السِّيَاقُ التَّارِيْخِيُّ لِكِتَابَةِ السِّيْرَةِ النَّبَوِيَّةِ

خاص- ثقافات

*الدكتور بليغ حمدي إسماعيل

بين الخصومة والكراهية والحقد الدفين ومشاعر أخرى سوداء، وبين محبة وشوق وحنين وإخلاص  وشعور بالعظمة وإحساس بعبقرية الشخصية استقرت دوافع الاهتمام عن سيرة الرسول الأكرمr حسبما أننا من المشتاقين إليه محبة وشوقاً وغراماً وشفاعة.
ولا أدري ما فائدة عمل خصوم الإسلام عموماً ، والرسول الأكرم  r واتهاماتهم الزائفة القذرة إلى رسول رب العالمين. ولقد طالعت ما كتبه محررو دائرة المعارف الفرنسية  لاروس LaRousse عن أشرف الخلق أجمعين بقولهم المغلوط :  ” بقي محمد مع ذلك ساحراً ممعناً في فساد الخلق لص نياق، كردينالاً، لم ينجح في الوصول إلى كرسي البابوية فاخترع دينا جديداً لينتقم من زملائه”.
وسأترك للقارئ سهولة تأويل ما قرأه، وكأن محمداً r طالب في مدرسة يغار من زملائه فأراد الانتقام منهم، منتهى السفه، ويكفينا شرف ومنعة أننا وإخواننا من الباحثين الجادين لا ولن نهتم بالرد على مثل هذه الأمور التي يريد الغرب وأعداء الإسلام والحاقدون عليه أن يجرونا إلى هاوية الجدل والعبث الفكري واللغط التاريخي بالرد والمناظرة واستخدام آليات حوار فاشلة سلفاً، لقد اخترتنا لأنفسنا دوراً نراه عظيماً  وحسبنا، وهو أننا لا نكتب إلا للقارئ العربي، وعن سيرة المعصوم محمد r ومن أراد أن يعرف سيرته فعليه بمعرفة لغتنا وقبول منطقنا، ومن هنا نبدأ.
فلقد قدمنا الكثير من التنازلات الفكرية والتاريخية للغرب بدعوى حوار الحضارات، وحوار الثقافات، ودعوى الحريات ومزاعم تعرف الغرب،ومالنا وهذا، من يرد أن يعرفنا فليقبل هويتنا الفكرية وآلياتها، والمناحي المميزة لمنطلقاتنا الفكرية.ولقد أشرت إلى هذا في مقالي بجريدة اليوم السابع القاهرية  في أغسطس 2009 م “ما لا يعرفه أوباما عن الإسلام“.  ومن الدوافع التي تدفع كثير من الباحثين إلى كتابة السيرة النبوية أن هذه السيرة وهذه الحياة مثالية في كل جوانبها على الإطلاق، ففيها القدوة الحسنة ، والمثل الأعلى، يقول الله تعالى :
) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21) ( (سورة الأحزاب / 21) .
كما أنه الأعظم والأبلغ تأثيراً في حياة التاريخ البشري ،فلقد تحقق له النجاح الكامل على المستويين الديني والدنيوي، وليس موضوعنا الآن أن نذكر كتابات المستشرقين وعلماء ما بعد البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهادي أمثال وليام ماكنيل وجون ماسرمان، ومايكل هارت، وغيرهم ممن اسردوا ضرورة الحديث عن سيرة الرسولr الذي أثر في الدنيا والتاريخ والأخلاق والبشرية جميعها.
كتاب السيرة النبوية:
يجمع المؤرخون على أهمية الذاكرة الحافظة التي امتاز بها العرب، دون السند والدليل والمنهج العلمي الدقيق الذي يعتمد على الأدوات والمعايير، إلا أننا لا نستطيع أن نختلف في فترة صدر الإسلام وعهود الخلفاء الراشدين، فلا شك أن رجال هذه الفترة هم شهود وحفاظ السيرة، وأعتقد أنه لم تكن هناك حاجة ضرورية تدعوهم لتدوين أحداث ووقائع سيرة الرسول r لاستغنائهم بالمشاهدة والحفظ، وانشغالهم بالغزوات و الفتوحات الإسلامية.

bh
وقد بدأت حركة التدوين والتسجيل للسيرة النبوية بدأت مبكراً على يد “أبان بن عثمان” وهو نفسه ابن الخليفة الراشد “عثمان بن عفان” وهو من أعلام السيرة النبوية ورواية الحديث الشريف، وقد تتلمذ على يديه كثيرون من كبار المحدثين والفقهاء من أمثال محمد بن مسلم بن شهاب الزهري،وكذلك محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي ، ولكن للأسف قد ضاعت مؤلفاته كما ضاع تراث الإسلام من قبل.
ومن رجال التأليف أيضاً ” عروة بن الزبير ” وهو من رجال الطبقة الأولى من كتاب المغازي والسير، وأبوه هو “الزبير بن العوام بن خويلد” ، ولقد شهد عروة الفتنة الكبرى التي عصفت بالمسلمين، وهي فتنة خلافة عثمان بن عفان وما بعدها. واشتهر أيضاً بأنه أحد فقهاء المدينة السبعة الكبار ، وكان قد شغلته السياسة كثيراً عن طلب العلم أيضاً، وهو كسابقه لم تصلنا مؤلفاته أيضاً.
ومنهم أيضاً ” شرحبيل بن سعد” وهو من كتاب المغازي. ووهب بن منبه وهو من مواليد اليمن وليس المدينة، لذلك فهو مختلف عن الثلاثة السابقين، وكان ثقة واسع العلم ، ويعتبر من العلماء الموسوعيين الذين تناولوا موضوعات شتى. ويوجد مجلد في مجموعة البرديات الموجودة بمدينة ” هيدلبرج ” الألمانية ، ويقول عنه المستشرق الألماني ” بيكر ” : إنه يرجع أنه يحتوي على قطعة من كتاب المغازي لوهب بن منبه.
ومن رجال التأليف في المغازي والسير الأوائل ” محمد بن مسلم بن شهاب الزهري” ، وهو من كبار التابعين وأعلامهم، ويعتبره المؤرخون من أعظم مؤرخي المغازي والسير وإليه يرجع الفضل في تأسيس مدرسة المدينة التاريخية ، وقد امتاز محمد بن شهاب الزهري عن معاصريه بكثرة الكتابة والتدوين واقتناء الكتب، ولقد ضاع ما كتبه ودونه الزهري بنفسه ، وإلى ابن إسحاق يرجع الفضل الأكبر في حفظ علم أستاذه الزهري.
وينبغي علينا أن نشير إلى أن الزهري قام ببحث واسع لجمع تراث الرسولr من أفواه شهوده ، ومن هنا تأتي أهمية الزهري من أنه أول من دون الحديث ، فهو  إذن يمثل مرحلة فارقة حاسمة ، وهي مرحلة الانتقال من التراث الشفوي إلى التراث المكتوب بالنسبة للتاريخ الإسلامي. ولكن الذي ينبغي ملاحظته أن هذا الانتقال قد تم داخل ارتباط السياسة والسلطان، فالزهري كان ذا علاقة وثيقة بخليفتين أمويين هما عبد الملك وابنه هشام قد قاموا برعاية عمل الزهري .
محمد بن إسحاق المطلبي:
ومن الضروري أن نعرف سيرة ابن إسحاق لأنها المصدر الرئيس للسيرة النبوية بصورتها التأريخية ، وكل من كتب في السيرة في السيرة النبوية نقل عنه ، لكننا سنعرضه من زاويتين اثنتين؛ الزاوية الأولى هي سيرة الرجل وما كتبه عنه أفاضل شيوخنا السابقين من مآثره ومناقبه. والزاوية الثانية هي تناوله من ناحية المنهج العلمي وفنياته وأدواته التنظيرية والتطبيقية.
فمن الزاوية الأولى نجد من يطالعنا بأن محمد بن إسحاق هو إمام الأئمة والعمدة في ميدانه، وأكبر علماء السير والمغازي على إطلاقهم . وأقوال العلماء فيه ـ حقاً ـ مستفيضة، فهو ـ كما يذكرون ـ أحد أوعية العلم، وحبر في معرفة المغازي والسير.
ومحمد بن إسحاق ـ كما يسرد الدكتور عبد الشافي محمد ـ هو محمد بن إسحاق ابن يسار بن خيار ، وقيل يسار بن كوتان المطلبي بالولاء، المديني، نسبة إلى مدينة رسول اللهr ، وكان جده يسار من أهل قرية عين التمر بالعراق، وقد وقع في أسر المسلمين عندما قام خالد بن الوليد بفتح عين التمر، وأرسل يسار بن خيار مع غيره من الأسرى إلى المدينة المنورة.
الأمر المهم الذي نريد أن ندركه هو معرفة أن ابن إسحاق أدرك بعض الصحابة ممن طالت أعمارهم، فالكتب تقول أنه ” رأى ” أنس بن مالك خادم رسول الله r ، وكذلك تتلمذ على يد كبار التابعين وعلماء المدينة المنورة، ومنهم القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وأبان بن عثمان بن عفان، ومحمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أكرم الله وجهه، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، ونافع مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان الأنصاري، وغيرهم.
ورحلة ابن إسحاق العلمية معروفة ومنظورة للرائي، فقد رحل إلى مصر والعراق، وما إن سقطت دولة بني أمية سنة 132هجرية، وقامت دولة بني العباس ، حتى رأينا ابن إسحاق يرحل مغادراً مدينة رسول الله r إلى العراق حتى استقر في مدينة بغداد، أو كما قيل عنها المدينة المدورة أو مدينة السلام، أو مدينة المنصور. تلك المدينة التي خلبت الألباب وخطفت من العلماء الأبصار، فهي حاضرة الإسلام ومقر العلماء والشعراء وأهل الأدب.
والمشهود لنا أن ابن إسحاق اتصل برأس السلطة ببغداد، ومؤسسها أبي جعفر المنصور ، حتى عرف أن كتاب المغازي أو ما شاع ذكره بـ “سيرة ابن إسحاق ” قد وضعه استجابة لرغبة المنصور وطلبه لابنه محمد الذي عرف بعد ذلك بالخليفة المهدي.
هذا من حيث الجانب الأول من حياة ابن إسحاق ، أما الجانب الثاني فمجمله اتهامات وربما افتراءات كاذبة، وشكول صراعات مضطرمة ،ولأننا نستهدف الحق معرفة ويقيناً كان علينا أن نسرد بشكل مقتصد عن هذي الشكول المتسارعة حوله. فهو يؤكد عند كل نازلة وفاصلة فساد العهد الأموي برمته، ونحن ندحض قوله باستحالة وجوب العيوب والنقائص وحدها في حياة الأمم والعهود دونما إيجابيات وإصلاحات لعل أبرزها سعة الفتوحات الإسلامية ، حيث إن الفتوحات الإسلامية في العصر الأموي أبقى الفتوحات، وإذا قبلنا الرأي بفساد كل خلفاء بني أمية كما زعم ابن إسحاق ومن ورائه ابن هشام ، فهذا استخفاف بعقولنا واحتقار وإهانة لأنفسنا.
كما أن محنة التاريخ الشفاهي فكرة سيطرت على ابن إسحاق ، فقصد في مجمل سيرته إلى البنى الحكائية للقص النبوي دون بعض التكليف بمعرفة تفاصيلها وأخبار أصحابها ومناسبة القول بخلاف الواقدي الذي سيأتي ذكره بعد قليل. بالإضافة إلى ما عاب السيرة من عدم توثيق الأشعار بها.
الواقدي:
كان علينا واجب الإشارة إلى أحد أعلام السيرة النبوية ، والذي لم يلق نصيباً من الشهرة التي لقيها محمد بن إسحاق ، وهو محمد بن عمر بن واقد، الملقب بالواقدي ، وهو مولى من الموالي.  ويعتبر الواقدي من أبرز رجال السير والمغازي ، ولقد ولد الواقدي بالمدينة المنورة سنة 130 هـ ، وتوفى ببغداد سنة 207 هـ ، ودفن ـ كما يروي تلميذه محمد بن سعد ـ في مقابر الخيزران، ومن أشهر من لقيه الواقدي في رحلته طلباً للعلم مالك بن أنس ، وسفيان الثوري.
واتصل الواقدي بالخلفاء العباسيين ، بداية من الخليفة هارون الرشيد وتذكر القصة سبب تعارف كل منهما على الآخر ، والتي أوردها الدكتور عبد الشافي محمد في كتابه الماتع ” أوائل المؤلفين في السيرة النبوية ” أن أمير المؤمنين هارون الرشيد لما حج في أو عام من خلافته سنة 170 هـ ، قال ليحيى بن خالد البرمكي : ارتد لي رجلاً عارفاً بالمدينة والمشاهد ، وكيف كان نزول جبريل (عليه السلام) على النبي  r ، ومن أي وجه كان يأتيه، وقبور الشهداء، فطفق حيى يسأل عن الرجل الذي تتوفر فيه تلك الصفات التي طلبها وحددها هارون الرشيد، فدله الناس على الواقدي.
والواقدي ـ نفسه ـ يروي ذلك الحدث ، فقال: ” كلهم دله علي، فبعث إلي فأتيته، وذلك بعد العصر، فقال لي : يا شيخ ، إن أمير المؤمنين ـ أعزه الله ـ يريد أن تصلي العشاء في المسجد ، وتمضي معنا إلى هذه المشاهد، فتوقفنا عليها ففعلت، ولم أدع موضعاً من المواضع، ولا مشهداً من المشاهد إلا مررت بهما عليه”. ورغم صلة الواقدي القوية بالبرامكة إلا أن مكانته في بلاط خلفاء بني العباس ظلت كما هي، ولم ينله ضرر بسبب تلك الصلة بعد نكبتهم، بل ازدادت مكانته وثقة الخلفاء فيه إلى الحد الذي جعل المأمون يوليه القضاء في عسكر الهدى ، وكان المأمون كثير الإكرام له، ويداوم على رعايته.
وكان الواقدي غزير الإنتاج، كثير التأليف ، فله أكثر من أربعين كتاباً في المغازي والسير والتاريخ، وهو الأمر الذي يزيدنا غموضاً في عدم ذيوع شهرته كسابقه ابن إسحاق. وربما اتصاله بالبرامكة هو الذي جعل شهرته ومكانته في العصور التي تليه تقل وتخفت، لكننا نرى أن الواقدي أكثر دقة من الناحية المنهجية والعلمية في تناول الأحداث التاريخية عن ابن إسحاق، وابن هشام، فهو يحاول أن يتحرى الدقة في المعلومات التي يوردها في نصه، عن طريق أقارب وأصحاب وأتباع وتلاميذ الشخصيات الواردة بكل حادثة يذكرها.
وهو ـ نفسه ـ  يحدث ذلك قائلاً: ” ما أدركت رجلاً من أبناء الصحابة ، وأبناء الشهداء ولا مولى لهم إلا سألته ، هل سمعت أحداً من أهلك يخبرك عن مشهده، وأين قتل ؟ فإذا أعلمني مضيت إلى الموضع فأعاينه ، ولقد مضيت إلى المريسيع فنظرت إليها ، وما علمت غزاة إلا مضيت إلى الموضع فأعاينه”. وكانت كتب الواقدي مصدراً أصيلاً لكل المؤرخين الذين جاءوا بعده، فما من مؤرخ إلا واقتبس من كتبه، ولكن لسوء الحظ ضاعت معظم هذه المؤلفات العلمية العظيمة التي خلفها، ولم يبق من كتبه سوى كتابي فتوح الشام ، والمغازي. ومع الواقدي أصبح الاعتماد أساساً على المكتوب، وهذا ما يؤكده مترجموه من أنه كان يمتلك مكتبة بها ألاف الكتب وغلامين يكتبان الليل والنهار.
ولعلنا أكثر تحمساً للواقدي عن ابن إسحاق رغم شهرة الأخير بين العامة والعموم والسواد، لأنه أكثر إخباراً عن سيرة الرسول r في المدينة، وهو أميل في إخباره إلى الفقه والحديث من ابن إسحاق، وهو ـ أحياناً ـ يرجع إلى مادة علمية مكتوبة في صحف رآها واعتمد عليها، كما أنه يمتاز عن سابقيه بالدقة في تعيين تاريخ الحوادث . ويكفي الواقدي فخراً وشرفاً أن الإمام مالك بن أنس كان يثق في رواياته، بينما كان لا يثق في روايات ابن إسحاق، وقد لقبه الفقيه محمد بن الحسين الشيباني (من فقهاء الحنفية) بأمير المؤمنين في الحديث.
السيرة النبوية والخطاب التاريخي:
لابد من التمييز بين نوعين من الخطاب؛ خطاب يحمل أمراً شرعياً مقدساً أو خبراً من السماء ، وكما يقول ابن خلدون هذا واجب تصديقه. وخطاب يحمل واقعات من عالم الطبيعة، ولكل من الخطابين مقياس للصدق. وابن خلدون في مقدمته يحيل الصدق إلى العالم الذي يتبع كل خطاب ، فالعالم القدسي حق، وهو منهج مشروع واضح مثبت بصحته من داخله، فهو من عند رب العالمين، إذن فهو خطاب مقدس أمين لا يتغير يظل كما هو، فهو خطاب فوق الزمان، وهو في طبيعته حدث في الزمان.
والخطاب المقدس تحمله لغة، وهو ما ينطوي في حد ذاته على استلاب بالنسبة لحال الصفاء، وحين يقول مسلم إن القرآن لا يحاكى، فهو يعني أن علاماته تأتلف ائتلافاً خاصاً يرتفع فيها الدال ليتحد بالمدلول المقدس.
وبقي لنا أن نشير إلى دور القصص الشعبي في صياغة بعض كتب السيرة النبوية ، ولاشك في أن الخيال الشعبي الذي صاحب الكثير من المذاهب والفرق الإسلامية صاغ العديد من القصص التي لم نرها في الكتب الصحيحة للسيرة النبوية والتي أراد بها أعداء الإسلام النيل منه ومن نبينا الكريم  r ولكن هيهات.
والدور الشعبي الذي لعبه هؤلاء المؤلفون هو تأييد لوجهة نظربعض  الفرق الدينية والفكرية، وهو مشهد متصل للصراع الفكري والديني بين هذه الفرق، وأكاد أجزم بأن ما جاء إلينا من أخبار غريبة غير متواترة وأخبار صراعية هي لا شك من رحم الصراع المأساوي بين بعض الفرق والتيارات وكذلك المحاولات المشبوهة التي قام بها المستشرقون.
وكما يؤكد المؤرخ سيد خميس في أن الخليفة معاوية أدرك مبكراً السحر الإعلامي للقص الديني، وقوة تأثيره في نفوس العامة، فبعث في طلب القصاص وجمعهم إليه، وبالطبع أجرى عليهم الرواتب من بيت المال، ثم أوعز إليهم بالدعاء إليه على المنابر وأداء بعض القصص والروايات التي تعضد ملكه وسلطانه.
وفي العصر العباسي كانت الفتنة أشد وأعظم خطراً، لاسيما مع ظهور الصراع العربي الفارسي، فقد أضاف الرواة الفارسيون القصص العجيبة التي لا وجود لها في كتابنا هذا، وكان من البدهي أن يستجيب العامة لهذه القصص الخيالية وان يشغلوا بها انشغالاً عظيماً. ويضرب الدكتور محمد النجار مثلاً على ما جاء به القصاص في ذلك العصر في موضوعين كانا أثيرين عندهم، هما قصة الإسراء والمعراج ، ومرويات الشيعة عن آل البيت ، وخاصة فيما يتصل بمقتل الإمام الحسين، فقد لعب بالعاطفة دوراً عظيماً وخطيراً في التأليف القصصي على حساب الوقائع التاريخية.
وإذا دققنا النظر لاستقرأنا الخلط بين الحقائق التاريخية والقصص الخيالي والخرافات، وتسرب الخيال الشعبي الطائفي إلى كثير من أحداث ووقائع السيرة النبوية فمالت هذه الوقائع إلى الأساطير والمبالغات اللامعقولة. ومن هنا أصبح من الصعب إيجاد وسيلة منهجية دقيقة ترجح ما هو تاريخي على ما هو خرافي إلا ما رحم ربي . وعلى هذا نجد الكثير من القصص التي تحتاج إلى ضبط تاريخي بالمعنى العلمي في بعض الكتب التي تناولت سيرة رسول الله r ، ولقد اجتهدنا جهد مشقة وضعف في نقل الأحداث التاريخية من مصادرها الصحيحة مع تحقيق تواترها وإثبات صحة ناقلها أيضاً .

___________
ـ مدرس المناهج وطرائق تدريس اللغة العربية
كلية التربية ـ جامعة المنيا

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *