نكات للمسلحين بين القصصية والواقع

*خلود شرف

لأول مرة التقيت بالشاعر والقاص مازن معروف كان ذلك بشهر نيسان في بيروت، مع ثلة من الأصدقاء، صدمني أن ذاكرتي الضعيفة بالأسماء لم تتذكره حيث كنت أحفظ أشعاره ولا أعرف أنها له، بعنوان “افتراض مناخي” يتخيل بها أطفال يفرقعون أصابعهم واحدا تلو الآخر فيظهر صوت المطر، بت كلما سمعت صوت المطر افرقع أصابعي، مازن من الشخصيات شديدة الإصغاء، وإذا تحدث انتقى النقطة المناسبة ليقف الكون على محور وجوده ويتحدث.
مازن لا يخرج بوجهه الطفولي من دائرة كونه هذا الطفل المشاكس العابث بسوريالية مفاجئة بمجموعته القصصية نكات للمسلحين، أربعة عشر قصة قصيرة تتراوح بين الطول والقصر، نصوص صادمة تجعل القارئ مشدوه، يمسك أفكاره بيده يقضمها كحبات القضامة ويسمع صوت العظم برأسه يطقطق، وأحيانا يجعلك تمسك فوهة الجملة وتسددها إلى تركيزك الذي لا ينقطع بلحظةعن مهنية سردية عالية لكنها لا تشبه سوى أسلوبه الذي تفرد به حتى بالشعر.

المجموعة القصصية الصادرة عن دار رياض الريس للكتب والنشر فرع الكوكب 2015 بغلاف أنيق عليه لوحة للفنان ياسر صافي شخوص باللونين الأسود والرمادي، تهتم بتفاصيل اليوم، تماما كتفاصيل السرد التي يلعب عليها القاص،تفاصيل دقيقة تسحب القارئ الى أنها حقيقة مرت منذ لحظات معه، او بجيل من أجياله السابقة ،او بلحظة موت عابرة ، فنحن محكومون بحرب مشابهة للذاكرة الجمعية للمنطقة، حتى تظن إن معروف الفلسطيني يتحدث عن قصف حدث منذ قليل بشارع من شوارع سورية ، فيقلب الطفل عينيه ودميته التي حشتها أمه بأقراص الجبنة كي لا يجوع هو وأخته، فيقلب الزمن والكرسي ويراقب بقرة يقشعر جسد القارئ كيف أتت الى مكان لا يكل القصف ولا يمل به، لكن الغريب بالموضوع ثمة روح تمرد تظهر بقلب الطفل تجاه هذا الكائن الضعيف
أعني البقرة لمجرد أن صاحبها مسلح.

تناقضات وتساؤلات تقضم أظافرك وأنت تقرأ، ولا تستطيع الخروج من النص الواحد سوى بعد بضعة أيام بطعم فلفل من نبتة غرسها في الفصل الأول من قصة قصيرة انتقى عنوان المجموعة منها.  وبعين زجاجية، تلاحقك بتفاصيل فيها شيء من الخبث الطفولي والتفكير الذي يصعق العقل وليس لها مبررات سوى طفل حرب وفصام، يحاول أن يكون بطل.
لا أعلم إن عاش مازن الحرب بأرض الواقع، لكن ما خطه بأرض القصص، هو ما نعيشه نحن الآن بواقع الحرب التي لا يستوعبها سوى من يعيش بها، وبات فصاميا.

تشم رائحة رصاصة تستقر بالهيكل العظمي للحياة بكل لحظة وانت تقرأ لمازن، وربما تخفي وجهك بيديك وأنت تنتظر بثقل العتمة طريق خلاصك البطيء من اللحظة كسلحفاة، ثم فجأة ينقلك إلى المشهد الأخير، وتكون بأغلب الأحيان لم تتوقع سوى جزء ضئيل من النهاية وربما لا تتوقع أي جزء، رغم فراستك بالتقاط المربى الذي خبأه القاص بالضوء، وداعب العتمة بمخيلة طريفة، إلا أنك تكتشف أن معروف أكثر براعة من خيالنا،وتوقعاتنا وهذا ما يميزه بهذي المجموعة بأنه متفرد.

وما إن يطرق صوت منبه طوال قصة قصيرة تأخذك بين الحقيقة والحلم، يختتمها بسؤال مصيري، لطالما يراودنا، ما الفائدة؟.

قصص قصيرة بمشاهد حركية تخرجها فورا من رأسك لتصير فيلما قصير، تسرع لمشاهدته وأنت على يقين أنه حائز على جائزة، وأنك الشخصية الأساسية بكل الشخصيات، لا أعلم لما تمسنا كل الشخصيات، وهذا مفتاح آخر يجعل لا مناص لك من الخروج من القصة، إلا وأنت تستغيث لمازن أرجوك افتح الكتاب.
_____
*ملحق أوراق دار المدى

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *