صدر للأكاديمي المغربي الدكتور طه عبد الرحمن كتاب جديد ضمن مشروعه الفكري الكبير، وهو “دين الحياء – من الفقه الائتماري إلى الفقه الائتماني”، وجاء الكتاب متضمنًا لكتب ثلاثة، يمثل كل واحد منها جزءًا من هذا المشروع.
ويجتهد عبد الرحمن في إبراز الجانب الفكري من النظر الإسلامي، المُكمّل لجانبه العلمي، الذي ينهض به الفقه. كما يجتهد المؤلف في استخراج المفاهيم والأصول التي يقوم عليها هذا النظر الإسلامي، بما يمكنه من رفع التحديات التي تواجه الإنسان المعاصر.
ويؤكد عبد الرحمن في هذا الكتاب أن التطور الهائل الذي حدث في وسائط الإعلام والتواصل على مستوى عالمي واسع، كان له بالغ الأثر في نشوء ظاهرة “حب الصورة”، مشيرًا إلى أن الحضارة المعاصرة نقلت الإنسان المعاصر من وضعية الناظر،إلى وضعية المتفرج، و”التفرّج” عبارة عن علاقة للنظر بالصورة أو الشاشة بشكل غير مسبوق.
ويتناول المؤلف ظاهرة “التفرّج”، التي ارتبطت بالتقنيات الهائلة في وسائل الإعلام، حيث هيمنت الصورة على العالم، فيحدد الخصائص التي تميزت بها علاقة الإنسان المعاصر بالشاشة، وأسلوب الفقيه الإئتماري، والفقيه الإئتماني في التصدي لهذه الظاهرة وسلبياتها على الإنسان المعاصر.
وثمة آفة أخرى من آفات الحياة المعاصرة، وهي ظاهرة “التجسس” يتناولها عبد الرحمن، مؤكدا أنها آفة نفسية تصيب الناظر المعاصر الذي يستخبر عن الأشياء المصورة مستمتعًا بهذا الاستخبار، سواء كان نظره إليها نظرًا مباشرًا أو غير مباشر.
و”ظاهرة التجسس”كما يصفها المؤلف هي إحدى التحديات الأخلاقية الفاحشة التي تواجه الإنسان المعاصر،وهي تتميز بخصائص خمس هي:”الغلو في المراقبة”،”النفوذ إلى الباطن”،”النفوذ إلى الحياة الخاصة”،”طلب الإحاطة بكل شيء”،”الرغبة في التحكم بكل شيء”.
ويستعرض العلامة المغربي الطريق الذي يسلكه كل من الفقيه الإئتماري والفقيه الإئتماني، في مواجهة ظاهرة التجسس، مستخلصًا أن “الأسلوب الذي يسلكه الفقه الائتماني أسلوب اشتغالي، وجداني، يقيم علاقة مباشرة بالمتجسس، ويقتضي هذا الطريق أن يجاوز الفقيه ملاحظة سلوك المتجسس الخارجي إلى معالجته من الآفات النفسية التي تتسبب في انحراف هذا السلوك”.