“التعددية الدينية” أم تعدد السرقة الأدبية العمياء؟
فبراير 23, 2017
خاص- ثقافات
*محمد الفتوح/ المغرب
أصدرت لنا أفريقيا الشرق في الآونة الأخيرة “مصنفا دوكسوغرافيا” عزَّ نظيره في السرقات الأدبية لنصوص أشهر من أن تُكشَف، لخصت رداءة السطو المعلنِ في عنوان “التعددية”، إذ الكتاب لا يبرح أن يكون تعددا للسرقات العمياء، تحمَّل فيه صاحبه عبء التنقل في اقتناص سرقة تلتصق مع السرقة الأولى من غير أن يقول صاحب النقل حرفا. وكان (كوبي كولي) على موعد مع التاريخ، حيث استحق وصف عمل أدبي أصيل يطبع وينشر في الناس ليقرؤوه ويستشرفوا “دوكسوغرافيا” السرقات التي تمكنهم من التطلع إلى غد مشرق في إنتاج أدب رفيع !ويتعلق الأمر هنا بأغرب سرقة أدبية يمكن أن يتجرأ على ارتكابها مُتعالم مدعي، يسعى إلى الوصول إلى الأضواء، ليصدُق عليه المثل السائر: “تزبب قبل أن يتحصرم”. إذ أقدم المدعو عماد أجحا على نشر كتاب أسماه “التعددية الدينية والإسلام” ليس له فيه غير توقيعه باسمه. وهو من نشر دار أفريقيا الشرق، ط. 1، المغرب، 2017.
الواضح أن القبول بهذا الوضع المهترئ المريض يزيد من حدة إغراق المكتبة ويهوي بها إلى المستنقع، ويخرج للناس رؤوسا جُهّالا مُلْتَحِفةً بلحاف الأقنعة المزيفة، تلهث وراء الكاميرات والظهور في واقع أشبه ما يكون ب”السينما الكرتونية”، تشوه المعرفة تشويها وتساهم في إنتاج كم من الرداءة. وبدل أن تكون الأضواء كاشفة للزيف، كانت قد أعدَّت صالونات مساحيق “المكياج” التي تُسائِلُ اليوم وزارةَ الثقافة عن هذا الاهتراء والتلاعب بتظاهراتها الثقافية. هذه الآفة التي نسُوق إحدى نماذجها في هذه المقالة تمثل أعتى دركات السرقة مع سبق الإصرار والترصد والجرأة على السرقة الحرفية (كوبي كولي) لنصوص شهيرة ليس في وسع المرء أن يستوفيها في مقال، لأن الكتاب جله سطو تلتصق فيه سرقة بسرقة، يلخصها عنوان الكتاب “التعددية” المفيدة لنصٍّ مُرقَّعٍ من كُتب وقَّعها صاحب الكتاب المزعوم باسمه. وقبل أن نذكر جملة من الانتقاءات العشوائية، نؤكد أن الأمر لا يتعلق بحالة معزولة لفقرة أو صفحة، أو بخطإ وارد أثناء تسويد الكتاب، بل إننا أمام محاور وصفحات طوال من السرقة الحرفية، تنوعت بين النقل من مصادر عربية، واللجوء أيضا إلى السرقة -بواسطة الترجمة- من مراجع أجنبية. ونظرا لأن ”الكتاب“ جله -إن لم نقل كله- سرقة، لدرجة أنه لو أردنا ذكر كل هذه السرقات لاضطررنا إلى إصدار نسخة بحجم الكتاب المنشور أو أكثر بقليل، نذكر فيها فقط النصوص الأصلية التي قام المعني بالأمر بالسطو عليها…فإننا ومن أجل القيام بهذه الرسالة التي نستشعر ثقلها، سنخصص لهذه المقالة حلقات نفضح فيها هذا اللص فقرة فقرة، ونكتفي هنا بذكر نماذج من الفصل الأول، والتي وظف فيها صاحبنا “الشجاع” استراتجيات متنوعة الجامع بينها هو ”النقل الحرفي من هناك وهنا والادعاء بأنا هذا كتابنا”. إذ وكأن صاحبنا -وهذا يُحسب له!- قد قام باستعارة مفهوم “التعددية” من مجال الأديان إلى مجال السرقة الأدبية، بحيث إنه قد عدد مصادر سرقاته، كما عدد استراتيجياته في هذه السرقات. ومن هذه الاستراتيجيات:
استراتيجية؛ إملإ الفراغ بما يناسب
الغريب في هذه الحالة، هو أن هذا اللص لم يستطع حتى القيام بصياغة مقدمة لما يُفترض أنه “كتابه” إذ بدأ بخطِّ أُولى حروفه بمقدمة مسروقة لم يقم فيها إلا بملْءِ الفراغ بما يناسب موضوعه، وإن اقتضى ذلك السرقة من كتاب آخر، في موضوع آخر، بعيد كل البعد عن موضوع “كتابه المزعوم” وهاك مثالا: يقول الكاتب المدعي:
”تحيل الإشكالات التي تعالجها دراستنا هذه إلى مجالات الفلسفة وفلسفة الدين والفلسفة الدينية واللاهوت، أما النواة المركزية التي تحوم حولها هذه الإشكالات فهي نظرية التعددية الدينية…“ [الكتاب المزعوم، عماد أجحا، التعددية الدينية والإسلام، أفريقيا الشرق، ط. 1، المغرب 2017. ص. 9] قارن هذه الفقرة مع المقدمة التي افتتح بها الأستاذ مصطفى الحداد كتابه: اللغة والفكر وفلسفة الذهن، إذ يقول: ”تحيل الإشكالات التي يعالجها هذا الكتاب على المجالات التالية: علم النفس المعرفي (Cognitive psychology) واللسانيات والفلسفة. والنواة المركزية التي تحوم حولها هذه الإشكالات…“ [مصطفى الحداد، 1995: 1]
وكما بدأ مقدمة الكتاب بالسرقة، يتكرر المشهد ذاته في تقديمه للفصل الأول من كتابه المزعوم، إذ يقول: ”إن دراسة الظاهرة الدينية تحتم علينا في المقام الأول كخطوة مبدئية أولى وضع تعريف محدد للدين تلافياً للوقوع في منزلقات نظرية ومنهجية، لأنه من دون القيام بهذه الخطوة قد يحدث أن يتوهم الباحث نفسه أنه يقوم بالكشف عن المكونات الذاتية والوظائف الجوهرية للدين وعن أشكال تمظهره الخارجية في العالم، في حين هو في حقيقة الأمر لا يكون يفعل شيئاً آخراً غير ملاحقة ظواهر بعيدة عن الدين ومتابعة جوانب ثانوية وهامشية منه على حساب الجوانب الجوهرية والرئيسية للدين “ [ الكتاب المزعوم، ص. 15] والحق أن هذا ليس من كلامه، وإنما أخذه من كتاب: [محمد بنتاجة، نظرية التقريب بين الأديان، رؤية إسلامية نحو فهم أفضل للآخر، المركز الثقافي العربي، مؤسسة مؤمنون بلا حدود، الطبعة الأولى الدار البيضاء المغرب 2015. ص23] ولا يكتفي بهذه الفقرة التي تتخللها بعض الكلمات المضافة، وإنما يسترسل –بوقاحة زائدة- في إلصاق فقرات أخرى تالية لها، فيقول [الفقرة الثانية، ص. 15]: ”إلا أن ما يظل يشكل عائقاً أمام مسار هذا المسعى ويتهدده بالسقوط في مزالق مضلة هو أنه إذا لم يكتمل هذا الجهد التعريفي للدين بدراسة متأنية لتجليات الظاهرة الدينية عبر التاريخ ولدى مختلف الجماعات البشرية، من خلال التركيز على الطابع التعددي لهذه الظاهرة، سوف لن يكون بحث الظاهرة الدينية في مجمله شيئاً آخر غير انعكاس لمسبقات الباحث ومواقفه الدينية الشخصية وإسقاطاته الخاصة، أو على الأقل مواقف وإسقاطات الثقافة التي ينتمي إليها ونظرتها تجاه الثقافات الأخرى. فما هو مطروح الآن بشكل راهني وكتحد منهجي في بحث الظاهرة الدينية هو ضرورة صوغ تعريف أولي للدين من أجل تحديد وتوضيح مجال الدراسة، وهذا لن يتأتى، أي التوصل إلى مثل هذا التعريف، إلا بعد أن نقطع شوطاً واسعا في عرض ومناقشة أهم التعريفات المتداولة…“ والفقرة بكاملها سرقة من كتاب: [محمد بنتاجة، نظرية التقريب بين الأديان، ص23]
استراتجية “الجبهة العريضة” أو السرقة الحرفية المطوَّلة
نشير هنا إلى أننا أمام مستوى غريب من مستويات السرقة، إذ تجرأ الكاتب المدعي على القيام بسرقة لمحاور بأكملها دون تغيير حرف واحد. وأحيل القارئ هنا مثلا على محور: “المدرسة السوسيولوجية” الذي يبتدئ [من الصفحة 27 إلى الصفحة 29.] وكذا أيضا محور “المدرسة الفينومينولوجية” [من الصفحة 29 إلى الصفحة 30.] ونظرا لحجم هذه السرقة، ومطابقتها للنص الأصلي مطابقة تامة، فإننا نجد أنفسنا مضطرين إلى عدم إيرادها كاملة لأن المجال لا يتسع، ونكتفي بدلا من ذلك بالإحالة على النص الأصلي الذي ُسرقت منه، وهو: [محمد بنتاجة، نظرية التقريب بين الأديان، رؤية إسلامية نحو فهم أفضل للآخر، المركز الثقافي العربي، مؤسسة مؤمنون بلا حدود، الطبعة الأولى الدار البيضاء المغرب 2015. من الصفحة 39 إلى الصفحة 44].
ولا بأس بإيراد مقطع للاستئناس: يقول الكاتب المدعي: ”…رودولف أوتو (Rudolf Otto)، وهو لاهوتي ألماني وباحث في تاريخ وفينومينولوجيا الأديان، وذلك نظراً إلى السلطة التي مارسها في كتابه الشهير ”فكرة المقدس“ على الدراسات الدينية منذ صدوره عام 1917م.
بنى أوتو نظريته على مذهب شلايماخر في أصالة التدين في النفس الإنسانية، واعتبر أن أساس الدين هو تجربة انفعالية غير عقلية وبعيدة عن الخبرة الحسية تشكل الحالة الأصلية للوعي بالقدسي، وتنضوي هذه التجربة على مجابهة قوى لا تنتمي إلى هذا العالم. والانقياد إيجابياً لهذه التجربة فكراً وعملاً هو الذي يكون أساس الدين، وقد أطلق أوتو على الإحساس بحضور الآخر المطلق والمختلف كلياً تعبير الأساس النيومي (Numius)، وقد نحته من الكلمة اللاتينية (Numen) التي تعني الألوهة. وهو يرى أن هذا العنصر النيومي في التجربة الدينية هو حالة بدائية للوعي وتكمن في البنية الأساسية لكل التجارب الدينية.
وقد كان منهج أوتو في كتابه المذكور سابقاً منهجاً سيكولوجياً ظاهرتياً، فقد حاول وصف البنية الأساسية للدين، وانتهى إلى كونه جزء لا يتجزأ من الطبيعة الإنسانية وموجود معها منذ الأزل.“ [ص. 29-30]
ينسب صاحبنا هذا النص لنفسه بكل ثقة، بينما هو في الأصل لفِراس السوَّاح، وإن كان صاحبنا المدعي قد سرقه عنه بواسطة سارق آخر!! ولنقرأ نص السواح: ”… رودولف أوتو، (1869.1937) وهو لاهوتي ألماني وباحث في تاريخ وفينومينولوجيا الدين، وذلك نظراً للسلطة الكبيرة التي مارسها في كتابه “فكرة المقدس” على الدراسات الدينية منذ صدوره عام /1917/… وأما لحالة الأصلية للوعي بالقدسي فتجربة انفعالية غير عقلية هي أساس الدين، وتنضوي هذه التجربة على مجابهة مع قوى لا تنتمي إلى هذا العالم…إنها تجربة مع الآخر المختلف كلياً تأبى على الوصف بالمصطلحات والتعابير المعتادة في وصف التجارب الأخرى.
وإن الانقياد إيجابياً لهذه التجربة فكراً وعملاً هو الذي يكون الدين، ويطلق أوتو على الإحساس بحضور الآخر المختلف كلياً تعبير الأساس النيومي Numinous، وقد نحته من الكلمة اللاتينيةNumen التي تعني تجلي الألوهة، كما تعني قوة وإرادة الأولوهة. وهو يرى أن هذا العنصر النيومي في التجربة الدينية هو حالة أولانية a Priori للوعي، وتكمن في البنية الأساسية لكل التجارب الدينية.
ومنهج أوتو في كتابه، منهج سيكولوجي ظاهرتي، فلقد حاول وصف البنية الأساسية للدين، ورد الفعل الإنساني على خبرة القدسي، موضحا لا جدوى المقتربات العقلانية في دراسة الدين. ذلك أن الدين هو جزء لا يتجزأ من الطبيعة الإنسانية وموجود معها منذ البداية.“ [فراس السواح، دين الإنسان، منشورات دار علاء الدين، ط. 4، دمشق، 2002. ص. 23]
ونقرأ أيضا لهذا اللص: ”يرى جون هـيك أن كلمة دين لا تملك معنى واحد، بل إن الظواهر الدينية المختلفة مترابطة فيما بينها بشكبة من التشابه والتعارض، يمكن تسميتها بالتشابه العائلي (Family Resemblance) كما يطلق عليها مبتكرها الفيلسوف فيتجنشتاين. يقدم هذا الأخير كلمة “لعبة” (Game) كمثال على فكرة التشابه العائلي. حيث لا يمكن تعريف كلمة “لعبة” تعريفاً واحداً، كون أن هناك من اللعب ما هو مخصص للترفيه ومنها للتنافس والربح ومنها ما يتطلب دربة ومران وقدراً من الحرفية. ورغم هذه الاختلافات فإن بعض أنواع الألعاب تتطابق في الصفات والخصائص مع أنواع أخرى والتي بدورها تتطابق مع أصناف ألعاب أخرى. بحيث يعني هذا أن مجموعات الألعاب المختلفة مرتبطة معاً داخل شبكة معقدة من التماثلات والاختلافات التي يمكن تشبيهها، كما يفعل فيتجنشتاين [يحيل هنا اللص في الحاشية رقم 28 علىWittgenstein 1953, 32على السبيل التمويه]، بالتماثلات والاختلافات داخل العائلة الواحدة. لقد عززت فكرة فيتجنشتاين عن التشابهات العائلية التي استلهمها منه جون هـيك إمكانية فهم الدين كشبكة من التشابهات التي تتطابق وتتقاطع بنحو يماثل التشابهات بين أبناء العائلة الواحدة من ناحية لون العينين والبنية الجسدية والطباع والميول ونحو ذلك… فلا يمكن الزعم بضرورة وجود خصائص يتعين أن يحوزها كل عضو في العائلة، لكن هذا لا يعدم وجود خصائص موزعة بدرجات متفاوتة على أفراد العائلة يتم من خلالها تمييز عائلة عن أخرى.
بهذا النحو لا يكون الدين وفق فهم جون هـيك عبارة عن خواص جوهرية أو وظائف محورية لا يستقيم معناه إلا بها، بل إن الدين حسب جون هـيك هو عبارة عن شبكة معقدة من التشابهات والاختلافات التي يشكل مجموعها ما نطلق عليه اصطلاح: ”دين“. إلا أن مجموع هذه الاختلافات والتشابهات الكائنة داخل العائلة الواحدة لا بد لها من وجود عصب جامع ونقطة ارتكاز تدور حولها. لهذا السبب نجد أن نظرية جون هـيك حول التعددية الدينية تدور بكاملها على فكرة وجود حقيقة مطلقة عليا يتمحور اهتمام الأديان حولها وتكون موجهة للأفكار والنظم والممارسات الدينية. تبعاً لمنظور جون هـيك التعددي في التعريف بالدين، فإنه أي دين كيفما كان، سواء كان ديناً سماوياً أو وضعياً، فهو بالضرورة يهتم ويدور حول حقائق عليا وقصوى يسعى لبلوغها وتحقيق الخلاص عبرها.“
تغطي هذه السرقة الصفحات [46، 47، 48] تواليا مساحة النقل المسروقة من الكتاب المزعوم: (التعددية الدينية والاسلام) تتصل فيه سرقة بسرقة، يتنقل فيها السارق بين قطف كل شطر من الفقرات كما بينَّاه، وبعد ما أتى على كل هذه السرقات استعمل التعمية في الإحالة على جون هيك [أنظر حاشية رقم 27 من الكتاب المزعوم] بطريقة لا تحدد لا أول الفقرة ولا آخرها. ليوهم القارئ بأن الكلام كلامه هو عن موقف هيك، بينما هو في واقع الحال، كلام وجيه قانصو. [أنظر:وجيه قانصو، التعددية الدينية، المرتكزات المعرفية واللاهوتية. المركز الثقافي العربي (المغرب)، المؤسسة العربية للعلوم ناشرون، (لبنان) الطبعة الأولى،2007. صص. 147-148] الذي لمَّح المدعي في مقدمة كتابه المزعوم [ص. 12] إلى أنه سيتجاوز الإطار الذي بحث فيه قانصو فرضية التعددية الدينية عند هيك. والواقع أنه لم يعمل في هذا الفصل إلا على استعادة ما كتبه الباحث الأمريكي في فلسفة الدين، البروفيسور شاد ميستر/Chad Meister، وأيضا إلى حد ما ديفيد كرايمر/David Cramer. كما أنه لم يعمل في الفصل الثاني إلا على اختصار فهرس كتاب وجيه قانصو السالف الذكر حرفيا.
استراتيجية السرقة بواسطة الترجمة
ويمكن رصد مستوى آخر من مستويات “تعدد الوقاحة” في السرقة، من خلال لجوء هذا المدعي إلى السطو والانتحال عن طريق ترجمة نصوص أجنبية ونسبتها لنفسه بشجاعة منقطعة النظير، وكأنه وحده الذي يقرأ، ويعرف هذه النصوص. وتتخذ هذه الاستراتيجية مظهرين:
الأول: يكمن في السطو على نصوص بأكملها بعد ترجمتها عن الإنجليزية. وكمثال على ذلك، يقول اللص: ” فيما يخص هذه القضايا المركزية في فلسفة الدين يذكر أن هذه الأخيرة والفلسفة عموماً عرفوا انعطافات محورية واخذوا مسارات وطرقاً جديدة بداية من عشرينيات القرن الماضي. فعلى الرغم من كون التناول الفلسفي للظاهرة الدينية له تراث طويل راسخ في القدم، إلا أنه عرف ارتكاساً وأفولاً قوياً منذ بدايات العقد الثاني من القرن الماضي حيث تأثر بموجة الانتقادات العاصفة التي حملتها أعمال الوضعيين المناطقة في حلقة فيينا“ وفيما يلي مقابلها الحرفي الذي لم يُشِر إليه السارق لا من قريب ولا من بعيد:
“Regarding these fundamental issues, philosophy of religion and, indeed, philosophy itself have taken new directions in recent times. While philosophical reflection on religious ideas has been occurring for centuries, even millennia, it underwent a momentous setback in the early-to-mid twentieth century through the work of the logical positivists.” [Chad Meister, IntroducingPhilosophyofReligIion, First Published 2009 by Routledge. London and New York.p.8]
ولنقرأ أيضا:
” في دوائر التراث المسيحي الإنجيلي حيث تحمل معاني “الولادة من جديد” أو “الولادة من فوق” وذلك انطلاقاً من قولة المسيح: “الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله” (يوحنا 3:3). والتجربة الدينية الإيحائية عموماً تجربة يجتاز الممارس خلالها محنة انعطاف وتحول حياتي مصيري وحاد. وفي أديان وثقافات أخرى يختبر هذا الصنف من التجربة الدينية كلحظة من لحظات الخلاص والإنعتاق من الشر حيث تعرف حياة المقبل على هذه التجربة تغيراً وتجديداً، وتزدان بمعاني وإشراقات من الحب والسعادة والأمل.“ [الكتاب المزعوم، ص. 52] وهاك مصدر النص:
“In Evangelical Christian circles this is often referred to as being “born again” or being “born from above” (based on the Book of John in the New Testament in which Jesus says “… no one can see the kingdom of God without being born from above.” [John 3:3]). Elsewhere this kind of experience is expressed as “experiencing religion,” “experiencing salvation,” or being “delivered from evil.”5 Through such experiences, individuals often find their lives to be changed, filled with meaning and newness, and full of love, joy, and hope.” [Chad Meister, IntroducingPhilosophyofReligIion, First Published 2009 by Routledge. London and New York.p.171]
ونقرأ له أيضا: ”فبدل وصف الإيمان بأنه اقتراح توافقي (Propositional assent) لبعض العقائد، يعتبره جون هـيك بأنه عنصر تفسيري داخل التجربة الدينية حيث يتم اختبار العالم ليس فقط كمعطى طبيعي فيزيائي أو مجال إيتيقي اجتماعي، بل أيضاً كميدان تجل للديني والمتعالي. في كتابه المذكور لا يروم هـيك البرهنة فقط على وجود الله، بل يذهب أبعد ويحاول وصف أشكال تجل الله للبشر ومعرفتهم به، وأوجه ارتباط هذه المعرفة بأشكال أخرى من المعرفة البشرية. فالفرق، حسب هـيك، بين الإيمان الديني وباقي أشكال المعارف الأخرى ليس فرقاً في النوع والصنف بل هو فرق في مرتبة ودرجة موضوع الإدراك؛ فكما تأتي المعرفة الإيتيقية تابعة للمعرفة الطبيعية، بنفس الشكل تحتل المعرفة الدينية مرتبة بعدية إزاء كل من المعرفة الإيتيقية والمعرفة الطبيعية، بحيث لا تأتي إلا بعدهما. “ [الكتاب المزعوم، ص. 55] وكعادته يدعي نسبة النص لنفسه، (ونحن قد اقتطعنا منه فقرة فقط، وإلا فالنص طويل) في حين هو نص لديفيد كرايمر في بحثه الموسوم ب: [David C. Cramer, « John Hick », Internet Encyclopedia of Philosophy. Last accessed February 18th, 2017.] ولك أيها القارئ الكريم أن تقارن بين المقطعين:
“ Instead of describing faith as propositional assent to certain beliefs, Hick describes faith as the interpretive element in religious experience or “experiencing-as”—experiencing the world as not only natural and ethical but as the sphere of the religious as well.While Faith and Knowledge can be read as an apologetic for Christian faith, Hick’s explicit aims are more modest. Rather than demonstrating that God does in fact exist, Hick’s aim is to describe how God is known to humans, if God does exist, and how such knowledge relates to other forms of human knowledge. According to Hick, the difference between faith and other forms of knowledge is not one of kind but of the level of reality known. Just as ethical knowledge supervenes =on natural knowledge, so too religious knowledge supervenes on both ethical and natural knowledge.”
الثاني: يتمثل في سرقة ترجمة بعض النصوص الشهيرة التي يسوقها على سبيل الاستئناس بها لوضع تعريف أو شرح مسألة، ويقدمها على أنها ترجمته الخاصة لتلك الاقتباسات، ثم يحيل على مصدرها الأصلي. في حين هي ليست ترجمته، وإنما ترجمة غيره يسطو عليها ويتخلص من وساطة صاحبها بكل “شجاعة” ووقاحة. ومن أمثلة ذلك ما يورده في الصفحة 19: ”إن الدين هو كدح من أجل تصور ما لا يمكن تصوره، وقول ما لا يمكن التعبير عنه، إنه توق إلى النهائي“ على أنه من ترجمته، بينما إذا استثنينا لفظة “النهائي” التي نرجح أنه لم ينتبه إليها أثناء النقل، فنقلها على عكس ما هي عليه في الأصل: “اللانهائي”، فإن باقي أحرف هذا المقتطف سرقة لترجمة السواح [أنظر: فراس السواح، مرجع مذكور، ص. 23]. وصاحبنا تخلص من وساطة المترجم وأحال على النص الأصلي [حاشية رقم 3].
ومن أمثلة ذلك أيضا، ما أثبته في الصفحة 22: في سياق التعريف الأنثروبولوجي للدين، حيث نقرأ: ”إن المتطلب الأول في الدراسة المنهجية لأديان الشعوب البدائية هو وضع تعريف بدائي للدين. ذلك أن التوكيد على الإيمان بكائن أعلى من شأنه أن يخرج المعتقدات البدائية من دائرة الدين، لأن مثل هذا الإيمان هو مرحلة متطورة من الحياة الدينية. من هنا، الأفضل أن نضع حداً أدنى لتعريف الأديان يقتصر على الإيمان بالكائنات الروحية.“ وأوهم القارئ بأنه ترجمه عن الأصل الإنجليزي، من خلال الإحالة على كتاب [Edward Taylor, Primitive Culture, p. 424] بينما هي ترجمة فراس السواح أيضا. [أنظر: فراس السواح، المرجع نفسه، ص. 24]
لا يسع المرء إلا أن يشجب هذه الرداءة ويتنكر لعمل خسيس كهذا. والحقيقة أنه لم يخطر لنا ببال أن نقرأ يوما كتابا فيه لصاحبه التوقيع باسمه وفقط، فهذا الإقدام وهذه الوقاحة لا يقدر عليها إلا صاحب جبهة عريضة كل العرض تسع سرقة كتاب برمته عبر تنويع مصادر اللصق، يتحمل فيه أحيانا استبدال كلمة أو حرف “الياء” بدل “التاء” مثلا، أو ملء الفراغ بما يناسب باستبدال اللسانيات بفلسفة الدين … قبل أن يسويه دوكسوغرافيا سرقات مكتملة الأركان يهلل لها، في وقت قادتني قراءة عابرة إلى رد معظم سرقات الكتاب إلى نصوص كانت قد مرت بي، وحينما قارنتها وتتبعت مظانها تبين لي أنه ليس لصاحب الكتاب المزعوم إلا وقاحة نسبة هذه النصوص لنفسه، والعجب كل العجب، كيف أمكن أن يُهلَّلَ في محفل ثقافي لجريمة سرقة نكراء كهذه؟ والسؤال الملح هو: هل طال الثقافة كل هذا الابتذال إلى أن أصبحت معراجَ ترَجِّي أضواء الزيف المكشوف !؟
وتجدر الإشارة إلى أننا اقتصرنا على إيراد بعض النماذج من النصوص المسروقة دون أن نتعرض لاضطراب إلصاق فقرة بفقرة والتمادي في إدخال نصوص أشبه ما تكون بإدخال البيطرة في فلسفة الدين، ناهيك عن تبعات فهمه لبعض القضايا. وإذا تكلف صاحبنا إدخال جملة، تستطيع أن تميزها بين النصوص بما فيها من علل. والعجب كيف ألقى صاحبنا بنفسه في موضوع شائك كفلسفة الدين؟ أم أن الدين بات ميدانا لكل قائل على نحو ما عهدناه في المرافق العامة؟