«فايسبوك» يرسخ نفسه في عالم الفيديو ويدخل المنافسة مع التلفزيون

*حسن يحيى

استطاعت وسائل التواصل الاجتماعي حجز حيّزها الخاص في حياتنا اليومية من خلال دخولها مجالات عدة، كانت حتى فترة قريبة بعيدة عن مبدأ التواصل الاجتماعي.

ولعل شركة «فايسبوك» أبرز مثال عمّا سبق، إذ تحولت هذه الشركة من مجرد موقع تستطيع التواصل فيه مع العائلة والأصدقاء، إلى شركة تملك معظم التطبيقات التي نستعملها في هاتفنا الذكي اليوم.

وقررت الشركة قبل فترة قصيرة الدخول إلى مضمار جديد. إذ أعلن مؤسس الموقع والشركة مارك زوكربرغ أخيراً إطلاق تطبيق جديد لـ «فايسبوك» في غضون بضعة أسابيع، مخصص للتلفزيونات الذكية من بينها تلفزيون «آبل» و «سامسونغ سمارت تي في» و «أمازون فاير تي في». وهو يُمكّن المستخدم من مشاهدة الفيديوات الموجودة على «فايسبوك» على شاشة التلفزيون.

وتأتي هذه الخطوة في إطار خطة متكاملة لتحويل «فايسبوك» إلى منصة ترتكز على الفيديو سبق لزوكربرغ أن تحدّث عنها مطلع الشهر الجاري خلال إعلانه عن أرباح الشركة في الفصل الرابع. وقال آنذاك إنه يريد تحويل الموقع إلى المكان الرئيس الذي يذهب إليه المستخدم إذا أراد مشاهدة الفيديو.

وتتكامل هذه الخطوة مع الخطوات السابقة التي أعلنها «فايسبوك» ضمن خطته لدخول عالم الفيديو، إذ سبق له أن كشف إطلاق منصة خاصة للبث المباشر، بالإضافة إلى إمكان بث الفيديوات باستعمال تقنية 360 درجة ما يعدّ مثالياً لمن يريد أن يعيش تجربة الواقع الافتراضي، إضافة إلى التحديثات والإضافات التي يضيفها «فايسبوك» في شكل دائم إلى نشر الفيديوات ومشاركتها.

ومع دخول «فايسبوك» هذا المضمار بقوة، سيزداد التنافس بين الشركات المتخصصة في بث الفيديو على غرار «يوتيوب» التي تملكها شركة «غوغل».

وينافس «فايسبوك» برصيد كبير أصلاً، إذ يشاهد الأميركيون يومياً فيديوات تصل مدتها إلى قرابة 713 سنة على منصة «فايسبوك» وفق دراسة أعدها مركز «فينتور بيت» الأميركي في العام 2015، مقابل نحو 8000 سنة من الفيديوات على «يوتيوب»، كما استطاعت هذه المنصة تسجيل أكثر من 4 بلايين مشاهدة يومية للفيديو عام 2015.

وعلى رغم هذه الأرقام، فإن «فايسبوك» لا يزال بعيداً عن المنافس الأساسي في هذا المضمار، إذ استطاع «يوتيوب» التفوّق في إنتاج الفيديو والمشاهدة. لكن الموقع الأزرق يخطط لقلب المعادلة بحلول عام 2020، وهو ما يُفسّر الاهتمام الكبير خلال السنوات الأخيرة الماضية بإنتاج الفيديو. وهو يعتمد في ذلك على المال، إذ يدفع مباشرة إلى المشاهير والشركات على غرار «باز فيد» وصحيفة «نيويورك تايمز» لبث الفيديوات الخاصة على موقعه، كما يعدّ استراتيجية تسمح للمستخدم بالحصول على مال وفق نسب مشاهدته الفيديو.

وعلى رغم أن هذه الطريقة سبق لـ «يوتيوب» تنفيذها، فإن ضخامة قاعدة المستخدمين وعدد الفيديوات الموجودة على «يوتيوب» قلّصا المردود المادي للفيديو. وهو الأمر الذي يعمل «فايسبوك» على إغراء المستخدمين به من خلال تعديل الخوارزميات الخاصة به لجعل الفيديوات المنشورة تظهر لعدد أكبر من المستخدمين، ما يعني زيادة نسب المشاهدة بشكل واضح الأمر الذي يعني أيضاً: المزيد من المال للناشر.

وبدأ «فايسبوك» أيضاً السماح بعرض الإعلانات في منتصف الفيديو بهدف زيادة المردود المادي للناشر. ووفق تقرير صادر من موقع «ريكورد» الأميركي، سيسمح الموقع الأزرق للناشرين بإدخال الإعلانات داخل الفيديو الخاص بهم بعد أن يشاهد المستخدم نحو 20 ثانية من الفيديو، وسيمنحهم 55 في المئة من مردود الإعلانات وهي النسبة نفسها التي يمنحها موقع «يوتيوب».

والأكيد أن الموقع الأزرق ليس الوحيد الذي يفكر في الدخول إلى عالم الفيديو، إذ سبق لشركة «تويتر» أيضاً أن دخلت إلى هذا المضمار من خلال استحواذها على تطبيق «بيريسكوب» للبث المباشر، كما تمكنت من الاتفاق مع عدد من المنظمات الرياضية لبث المباريات من خلال هذا التطبيق.

وإضافة إلى «تويتر»، هناك «سنابشات» العدو التقليدي لـ «فايسبوك» الذي يعمل الموقع الأزرق على «تدميره» من خلال استنساخ معظم خصائصه وإدراجها في التطبيقات الخاصة بالموقع الأزرق على غرار «إنستاغرام».

ولكن على رغم هذه المحاولات، فإن أيّاً من هذه الشركات باستثناء «فايسبوك»، لن تشكل تهديداً لعملاق الفيديو «يوتيوب». إذ يعاني «تويتر» منذ فترة صعاباً عدة أبرزها الخسارة الصافية التي حققها في ثلاثة أشهر من العام الماضي والتي وصلت قيمتها إلى 167 مليون دولار، كما أن قاعدة المستخدمين في «سنابشات» لا تمكّنه من المنافسة في هذا المضمار، إذ لا يزيد عدد المستخدمين النشطين في هذا التطبيق على 300 مليون، في حين أن عدد مستخدمي تطبيق «فايسبوك» فقط سيزيد على البليونين بحلول نهاية العام.

ولكن هناك شركة جديدة تلوح في الأفق وتزيد صعوبة مهمة «فايسبوك»، إذ تخطط شركة «أمازون» الأميركية إلى الدخول إلى عالم الفيديو ومنافسة كلّ من «فايسبوك» و «يوتيوب» من خلال إطلاقها «دايركت فيديو» التي تعدّ استنساخاً تاماً لتجربة «يوتيوب» في عالم الفيديو.

وتمكن هذه المنصة الجديدة المستخدم من تحميل مختلف أنواع الفيديو سواء كانت شخصية أو لأهداف تجارية، مع وعود بالحصول على عائدات مالية «سخية». وتتيح المنصة لمحمّل الفيديو الحصول على نسبة من الأرباح تصل إلى 55 في المئة مقابل نسب المشاهدة التي تُنتج بدورها إعلانات. وللإشارة فإن هذه النسبة هي نفسها التي يمنحها «فايسبوك» و «يوتيوب» للمستخدمين. كما يُمكن صاحب المحتوى عرض الفيديو للبيع أو للإيجار مقابل العائد المالي الذي يطلبه من خلال استعمال منصة «أمازون» التي تتيح استئجار الأفلام وشراءها.

واستكمالاً لعملية النسخ، أعلنت شركة «أمازون» إطلاق برنامج «AVD stars» الذي يُمكّن الأشخاص العاديين من الوصول إلى النجومية والمال من خلال تصويت يتم شهرياً على الفيديوات الأكثر مشاهدة. وسيحصل صاحب الفيديو الرابح على جائزة مالية تصل إلى مليون دولار أميركي بالإضافة إلى عائدات مشاهدات الفيديو. وهو ما تقوم به «يوتيوب» أيضاً.

في المحصلة، لا بد من الاعتراف أن العالم يتجه في شكل واضح إلى إنتاج الفيديو بكل تفاصيله، إذ ستصبح هذه الصناعة الأساس في عملية الإنتاج الإعلامي، كما أنها استطاعت أن تتفوق على معظم وســائل النشر الإعلامي الأخرى سواء كانت مطبوعة أو مسموعة أو حتى مرئية. والخاسر الأكبر حتى اليوم من هذه المعادلة هو التلفزيون بنسخاته التقليدية. إذ ستصبح أكلاف البث التي تتكبدها التلفزيونات من غير طائل بعد أن أصبح بالإمكان لأي شخص أنتاج الفيديو ونشره وتحقيق عائد مالي منه.

____
*الحياة

شاهد أيضاً

كيف تعلمت الحواسيب الكتابة: تطور الذكاء الاصطناعي وتأثيره في الأدب

كيف تعلمت الحواسيب الكتابة: تطور الذكاء الاصطناعي وتأثيره في الأدب مولود بن زادي في كتابه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *