خاص- ثقافات
*عـمـاد أجـحـا
توضيح:
كتب أحد الأصدقاء مقالة جميلة تتوجه بأصابع الإتهام إلى كتابنا الأخير “التعددية الدينية والإسلام، دراسة تحليلة لنظرية جون هـيك” (2017) وتنعته باقتراف فعل السطو والسرقة الأدبية. وقد هالني صراحة وفاجأني حجم الإهتمام والجهد الكبير الذي بذله وتجشم عناءه هذا الصديق، وأنا شخصياً لا يسعني إلا أن أحييه وأشد على يديه بحرارة، ولا تهمني هنا طبيعة نواياه وبواعثه التي حمسته على الكتابة وأوعزت له بالنبش والتنقيب المجهري في كتابنا صفحة صفحة، سطراً سطراً، كلمة كلمة. لكن قبل ذلك لا بد لي من توضيح بعض الأمور ومصارحة القارئ حتى يكون على بينة ويحكم بنفسه بدل أن يدعها تسقط ضحية ولقمة سائغة سهلة الهضم لمجموعة من المغالطات التي يحاول المقال تمريرها بناءاً على تقديرات خاطئة.
إن كل من يتصفح الكتاب المعني ستطالعه منذ مقدمته عبارة تنبيهية صريحة تشد انتباه القارئ منذ البداية إلى أن دور ومجهود صاحب الكتاب سيقتصران فقط على “دور الباحث والدارس المحلل وتارة أخرى على دور المترجم الشارح” (ص11). وعلى أن صاحب الكتاب لا ينسب ولا يزعم لنفسه أية أفكار أو مواقف من التي يتم مناقشتها داخل الكتاب، بحيث إنه “يلتزم الحياد والموضوعية قدر الإمكان في الترجمة ونقل الأفكار ثم عرضها وتحليلها” (ص13). وهذا فقط كأسلوب احترازي ونوع من إبراء الذمة وتجنب بعض الإتهامات الجزافية التي من المتوقع أن تلاحق أي مؤلف حديث العهد، لأنه في كل حال لازلت بعيداً كل البعد عن أزعم لنفسي أي أصالة فكرية وإبداعية، والقارئ بنفسه سوف يلمس هذا الحذر الشديد بشكل جلي حينما سيلاحظ أنه لا تكاد تخلو أي صفحة من صفحات الكتاب من إحالة ترجع الكلام إلى أهله وأصحابه ولا تترك لمؤلف الكتاب أي دور آخر غير التعليق والتركيب. بل حتى أننا قد ذكرنا داخل المتن أسماء ومراجع الباحثين الذين تم الاعتماد عليهم بشكل كبير فقط تحسبا لمثل هذه الاتهامات الصادرة فقط عن رغبة في التغليط والتحطيم والتجريح. ذلك أن تهمة السطو والسرقة تصبح متنافرة بشكل كبير مع الواقع وغير مستصاغة إطلاقاً ما دام مؤلف الكتاب منذ البداية لا ينسب لنفسه أي شيء بله أن يقوم بالسطو وطمس المصادر، وهذا لأسباب متعلقة بحداثة سنه وتواضع تكوينه المعرفي، وباعتبار عمله هذا ليس إلا باكورة جهد جد متواضع وبسيط مقارنة بما يستطيعه وبما هو مطالب بإنجازه والإتيان به في القادم من الأيام.
وكما هو معروف لدى الجميع فإن أعراف وشروط البحث الأكاديمي لا تفسح للباحث أي مجال لينسب لنفسه أو يكرس ذاتيته أثناء لحاظ البحث، بل إن تينك الأعراف والشروط تحصره بين مجموعة من النصوص والمراجع لا يكاد يبرحها ويظل يتنقل بين نص وآخر بالشكل الذي يبعد ذاتيته عن ميدان البحث ويكاد يطمسها، ويحصر كفاءته ومهارته فقط في قدرته على التفاعل مع النصوص ومحاورتها، وأحيانا محاورة نصوص بنصوص أخرى والإكتفاء بدور مسير الجلسة. وفي هذا يحدث أن تظل سجين مجموعة من النصوص لا تستطيع أن تنفلت من إسارها أو تقاوم ربقتها ووصايتها التي تطوقك من كل جانب، فيحدث في بعض الأحيان أن يتشابه أسلوبك بأسلوب من تقرؤ لهم لأنك تظل شئت أم أبيت تابعا لهم ومسكونا بهم.
وأنا شخصيا لا تكويني ولا سني ولا انتظارات الآخرين مني تسمح لي بأن أطمع وأصبو لما هو أبعد من ذلك. هذا الأمر هو الذي أغفله صاحب المقال وذهب يحاول تضليل القارئ ويصور له بأنه مكمن العيب والخلل. ولهذا فإن كل من قرأ الكتاب وقرأ المقال معاً سيتعجب ويسأل كيف يستقيم أن يتهم شخص بالسرقة وهو في الأصل لا يزعم أو ينسب أي شيء لنفسه من المضامين التي جاءت في الكتاب؟ وصاحبه بنفسه هو أول من يصرح أن عمله هو مجرد جهد متواضع وبسيط في نقل وترجمة بعض الأفكار والتعريف بها، وليس يزعم فيها لنفسه أية أصالة فكرية أو إبداعية تبرر أسلوب التشهير والتجريح الذي اعتمده صاحب المقال الذي لا يمت بصلة لأخلاقيات المعرفة والكتابة المسؤولة. وما أسهل اتهام الآخرين وإساءة الظن بهم.
إن الخيار المنهجي الذي تم اعتماده في الكتاب، والذي هو منهج وصفي تحليلي تطبعه أعلى درجات الحياد والموضوعية والتجرد من الذات، لم تمله فقط طبيعة الموضوع وخصوصيته كما أنه ليس تهربا من تحمل قسط من المسؤولية الفكرية التي تطرحها الموضوعات التي يتناولها الكتاب، بل إنه جاء أيضا تحسباً لردة فعل القارئ الذي سيكون لا محالة شرساً وغير متسامح مع كاتب حديث السن. فعندما نقرأ ونحن مثقلون بمجموعة من الآحاسيس السلبية والعدوانية فإنه لا يكون ساعتها في نيتنا غير اصطياد الزلات واختلاقها من فراغ لا لشيء فقط لتشويه الآخر وتثبيطه والإنتقام منه، والحال أن صديقنا صاحب المقال ينطبق عليه هذا الوصف في حدود معينة. فإذا كنت أعتقد أن الكتابة في الدرجة الصفر من الذاتية هي ميزة هذا الكتاب فإن صاحبنا عدها عيباً وزلة لا تغتفر وجد فيها مدخلاً رحباً ومواتياً لتمرير عدد من المغالطات والإفتراء أحياناً، حيث راح يصور للقراء ويزيف لهم أننا عاجزون عن مسك القلم وتحبير بضع صفحات كما لو أننا تنقصنا الملكات الطبيعية العادية التي رزقنا الله بها جميعاً، وكما لو أن هذه أول مرة نمسك فيها قلم ونكتب أو نشتغل فيها على عمل بحثي أكاديمي أو ننكب على موضوع فكري.
لكن من حسنات هذا المقال التي يشكر عليها صديقنا هي أنه نبهني إلى بعض الأخطاء والإختلالات التي وقعت فيها أثناء تجميع الكتاب وإعداده وتهيئته للنشر. فبخصوص تثبيت المراجع فإن صديقي أول من يعلم أن هذا العمل في الأول استخدم فيه أسلوب “هارفرد” في توثيق المصادر والمراجع وتوثيق الإقتباسات المباشرة والغير المباشرة. حيث يتم حسب هذا الأسلوب تثبيت المصدر أو المرجع مختصراً داخل المتن بين قوسين، ولا نذكر إلا الإسم العائلي للمؤلف وسنة صدور مصنفه والصفحة التي اقتبسنا منها. لكن عندما وصل العمل المعني إلى لحظته الأخيرة قبل النشر كان لزاماً أن يتم تغيير أسلوب التوثيق إلى الأسلوب العادي الجاري به العمل والذي ألفه القارئ في أغلب البحوث والإصدارات. إلا أنه كما كان متوقعاً فإن عملية التعديل هذه كانت معرضة أن تحتمل بعض الأخطاء والاختلالات مثل أن يتم إغفال إعادة تثبيت بعض العناوين والأسماء التي تم الإعتماد عليها بشكل ثانوي وسريع داخل العمل مما برر تناسيها لدواعي وأسباب معروفة وعادية تخص شرود الإنتباه وغيرها من عوائد طبيعة الإنسان المطبوعة على الخطأ والنقص (الكمال لله) بعيدة كل البعد عن الرغبة في السطو والإستيلاء كما يزعم صاحب المقال بكل ثقة. ناهيك عن أن نقل الإحالة من المتن إلى أسفل الورقة يؤثر في بعض الحالات على بنية المتن، ولذلك فهناك حالات استطعنا تداركها وتعديلها وهناك حالات أخرى من المحتمل أن تكون قد سقطت منا سهواً. لكن هذا الأمر بالذات هو الذي نجح صاحب المقال في استغلاله وتثويره ليحوله إلى عنصر قذف وتشهير، وإن كانت نيته حسنة وطيبة كان عليه على الأقل أن يراسلني بشكل شخصي وينبهني إلى ما وقف عليه من أخطاء حتى نستطيع تعديلها أو تنبيه الناس إليها بعد ذلك بأسلوب لائق، وهنا تكمن الرغبة في التغليط والإفتراء. فأي صديق طيب كان سيحسن الظن بمؤلف حديث العهد ويواجهه في مثل هذه الحالات بالنصيحة الطيبة بدل أسلوب التشهير والتجريح الذي لا يحسن ولا يصلح بقدر ما يهدم ويحطم.
لا يزال هناك الكثير لقوله وتوضيحه لإبراء ذمتي مما قد يتسارع إلى الأذهان من اتهامات خاطئة من السهل التصديق بها واستغلالها لإذكاء نار الدعاية والإشاعة، سواء للتشفي أو الإنتقام أو غيرها من الأغراض التي تستبطنها القلوب، لكن مع ذلك لا يبقى لي إلا أن أشكر صديقي صاحب المقال، رغم قسوة أسلوبه ومسه لشخصنا واعتماده أسلوب التشهير والتجريح بدل أسلوب النصيحة والحوار الهادئ، فإنه كان طيباً بما فيه الكفاية لينبهني إلى مجموعة من الأمور والأخطاء التي قد يرتكبها أي إنسان، ولأحس بالمسؤولية الملقاة على عاتقي وأكون أكثر حرسا وحذراً في المستقبل. وكلي رجاء أن يكون هذا الصديق قد حركته الغيرة والمسؤولية في المقام الأول قبل أي شيء آخر .
وأتمنى أن أكون قد استخلصت العبر والخلاصات واستفدت من مختلف الدروس والتجارب التي تقدمها لنا الحياة لأستطيع الإستمرار والمضي بقوة وعزيمة وثقة وجرأة وأكون عند حسن ظن وتطلعات القارئ الكريم.
Top of Form