الكرامة الإنسانية

خاص- ثقافات

 

*عزالدين الشدادي

 

بُنيت مبادئ حقوق الإنسان على أساس مبدأ جوهري ورئيسي ومحوري هو إيمانويل كانت أو ما يسمى بالكرامة الإنسانية ، ويهدف هذا المبدأ إلى جعل الإنسان سيد نفسه كجوهر وغاية بعيدا عن كل تشييئ أو انتهاك أو تحويل مقصود إلى شيء له منفعة وقيمة مبتذلة  ، وقد بحث في هذه المسألة العديد من الباحثين في مجالات المعرفة المتعددة ، وكذا الفلاسفة وعلى رأسهم الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت ( 1724/1804) وذلك من خلال محطات شتى من فكره ودراساته في الأخلاق والمعرفة ، ومن أبرز ملامح هذا الاهتمام نظرته إلى الشخص كغاية في ذاته في أقواله وأفعاله سواء تجاه ذاته أو تجاه باقي الكائنات ، وفي كتابه ” تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق ” يضعنا أمام ذلك التمييز بين الإنسان وباقي الأشياء التي يمكننا تملكها وتكييفها مع ميولاتنا ورغباتنا وحاجاتنا ، الأمر الذي يختلف عندما يتعلق الأمر بالموجودات العاقلة التي تسمى أشخاصا لأن طبيعتها منذ البداية تدفعنا  إلى معاملتها كغايات .  

 

إن لفظة كرامة “Dignité  تطلق بشكل خاص على قيمة الإنسان من حيث هو كائن عاقل ومفكر ، وكذا من خلال موقعه داخل الموجودات وقدرته على وضع تصور خاص بوجوده الذاتي ( أي تصوره لأناه ) ، ونجد في معجم صليبا الفلسفي أن لفظة كرامة تتعدد من حيث الدلالة ، فهي لغويا تشير إلى العزازة ، نقول له كرامة وعزازة ، وفي اصطلاح المحدثين هي اتصاف الإنسان بما يليق به من الفضائل التي تجعله أهلا للاحترام .

 

وقد بني مذهب كانت الأخلاقي انطلاقا من هذا المبدأ على أساس أن غاية الإرادة الانسانية هي احترام الإنسان من حيث هو إنسان ، احترامه كموجود عاقل ، لا كوسيلة أو أداة يمكن لأي إرادة تملكها ، وموقف كهذا جعل كانت يلقب بفيلسوف ‘ الكرامة الإنسانية ‘ ، وأمر كذلك جعل إريك فايل يقول واصفا إياه ” كاتب عظيم أي كاتب أثر فكره على الحاضر “

لكن بأي شكل نستحضر هذا التصور للكرامة الإنسانية اليوم ؟

إن مجتمعاتنا للأسف ( العالم العربي /شمال إفريقيا ) آخر ما تفكر فيه هو قيمة هذا الموجود العاقل وكرامته ، فهو مواطن في قوانينها ودساتيرها ، لكنه مُهان ومَذلول في واقعها ، مَهضوم الحُقوق ، ومَقهور القدرة والإرادة ، مهدورة كرامته ، مسلوبة حريته ، وكلما حاول الخروج عن هذه النواميس يتم معاقبته ، إنه محاصر بشتى القوانين التي تعمل كل ما بوسعها لإذلاله ، واحتقاره وإشعاره بدونيته ، وأمر كهذا يجعل واقع التنمية بهذه المجتمعات واقعا مأزوما ، إنه مواطن على بياض واسم مواطن مكتوب بقلم رصاص يمكن في أي لحظة تغييره باسم آخر قابل للصرف والتحويل ، فهو يعبر عن إرادته شكلا وتنفذ قرارات غيره مضمونا ، إلى درجة فقد فيها إيمانه بوجوده العيني الملموس.

 

إن استحضارنا لتصور كانت للكرامة الإنسانية لهو دعوة لاحترام الموجودات العاقلة التي في احترامها احترام لكل المخلوقات ، ومعاملتها كجوهر خالص بتعامل منطقي ومقبول يراعي حقوقها ككائنات وأشياء مفكرة تعي وجودها وتتصوره بشكل معين بناءً على أفكارها الفطرية وتجاربها الحسية ، وبالتالي جعلها غايات تحمل معاني الانسانية في أبهى تجلياتها .

 

______

 

 

*باحث من المغرب

 

 

 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *