“مرافئ القلب” للشاعرة أحلام الحسن

*خاص- ثقافات

*أحمد الشيخاوي 

عمق تجربة الإنصات لنبض الأمومة

لعلّ أبرز انشغالات الذات هاهنا تزدحم  وتتشابك على مستوى تفجير زخم من دوال التهويم وتجسيم الظاهرة،وفي سياق اجتراح تمثلات مغرقة في المحايثة والشبحية، و آسرة بلعبة إقحام ثيمة الأمومة، ضمن محطات تطبعها فيوضات قلب نقي ومفتوح  وبريء جدا في مناوشة ومناورة العالم الموبوء،بغية تعرية نقاط ضعفه ،وجرد  أفظع سلبياته، على اعتبار الشعرية جنا وثمار الضغط الذهني  المخول لممارسة تشخيصية لا أكثر، وغير معنية بتقديم حلول،وهي وإن حاولت ذلك  فبالكاد تلامس تخوم فعل تخليق الثقافي للسياسي، لا تتخطاه قيد أنملة.

بحيث تقود العنونة مباشرة إلى جماليات الماء، وبحكم ثقل المفهوم الذي تتناسل عنه أهرامات مساءلة المكنون،يُفصح عن ظلال ذلك ويزكيه ،مدلول الشقّ الثاني من العتبة/ مرافئ قلبي ،كضرب من البكائية والتغنّي ملء رئة الكلمة ،قبل الثغر ، بالموضوعة التي عنيناها سالفا مع التركيز على ما يسهم في تشكيل عوالم صارخة بما ينزع نحو تطويق الذائقة بقران اللون واللفظ ،ويضخ في جسد النص نورانية المبدأ ،ومن ثم بلوغ ذروة الإقناع والاستقطاب إلى ما يختزل عرس القصائد في ما يحشد و يحمل الصوت الهامشي والمحايد، على الوقوف لصالح الانتصار للقضايا العربية الكبيرة،وفي صفّ الإنسانية، عبر المنجز في كليته.

إن الخطاب عند شاعرتنا لا يهبّ من جهات التصحّر ، جافا وصلبا وموقعا في أخطبوطية المنطق المقزز والمنفّر ، بقدر ما يطالعنا شائكا ومقلقا،وقد استقى ملء الحاجة والضرورة،ونهل من هواجس القلب على نحو يتيح له البشاشة والرهافة والقابلية والوقع الفردوسي في النفوس.

تنقّلات للمعنى أفقيا وعموديا لتأثيث فضاء الحكاية أو السيرة ،وفق استنطاق المناغمة و الموسقة بين القواميس التي تحترم الوزن والقافية وتجدّف في خضمّهما،اتكاء على صاع الاغتراف من صوفية الالتماعات الهوياتية  و المتاهات الوجودية تماوجا مع تدفّق سلسبيل البوح وعذبه عند حدود إحراج اللحظة وإماطة القناع عن زيفها وحر بائيتها من منطلق إثارة الإشكالية السوسيو ثقافية  في عراها الوثيقة وحبلها السري الواصل بمعاناة حقيقية غير مصطنعة تروم ميكانيزمات البلاغة المراوغة المفضية إلى خندق أدبيات الترف.

إنها وبكل بساطة شعرية المواقف المنبنية على رؤى استشرافية استفزازية و محرّضة ومزلزلة للضمير وشاحذة للهمم.
”  نثرت ورود قاربي أمامكْ
وكنتَ يوسف في صحف أقداري”
……………….
“آتيك حاملة وردي وحبي
ألملم جراحك بيديّ وحضني
فدعني لقلبك أمضي
و لا تمنعني…
سأحكي له حكاية حب
تحدّى الزمان وقهر المكان.’ ”
……………….
” عجبتُ منكِ..
يا صرخة المساجد
تهيم في بواكيك العقائد
تعانق الأجساد الشهيدة
وتبكي على الدنيا العقيدة
وتنتحب العظام الهياكل
وتصرخُ النساء الطرائد”
…………………
“تلتوي الأغصان جوى
معانقة للهوى
تبحث ٌ عنكَ
عن سرّ أحزانك”
………………..
“وحباني الله بتحفة الحبّ
بجميل عطايا جليلُ الفعالِ
ولي سلوةٌ بوداد الصالحينَ
ولجرحِ صبريَ نعمَّ الاندمالِ”
…………………
” أبحر منكِ
لأعود إليكِ
وأظلّ أتأرجحُ بأرجوحتي
بطفولتي التي لا تكبر
وببسمة في شفتيّ ”
…………….
” ألفّ جراحيَ لكي لا تراها
لكي لا تنزف وترى دِماها
ألفّها ألف ثنية وثنية
وبأحمر الورد جعلتُ عُلاها ”
………………
“فلم تعد شفتاي تناديك
ولم يعد قلبي يحتويك
إرحل قبل أن تقتل ثقتي بالناس”
…………………
“ومن ناري احترقي كما أحرقتِني
وهاك قلبي هيا خذيه وارحلي”
…………………
“وكلي رجاء بأن تسمع أغنياتي
سآتيكَ حوريةً..
جنيةً..”
……………
” ماذا أقول ونبع الحنانِ منكِ
أم..
أخت..
حبيبة..
طبيبة..
كل الأحضان لديكِ”
………………
“لم أعد أرى نجم السماء
ولا أسمع صدى لأغنياته
يحترق صدري من الآهات
ومن خوف كل ما هو آت”
……………….
“يا معشوقتي الجميلة
أنا اسمي الردى
قد جئت مشتاقا..
ملهوفا عليكِ”
…………………..
“في عيدكِ كل الهدايا أحجارُ
خذي قلبي إن كنت تقبلينه
وإن عدّ في الهدايا صغيرا
هاك فؤادي نبضا بجناحيكِ
عليه تعزفُ الأوتارُ
أغنية أدغدغ بها أذنيكِ
واحتويني..
احتويني..”
…………………
توّجتُ صوركِ نهرا كي يرويني
أرسم حبكِ وبصمت في لوحاتي”
……………….
” وكل شهيد لنا أمّة
فهل تهزم امة المثلِ”
………………..
” يا دهرُ قل لي أين هم أشبالي
أين من كان هنا بالحضن ليالي
حملته جنينا بحشاي ورحمي
دقّات قلبي موال الليالي
ربيته من بعد حملي وعسري
لبن صدري سقيته كالزلال”
………………….
“ولتتعلم شفتايَ منك
الأبجدية من جديد
ولتعرفَ عينايَ
أنّكِ من تُضويني
وتشتاق ضلوعي الوالهة
لذراعيكِ تطويني
علّها تطفئ نار لوعاتي
تسكن بعض أنّاتي
ترجع لي انتعاش روحي
يا من تسكنين ذاتي”

كخلاصة، نستشف مما سبق أنه وعلى الرغم من نسبيتها في الاستقلالية عن السلطة الخليلية،تزيغ تراتبية القول الشعري وتحيد عن بؤرة الأمومة في أسمى تبلوراتها ،لتعود وتكثف من تجلياتها تبعا لإيقاعات القصيدة الأغنية ،و إزاء تملي العالم عبر نوافذ روحية،تصنع مساحات كافية للتصالح و حصر الزمن واستنطاق ذاكرة المكان في ضوء معطيات الانتصار للإنسانية المفقودة و الحيثيات الحياتية المستلبة.
فمن طقوس العودة إلى الطفولة البعيدة وتقمّص نرجسيتها، إلى أجواء تحضير القرين كخل ،وكحالة ،وكنوبة تمرد،وكوطن…

إلى مناخ تمجيد الأمومة ووابل حفريات ميثولوجية تبحث في رمزية هذه الأخيرة، وتذكي بعدها القيمي،وتنبش في تفاصيلها الموغلة والطافية على حد سواء.

إلى بعث المعالجات التي يمكن أن تطال كمون الهوية والانتماء، وهكذا في دورة سرمدية كاملة ،يعبث الحرف بخيوط راهن مشوه ومترهل يتوق إلى سيمفونية الخلاص والتنصّل من تاريخ مرايا كاذبة تمنح بريقا ـــ ربما ــــ و كاريزما معيّنة للحالة المرضية.

شاهد أيضاً

العتبات والفكر الهندسي في رواية “المهندس” للأردني سامر المجالي

(ثقافات) العتبات والفكر الهندسي في رواية «المهندس» للأردني سامر المجالي موسى أبو رياش   المتعة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *