خاص- ثقافات
صدر حديثاً عن منشورات المتوسط ـ إيطاليا، الكتاب الأكثر إثارة للجدل في السنوات الأخيرة، ولمؤلف لا يقل عن كتابه إثارة للجدل، وهو كتاب ” المينوتور العالمي – أمريكا وأوروبا ومستقبل الاقتصاد العالمي” لوزير المالية اليوناني السابق ” يانيس فاروفاكيس“. من ترجمة عماد الأحمد.
في هذا الكتاب الذي قال عنه تيري إيغلتون “«يعد هذا الكتاب واحداً من الكتب النادرة للغاية التي يمكن أن يقول عنها المرء إنها كتب ملحة جاءت في الوقت المناسب وفي مرحلة الضرورة القصوى». فإن يانيس فاروفاكيس ينسف (في هذا الكتاب) الرائع والمثير تلك الأسطورة القائلة بأن السياسات التمويلية financialisation، والتنظيم غير الفعال للبنوك، والجشع والعولمة كانت تمثل الأسباب الجذرية للأزمة الاقتصادية العالمية. ويرى بدلاً من ذلك أنها عبارة عن أعراض لمرض أعمق بكثير يمكننا تتبع مساره منذ الكساد العظيم في عام 1929، حتى سبعينيات القرن العشرين: العقد الذي ولد فيه «المينوتور العالمي».
وكما تمتع الأثينيون بالتدفق المستمر للقرابين المقدمة إلى الوحش الكريتي، بدأت «بقية العالم» بإرسال كميات لا تصدق من رأس المال إلى الولايات المتحدة الأمريكية وإلى وول ستريت. وهكذا أصبح المينوتور العالمي عبارة عن «القاطرة» التي سحبت الاقتصاد العالمي من بدايات عقد الثمانينيات حتى عام 2008.
تمثل كل من الأزمة الحالية في أوروبا، والمناقشات الساخنة حول إجراءات التقشف مقابل المزيد من الحوافز المالية في الولايات المتحدة، والصدام بين السلطات الصينية والإدارة الأمريكية حول أسعار الصرف أعراضاً حتمية لضعف المينوتور، «وللنظام» العالمي الذي أصبح اليوم غير قابل للاستدامة ومفتقر للتوازن. يذهب فاروفاكيس أبعد من ذلك ليحدد الخيارات المتاحة أمامنا لتطبيق قدر من المنطق في نظام اقتصادي عالمي يفتقر تماماً إلى العقلانية.
يمثل الكتاب تفسيراً جوهرياً للأحداث الاجتماعية والاقتصادية والتواريخ الخفية التي شكلت عالمنا كما نعرفه اليوم.
قالوا عن الكتاب:
«يانيس واحد من أفضل وألمع الاقتصاديين وأكثرهم ابتكاراً على هذا الكوكب»
ستيف كين، مؤلف كتاب «فضح زيف الاقتصاد»
«يتتبع يانيس فاروفاكيس في دليله الأكثر شمولية للأزمة الاقتصادية المعاصرة ذلك المسار الذي بدأ من التفوق الاقتصادي الأمريكي لفترة ما بعد الحرب حتى المأزق الحالي الذي نعيشه. تقوم الأطروحة المثيرة لهذا الكتاب والتي تم عرضها في سرد حيوي ومتقد، على أنه لا الولايات المتحدة، ولا الاتحاد الأوروبي، ولا أي دولة أخرى، قادرون بعد اليوم على استعادة النمو العالمي المتين. وسواء اتفقت أو اختلفت مع هذه الفكرة، فسيجعلك السرد الباهر والأخاذ لهذا الكتاب تنخرط من كل قلبك وعقلك في قراءته، وسيحبس أنفاسك حتى آخر كلمة فيه. يمكن القول إن كتاب المينوتور العالمي يمثل التحفة التي تسجل للزمن كل تحديات عصرنا هذا».
البروفيسور غاري دايمسكي، جامعة كاليفورنيا
عن المؤلف:
يانيس فاروفاكيس: ولد في 24 مارس عام 1961، أستاذ الاقتصاد في جامعة أثينا، والأستاذ الزائر في جامعة تكساس، والمستشار الاقتصادي في شركة “Valve Corporation”. أكمل تعليمه الثانوي في اليونان قبل أن ينتقل إلى إنجلترا؛ حيث درّس الرياضيات والاقتصاد في جامعتي إسكس وبرمنغهام. درّس فاروفاكيس في العديد من الجامعات البريطانية (إسكس، إيست انجليا، كيمبريدج، غلاسكو)، وقضى اثني عشر عاماً في التدريس في جامعة سيدني، في أستراليا.
في 27 يناير عام 2015، أصبح وزيرا لمالية اليونان في حكومة ألكسس تسيبراس. لكنه سرعان ما استقال من منصبه الوزاري (في 6 يوليو 2015)، أي بعد يوم واحد من استفتاء اليونان على التقشف.
برز فاروفاكيس في الآونة الأخيرة كمشارك فعّال ونشيط في المناقشات حول الأزمات العالمية والأوروبية واليونانية، وكشريك مؤسّس للموقع الإلكتروني: vitalspace.
من المقدمة:
يسعى هذا الكتاب أصلاً إلى إيجاد استعارة مفيدة لتفسير عالم مضطرب، عالم لم يعد بالإمكان فهمه بدقة بواسطة النماذج التي هيمنت على تفكيرنا قبل الأزمة المالية العالمية لعام 2008. ويهدف للتواصل مع القارئ غير المتخصّص الذي يمكنه من خلال استعارتي البسيطة والبعيدة عن التبسيط والسطحية أيضاً التعرّف على المأساة العالمية المعقّدة للغاية. لم تأت هذه الفكرة لإلغاء جميع التفسيرات الأخرى، بل لتقوم بدلاً من ذلك بتوفير منصّة، تجمع بين العديد من التفسيرات المختلفة، التي تُعدّ جميعها صالحة وفقاً لمنطقها الخاص، للوصول إلى تحليل شامل “للترتيبات” العالمية التي تحطّمت وتلاشت في عام 2008، تاركة عالمنا في حالة من خيبة الأمل والذهول.
استلهمت استعارة المينوتور العالمي في عام 2002، بعد محادثات طويلة للغاية مع الزميل والصديق والمؤلّف المشارك جوزيف هاليفي. كانت نتيجة مناقشاتنا بشأن الشيء الذي جعل العالم مديوناً بعد الأزمات الاقتصادية في السبعينيات، وجهة نظر متماسكة، على الرغم من تعقيدها النظام الاقتصادي العالمي الذي لعب في كلّ من العجز الأميركي، ووول ستريت، وتراجع القيمة الحقيقية باستمرار للأجور الأمريكية، دوراً مميّزاً ومهيمناً أيضاً؛ لتكتمل المفارقة.
كان جوهر حجّتنا يقوم على أن السمة المميّزة لحقبة ما بعد عام 1971 كانت في عكس اتجاه تدفّق التجارة وفوائض رؤوس الأموال بين الولايات المتحدة وبقية العالم. عزّزت البلد المهيمن، ولأول مرّة في العالم التاريخ، من هيمنته من خلال توسيع عجزها وزيادته عمداً. كانت الخدعة تقوم على فَهْم كيفية إنجاز أمريكا لهذا، والطريقة المأساوية التي أدّى نجاحها للسياسات التمويلية financialization التي عزّزت هيمنة الولايات المتحدة، وقامت في الوقت نفسه بزرع بذور سقوطها المحتمل. وكان جزء من الخدعة نشر سردية المينوتور العالمي، والتي وُلدت كمحاولة لتبسيط تعقيد هذه الحجّة. (انظر مقالتنا المشتركة “المينوتور العالمي”، مجلّة مونثلي ريفيو 55، يوليو-أغسطس 2003، ص. 56-74).
وعندما انفجر النظام المالي بعد خمس سنوات، في عام 2008، حرّضتني داناي ستراتو، شريكتي في كل شيء، على كتابة هذا الكتاب اعتماداً على قدرة الاستعارة الرئيسة على إيصال قصّتي المعقّدة لعدد كبير من القرّاء العاديين. كانت تعتقد بقدرتي على القيام بذلك، ما أعطاني الفكرة والزخم لمحاولة القيام به.
بدأتُ كتابة هذا الكتاب في بيتنا في أثينا، بينما كانت الغيوم الداكنة التي تحوم حول بلادنا لا تزال رقيقة، ومعظم أصدقائنا وأسرتنا لا يصدّقون بأن اليونان كانت على وشك الوقوع في الفوضى المحتومة.
مقابل هذه الخلفية من مقاومة التطيّر، وفي أثناء كتابة المسوّدة الأولى للكتاب، بدأت سمعتي تسوء بدرجة ما في ووسائل الإعلام اليونانية والدولية كشخص يتوقّع الكارثة، ولا يؤمن أنه لا مفرّ من إفلاس اليونان وحسب، بل يعدّ ذلك مقدمة لتفكّك منطقة اليورو أيضاً. عندها – فقط – لاحظتُ السخرية في استخدام استعارة يونانية (استعارة المينوتور المينوسي) لتفسير الكارثة العالمية التي سيتعرّض اليونان للضربة الأسوأ فيها؛ ليكون أكثر الضحايا تضرّراً.
ومع ذلك، وبينما كنتُ منغمساً في كتاباتي، رفضت إعطاء اليونان دوراً بارزاً فيه. برز الانقسام على الفور في روتيني اليومي: بينما كنتُ أقضي الساعات المتتالية في استوديوهات الإذاعة والتلفزيون في مناقشة التدهور المستمر في اليونان، كنتُ أعود إلى مسودة كتابي المينوتور عازماً أكثر من ذي قبل على عدم إقحام اليونان في صفحاته؛ لأنه إذا كان تشخيصي عن مصيبة اليونان صحيحاً (أي أنه ليس هناك شيء اسمه الأزمة اليونانية، بل تعدّ اليونان من أعراض التحوّل الأوسع في تاريخ الاقتصاد العالمي) فلا بد لكتابي أن يعكس هذا. وهكذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية، ولا تزال في هذه الطبعة المحدثة، النقطة المحورية في التحليل.
على مستوى التنمية الفكرية والتحليلية، كانت مشاركتي مع رقمة أكبر من أزمة اليورو التي منحتني فرصة لاختبار المينوتور العالمي؛ للتمكن من إيجاد تفسيرات مفيدة لظروفنا في فترة ما بعد عام 2008، وللتحفيز على إيجاد اقتراحات سياسية.
في الواقع، بينما كنتُ أعمل على الطبعة الأولى من هذا الكتاب، صرفتُ الكثير من الطاقة – أيضاً – على كتابة وتنقيح حملتنا “اقتراح متواضع لحلّ أزمة اليورو” إلى جانب سيتورات هولاند.
كانت الحملة التي أطلقتُها مع ستيوارت في جميع أنحاء أوروبا للترويج “لاقتراحنا المتواضع” (ولقد أوصلنا الحملة إلى أمريكا الشمالية حتىوحتّى أستراليا) تجربة مذهلة، ومصدراً للتبصر العميق، واختباراً للفرضيات الفرعية للكتاب.
وكما هو الحال مع الاستعارات القوية دائماً، كان الخطر المحتمل أن يتسلسل تأثير القوّة المجازية للمينوتور العالمي خفية إلى كلّ من تحليلي وتنبّؤاتي. وخصوصاً حين الانتهاء من الكتاب (قرابة يناير 2011)، في النقطة التي شعرتُ حينها أنني مضطرّ للتصريح بتوقّعاتي لمستقبل الاقتصاد العالمي، تزايد القلق من أن تكون استنتاجاتي قد خُطفت؛ لتقع تحت التأثير الذي لا يُقاوَم للبقاء وفياً للاستعارة التي اخترتُها. هل سمحتُ لنفسي بالركون لذلك الشعور الزائف بالأمان التحليلي في الحضن المريح للقصّة الرمزية التي وضعتهُا؟
عزّزت حقيقة أن الأزمة كانت تتحوّل وتغيّر ألوانها بوتيرة مخيفة من قلقي، وجعلتني أشعر أنني معرّض بقوّة لتقلّبات التاريخ العنيف لجيلنا. استقرّت أعصابي استقراراً كبيراً في الأشهر التي مرت بين فترة الانتهاء من المسودة النهائية وإمساكي النسخة المنشورة بيدي: بدا أن العالم لم يقم بشيء لا يتوافق مع الاستعارة التي استخدمها الكتاب. أشار الاستقبال الحار للكتاب في مناطق مختلفة من العالم في حقيقة الأمر أنني قد وقعتُ على منجم غني. ومع ذلك، عندما اقترح ناشري بعد عام أن أعيد النظر في النص لنشر طبعة حديثة، قمتُ باستغلال الفرصة، لإجراء بحوث جديدة، لنفسي بالدرجة الأولى، بهدف اكتشاف إذا ما صمدت الفرضية التي وضعتُها “فرضية المينوتور العالمي” أمام اختبار الزمن على نطاق عالمي. وكانت النتيجة ذلك الفصل الجديد كلّيّاً (الفصل 9)، والذي يبدأ بذكر الحقائق التي دحضت سرديّتي، قبل دراسة الوقائع الفعلية الكامنة في الإحصاءات المنشورة رسمياً. بات من الآمن اليوم – لحسن الحظّ – أن أعلن أن “فرضية المينوتور العالمي” اجتازت الاختبار التجريبي بنجاح.
وأخيراً، على الصعيد الشخصي، تمّ الانتهاء من الطبعة الجديدة في الولايات المتحدة؛ حيث أعيش مع داناي اليوم. ومن هنا، من هذا المكان، محاصراً بذلك الشعور بالذنب، وأنا أراقب الخراب الحاصل في بلادي، وأعطي بين الحين والآخر مقابلة سريعة لمختلف الشبكات التي تسألني السؤال نفسه مراراً وتكراراً: ما الذي ينبغي القيام به؛ لكي تخلص اليونان نفسها من الكساد الكبير الذي تعانيه؟ كيف ينبغي أن تستجيب إسبانيا، أو إيطاليا للمطالب التي يخبرنا المنطق أنها ستجعل الأمور أكثر سوءاً؟ الجواب الذي أردّده – دائماً – برتابة متزايدة أنه لا يمكن لفخر بلداننا القيام بشيء آخر سوى أن تقول “لا!” للسياسات التافهة التي تهدف إلى تعميق الكساد لأسباب ملفّقة، لا يمكن سوى لدراسة معمّقة لإرث المينوتور العالمي أن تكشفها.