدي٬ هذا عمل يمكن أن يقوم به أي موظف من العصر العثماني٬ أو أي كاتب عرض حالات..
أما أنت٬ فشاعرنا٬ وصوت ضميرنا٬والناطق الرسمي باسم أحلامنا٬ وأفراحنا٬وأحزاننا٬وهمومنا العاطفية والقومية. أتوسل إليك٬ يا سيدي٬باسم الأجيال العربية التي قرأتك٬ وأحبتك٬ وتعلمت على يديك أبجدية الحب والثورة..
أتوسل إليك باسم جميع الأنبياء والرسل٬ وجميع الشعراء الذين استشهدوا من أجل كلمة جميلة٬ أن تترك هذا المكان فورا.. وتبقى عصفورا يوقظ الشعوب من غيبوبتها٬ ويغني للحرية من المحيط إلى الخليج..”
وخرج الرجل من مكتب نزار دون كلمة وداع،بسرعة كالبرق.لكن العجيب أنه سنة 1966،عندما قرر نزار ترك السلك الدبلوماسي والسفر إلى بيروت، ظهر لنزار مرة ثانية ملوحا بمنديله٬ وشاعرنا على ظهر السفينة في ميناء برشلونة٬ منتظرا رحيل الباخرة إلى بيروت.
كان واقفا على رصيف المرفأ٬ والدمع يملأ عينيه٬ وعلامات الانتصار واضحة على وجهه.