شهادات في حق الشاعر الشيلي بابلو نيرودا

خاص- ثقافات

*ترجمها عن الإسبانية: عبد السلام مصباح

         ذات ليلة شتوية- وكان المطر يسقط بشهوة – يحط في يدي مخطوط عجيب. كنا في الطبقة السفلى للفندق. عنوان المخطوط “إقامة في الأرض Residencia en la tierra”. مؤلفه: بابلو نيرودا: شاعر شيلي .لم بكن معروفا بيننا .من هلال قراءتي الأولى للديوان فاجأتني قصائده تلك وسحرتني . عرفت أن نيرودا كان قنصلا للشيلي في “جاوا” بأندونسيا؛ حيث يعيش وحيدا، يكتب رسائل يائسة، بعيدا عن العالم وعن لغته الأصلية. أراد أن يجعل ديوانه متداولا في جميع أنحاء مدريد

 رفائيل البيرتي

         عرفت بابلو نيرودا في “سان باولوSan Paulo” بمناسبة الحفل الذي أقيم على شرف الشاعر الإسباني المبدع: غارسيا لوركا .كان نيرودا هناك قادما من الشيلي؛ ولوركا وأنا قادمين من إسبانيا.كان نفس نيرودا الذي تعرفت عليه في عام 1934:الخطو البطيء المتمهل والنظرة الثابتة والصوت العميق والرأس يتلألأ عرقا، ثم الجسم الغارق حزنا. عندما كان يجلس؛ أو بعبارة أوضح يغرق؛ يعطي انطباعا أنه كالعالم متعبا. ثملا بالأحزان السلفية إلى جانب الأعمال اللامتناهية .

غابريل ثيلايا

         أحيانا كان لي انطباع أن صوتا ما غريبا يملي عليه قصائدي؛ تلك التي كان يكتبها. من أجل ذلك فقط كان يخصص لعمله ساعتين فقط. لم يكن يشتغل في أشياء أخرى. أحيانا كان يقول لي: ” أية روعة”

أحس حين أكتب موضوعا أنني كتبت حول موضوع آخر: . يستطيع أن يدخل أحدهم بيننا، وهو يكتب، ويسأله عن أي شيء. يكتب في جميع الأماكن ولو كان محاطا بكثير من الأشخاص.

       ماتيلدا أوروتيا

 

          رأى بابلو في أحد دكاكين الألعاب سفينة شراعية؛ وكلفني بشرائها. حاولت أن ينسى طلبه؛ لكنه أسر بعناد طفل أحمق، وألح أن أشتريها. صدفة كان يرافقني الشاعر “ليون فيليبي Leon Felipe”فليهتم بالموضوع، ولو لم أعد ومعي المركب الصغير لا أستطيع أن أصدق إن كنت سـأرى عينيه. المسافة كلها وأنا في حالة غضب .

 ديليا  ديل كاريل

 

         استأجرتُ غرفة في منزل أحد صيادي السمك لأكتب روايتي “تتويج”؛ وبما أن هذا المنزل لم يكن يتوفر على الرشاشة؛ ذهبت لأغتسل في بيت نيرودا ب”الجزيرة السوداء Isla Negra”. وفي مثل هذه الأحداث غالبا ما كان نيودا وماتيلدا يدعوانني لأتغذى معهما…أيام الأحد يكون عندهما أشخاص كثيرون؛ حيث يجتمعون في إحدى الشرفات أمام البحر، هناك كان نيرودا يعرض فراشاته وفلفياته وكل الأشياء الرائعة…لكن بغتة يتواصل مع الشعر دون أن يولي اهتماما للمجتمعين؛ سواء كانوا خمسة، عشر أو عشرين، ويأخذ في كتابة إحدى القصائد. خلال عشرين دقيقة يكون قد كتب نشيدا. بهذا المدلول كان نيرودا أكثر اجتماعا وأكثر الناس ضيافة من كُتّاب آخرين .

         خوسي دونوسو

         في إحدى المناسبات كان نيرودا مدعوا لقراءة قصائده في “فيفا المركزية”. عند دخوله إلى المقر لاحظ أنه محاط بمجموعة من العمال الذين كانوا يملأون، منذ الساعات الأولى للفجر، سلالا وصناديق خشبية بالفواكه والخضر. كان الجميع، تقريبا، يستعمل أكياسًا طحينية على شكل مآزر، وكان أغلبهم ينتعل أحدية صنعت من إطارات مطاطية. يتذكر نيرودا: “شرعت أقرأ لهم من ديوان” إسبانيا في القلب España en el Corazón”…لم أكد أنتهي من قراءة أشعاري حتى اقترب مني أحد العمال؛ وقال لي: السيد بابلو؛نحن أناس كثيرو النسيان، لكن نستطيع أن نقول لك أننا لم نحس أبدا، كما اليوم، بانفعال قوي وعاطفة عظيمة…” .حينئذ مزق البكاء النشيجي، الذي هزه، الكثير ممن كانوا بجانبه أخذوا يبكون أيضا. الشاعر ما زال يتذكر هذه الحادثة الهامة كواحدة من أهم الأحداث المؤثرة في حياته .

دييغو  مونيوث

 

         مفاجأتي كانت عظيمة حين ظهر بابلو في المؤتمر الأول لأنصار السلام. لم يكن معروفا بلحيته الطويلة؛ مصحوبا بزوجته “ديليا  ديل كاريل Delia del Carril”. بابلو كان أكثر شعبية في فرنسا. الجميع كان يرغب في الحصول على توقيعه. وعن توقيع بابلو؛ هناك بابلو آخر، هو الرسام الإسباني: “بابلو بيكاسو Pablo Picasso”.كان أكثر طرافة، يعرف كيف يسلي الآخرين. في الهنيهات الفارغة التي كانت يسمح بها المؤتمر؛ كانا يغلقان عليهما الباب في غرفة ما أو في أحد المكاتب حاملين معهما الكراريس وألبومات للتوقيع عليها. كان بيكاسو يوقع عن نيرودا، ونيرودا يوقع عن بيكاسو. كان الجمهور يذهب مسرورًا بهذين التوقيعين. أما البابلوان فكانا يموتان ضحكا .

فيكتور  كونطريراس

          أسس نيرودا في “بالبراييسو”- حيث قضى فترات مخالفة من حياته- “نادي الجزمة”. مشتركوا النادي كانوا يسمون بالجزميين، أما اجتماعهم فكان بالنادي الألماني(هذا النادي اختفى اليوم).رمز المنظمة كان عبارة عن جزمة كبيرة جدا؛ فكان المنتسبون يملأونها بالجعة، اشتراها نيـرودا من المكسيك، وكانت من أصل ألماني.

كارمين ايدالفو

 

 

         نيرود كان دوما طفلا مرعبا، غريب الأطوار، خطرا…لأنه كان يملك شخصية قوية؛ شخصية عظيمة ممتعة. وإذا وقع أحد في فلكه كان من الصعب الخروج بعد ذلك. يعصرك ويجعلك تشرب على هواه…ليس ممكنا أن تشرب قنينة واحدة بل عليك أن ترافقه في كل ما يريده هو. كان يبحث عن الويسكي حيث لا يوجد،وعن الخمر الشيلي حيث من الصعوبة العصور عليه

رفائيل البيرتي

_____

(*) هذه المختارات من الشهادات مترجمة عن: الملحق الثقافي” ل”دياريو 16 “، العدد 145، 25/09/1983. الصادر بمناسبة الذكرى العاشرة لرحيل الشاعر الشيلي الكبير: بابلو نيرودا .                      

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *