خاص- ثقافات
*سعيد المنصوري/ وكالة ضاد للإعلام الثقافي
بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية، أصدر مركز الملك عبدالله لخدمة اللغة العربية بالرياض كتاب (معجم الألفاظ والمصطلحات التربوية في التراث العربي) من تأليف الأستاذ الزبير مهداد.
ذكر المؤلف في مقدمته أن الكتاب خطوة في اتجاه تأصيل المصطلح التربوي، من خلال إحصاء الألفاظ والمصطلحات المتداولة في المجال التربوي التعليمي في التراث العربي الإسلامي، وشرح معناها اللغوي ومدلولها في الاستعمال التربوي التعليمي، وما قيل فيها. ومن خلال عرض المصطلحات وشرحها، يتوخى الكاتب تصنيف العناصر الحضارية من خلال الممارسات العملية للتربية العربية الإسلامية، كما يروم كشف الغطاء عن مكونات تراثنا التربوي العربي الإسلامي وآلياته، وإسهاماته في بناء الحضارة العربية الإسلامية خاصة والإنسانية عامة.
يجد القارئ نفسه من أول وهلة أنه أمام عمل موسوعي، فهو كتاب معجمي تربوي وحضاري. تنوعت مراجعه ما بين الأصول الدينية والدراسات الفقهية وكتب التربية والتاريخ والفلسفة والسير والفهارس والإجازات وغيرها. استنبط الكاتب منها الألفاظ والمصطلحات التي كانت متداولة في الحياة التعليمية والتربوية في العصور الوسطى إلى حدود نهاية القرن التاسع عشر، ثم شرحها وطَعَّمَ الشروح والمواد بنصوص وشواهد مما قيل في موضوع المصطلح، وبالتقاطات تكشف الغطاء عن التراث العربي الإسلامي في التربية.
بعض المصطلحات والألفاظ احتلت مكانة هامة في المعجم لمدلولها التربوي التعليمي والتاريخي، مثل كلمة أدب، وأجر، وتقرير، ودرس، وغيرها، فتم التوسع في تعريفها. بخلاف بعض الألفاظ الأخرى التي تم التعريف بها بإيجاز غير مخل. مثل آتون، وأتابك، وجامكية، وتحمل، وغيرها.
هذه الألفاظ والمصطلحات نبتت وترعرعت في حضن الحضارة العربية، وتم تعهدها وتطويرها عبر قرون من الاستعمال والتداول والتدقيق في رقعة جغرافية مترامية الأطراف تمتد من المحيط إلى الخليج، في ظل تداول عدد من اللغات. فالمصطلحات التراثية هي في الغالب مصطلحات عربية أصيلة، في حين تم نقل بعض الألفاظ من اللغات الأخرى التي تفاعلت معها العربية بقوة كالفارسية والتركية والأمازيغية. ما يدل على حيوية اللغة العربية وانفتاحها على اللغات الأخرى أخذا وعطاء.
يدل المعجم على رحابة الممارسات التربوية، وتنوع التطبيقات التعليمية، ويقف حجة على أن العملية التعليمية في حضارتنا كانت بحق وحقيقة عميقة في فلسفتها، دقيقة في مقاصدها، رفيعة في آدابها، كما تشير الدراسة الموسعة للألفاظ التراثية.
إن مفردات اللغة ثروة ثقافية، خاصة عندما تكون محملة بدلالات إنسانية عميقة متجذرة في التاريخ، تنم عن حضور وازن في تاريخ أمة كبيرة عبر قرون عديدة، هذه المفردات تصبح جزءا من روح الأمة وذاكرتها الحية وهويتها الرصينة، وضمانة لحمايتها من الانقراض والذوبان بتأثير العولمة. قالت الكاتبة لطيفة الكندري في مقال لها بمجلة تراث (عدد167) (لا شك في أن إحياء هذه المفردات اللغوية المنقرضة التي تشبه الحفريات الأثرية كفيل برسم صورة حقيقية لما كانت عليه ريادة الحضارة الإسلامية). والتفريط في تعريف الألفاظ التراثية التربوية هو سحق لهوية الأمة وتراجع وخسارة فلا نماء لأمة لا تعرف كي تحافظ على ذاكرتها ومرجعيتها وذاتها وتتخذها سلما لمجدها وتفردها وتميزها.
يقول الكاتب: إن مسألة المصطلح ليست مجرد بحث عن كلمة بعينها، بل هي مرجعية ثقافية وحضارية، إنها تاريخ ثقافتنا وفكرنا، ولعل هذا الأمر هو الذي فطن له مكتب تنسيق التعريب بالرباط، حيث أقر المشاركون في ندوة توحيد منهجيات وضع المصطلحات العلمية في 20 فبراير شباط 1981 مبدأ “استقراء وإحياء التراث العربي، وخاصة ما استعمل منه، أو ما استقر منه من مصطلحات علمية عربية صالحة للاستعمال الحديث، وما ورد فيه من ألفاظ معربة”، حرصا منهم على ألا ينقطع تواصل اللغة العربية.
مرتبط