“كونتاجيون” … لا شيء ينتشر بسرعة كالخوف

خاص- ثقافات


مهند النابلسي*

يتحدث هذا الفيلم الفريد عن تكهنات  مخيفة افتراضية لكيفية انبثاق فيروس جديد قاتل، يمكن أن يخترق الجنس البشري بواسطة الهواء، وينتشر بلا هوادة خلال فترات قصيرة جدا في أنحاء المعمورة؛ إنها شاشة سوداء مع صوت سعال قاسٍ أجش، نترقب الأمر، ثم نرى نادلا يتناول عملة معدنية من زبون ويضعها  في الآلة الرقمية..إنها الجراثيم والفيروسات على الأغلب: هكذا يستهل فيلم “العدوى” بطريقة إخراج سردية-واقعية (تتماثل لحد ما مع الأسلوب الشبه–وثائقي)، حيث يتحدث هذا الشريط  عن انتشار وباء عالمي بطريقة مثيرة ومرعبة وشيقة، بالرغم من كون مثل هذا السيناريو مألوف لدينا  من تجاربنا السنوية مع الانفلونزا الشتوية المعدية والمزعجة، كما عانت الإنسانية (وما زالت) خلال العقد الماضي من القلق المصاحب لانتشار حالات أمراض “انفلونزا الخنازير” ثم الايبولا بافريقيا وزيكا بأمريكا اللاتينية مؤخرا، وأصبح الخوف من انتشار هذه الأمراض المعدية “المرعبة” وانتقالها بين القارات كابوسا إنسانيا…

22

القصة تبدو واحدة في معظم الحالات، حيث تظهر أولا حالات العدوى ثم خرائط الانتشار والتحذير، ثم نشاهد لقطات لاهثة توضح لنا الجهود الحثيثة لإنتاج مصل فعال لمواجهة العدوى العدوى الفيروسية الخطيرة (في مركزمراقبة الأوبئة في أتلانتا).

11

المخرج سودربيرغ (صاحب تحف سينمائية مثل ترافيك وسولاريس وسايدايفكتس وغيرها) يوضح لنا بأن جميع الفيروسات تنشأ أولا في مكان ما، وفي عصر الاتصالات والقرية العالمية والسفر الجوي السريع فانها يمكن  أن تصل ببساطة فجأة إلى قارة جديدة في يوم واحد لا أكثر…وهو ينهج بنمط إخراجه نفس البروتوكولات السينمائية الشيقة ذاتها: اليوم الأول— الثاني — الثالث وهكذا… ثم ينتقل للعواصم والمدن العالمية الكبرى: هونغ كونغ، شيكاجو، مينابولس، جنيف، حيث نتابع اللاعبين الرئيسيين مثل الدكتور اليس شيفر (لورنس فيشبورن) من مركز السيطرة على الأمراض في أتلانتا، والدكتور ايرين ميرز (كيت وينسلت) في قسم مخابرات الأوبئة، التي تحاول بدورها تتبع كيفية انتشار المرض من بقعة الانتشار الأولى، ثم الدكتور ليونورا اورانتيس (ماريون كوثيار) التي تعمل كمحققة في منظمة الصحة العالمية في جنيف، والثلاثة يعملون معا في تحالف طبي مع الدكتور جنيفر هيكسكول، كما أنهم يتسابقون متسلحين بالصبر والمثابرة لتحضير مصل (مطعوم) فعال لمواجهة العدوى القاتلة…
66

هكذا يركب سودربيرغ قصته الدرامية الشيقة، ويلاحق بلا هوادة الفيروسات اللعينة، وكأنه يكمل طرح “ريتشارد دوكينز” حول الجينة الأنانية العنيدة، وهو ينحى بأسلوبه السينمائي نهجا علميا جديا، متجنبا الحديث عن منافع الفيروسات وعشوائية بعض اللقاحات وعبثية بعضها…ولكنه بالحق ينجح تماما بإرباكنا عندما يشير بمجاز ودهاء لنظريات المؤامرة والخبث والدهاء السياسي (لاحظ في الهامش الفقرة الخاصة بكيفية تفشي فيروس السارس)، وكذلك علاقات الحكومات العالمية المتنفذة مع شركات الأدوية العالمية الكبرى، تلك التي تشجع بسرية وخبث انتشار الفيروسات، لتجني الأرباح الطائلة من وراء إنتاج “المطاعيم” (الأمصال) الملائمة…أجل يفضل أن نكون مستعدين لتقبل كل النظريات إذا ثبت أنها ممكنة ومطبقة في بلد أومكان ما…ثم “نعم”، يجب أن نغسل أيادينا في معظم الأحيان (وخاصة مع قرب الشتاء واحتمالية انتشار الانفلونزا)، كما يفضل استخدام المحاليل المطهرة المنتشرة حاليا بكثرة في المنازل والمؤسسات والمستشفيات، كما يجب أن نكون حذرين من كثرة مصافحة الغرباء، بالرغم من أنهم ليسوا اكثر عرضة منا لنقل الفيروسات المتنوعة، نعم، فنحن كبشر لا نملك بالتأكيد حصانة كبيرة أمام انواع جديدة من الفيروسات الخبيثة، التي قد تنجح بالإطاحة بانظمتنا الصحية الوقائية بسرعة غير متوقعة، وقد تكون سببا لامتلاء مستشفياتنا بالمرضى وبارتفاع حالات الوفاة السريعة…أجل فذلك كله يتماثل ربما مع حالات غزو فضائي كارثي مفاجىء وجامح، ولكنه سيأتي بشكل “غيرمتوقع” من داخل بيئتنا الأرضية في هذه الحالة، وينجح سودربرغ بتحذيرنا وربما بتخويفنا عن قصد!

يلعب الأدوار الرئيسية بهذا الفيلم مجموعة من الممثلين المشهورين منهم “مات ديمون وجودي لو وغينيث بالترو وأليوت جولد”، وقد ساعدت “الكيمياء- الوظيفية” التفاعلية بينهم بتحقيق فيلم “روائي-وثائقي” لافت.

33

أما السؤال الجدلي الصعب هنا، فيتعلق بأهمية حذرنا “القهري” من كافة حالات الاتصال البشري”الآمن والغير آمن”، وكيف يمكن تفسير تعايش سكان الدول البائسة “المكتظة بالسكان”، والتي تعاني من انعدام وقلة المرافق الصحية الضرورية، وكيف يتعايشون يوميا مع شتى حالات العدوى “البكتيرية والفيروسية” الناتجة عن انعدام وقلة النظافة العامة  والبيئية والشخصية؟  فهل تلعب المناعة الطبيعية دورا هنا؟ وهل هناك فرق بين مناعة الأغنياء ومناعة الفقراء؟ أسئلة لم ينجح المخرج بالتطرق لها او ربما تحتاج لفيلم عصري جديد “مثير للجدل”!

________
*ناقد سينمائي

شاهد أيضاً

العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية

(ثقافات) “طربوش أبو عزمي العلي”:   العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية زياد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *