جدير بالذكر أن النص الجيد والمتين يصعب اختراقه، وبمشقة تخاض محاولات القبض على إحدى ثغراته، بغية تعرية ماهيته والكشف عن بعض خباياه وإضاءة ما تحجب ألوانه من دلالات ورموز ومكامن رسالية لأجلها ثم تطويع اللغة أصلا ،ووظّفت أدوات و أبنية وأنساق تعبيرية وتشكيلية لإضفاء أبعاد جمالية تزدان بها الصياغة النصية النهائية إجمالا.
حينها يطغى الشعور الوجودي العاكس للفهم الحقيقي المحيط بمقاربة النوعية الإبداعية النادرة ،وإلى أي مدى يمكنها أن تتخطّى التوصيف الفيتريني في تقديمه لها على أنها مجرد عرض وواجهة ومادة استهلاكية، ويغدو بوسعها القفز فوق كل ذلك إلى نصا نية خالدة تختزل أسرار الذات.
كذلك هو دأب شاعرنا أدهام نمر حريز كعلامة فارقة بين مجايليه ، من حيث محاصرته للراهن بأسئلة ينقش طقوس تمريرها الحرف الطاعن بشعريته ونفاذ التصور إلى سراديب غيبية تعج بحمولة المؤشرات الوالجة في مثاقفة خلفيات تأويل الآني على نحو يورّد أرضية المستقبليات ويفكّ حبل المشنقة تنفيسا على أحلام بريئة ومشروعة يكاد يكتسحها التيبّس والاختناق ،يسري ذلك تيمنا بعوالم أخرى لازدهار نفسي ولو على سبيل فبركة خيالية مضادة لسرطانات الواقع، تتغيا امتصاص المعاناة ولعق الجراحات.
“الحيرة تغلف الخطوات المختالة
الإشارة لا تصل من العالم الأخر
الأرض تتمسك بثبات على الخطى
تنهض قياماً على القدمَ
أسماء لا تدل على المعاني
ترفرف بجناحها
تستظل بها القمم”
هنا، إرسالية المعنى في التقاط أوجاع اللحظي انطلاقا من المتن صوب هوامشه، تتناسل مشفوعة بتقنية المحو التي يقتضيها تقطّع نفس مراكمة الجمل المخملية المحيلة على قوة الصوت الداخلي في نبذ ما يشوّه العلائق بقدسية العالم الآخر كبديل لبيئة تنتج هذا الكمّ من المنغصات والانطفاء والانكسار والشلل.
إنه زمن انتظار إشارة اللامعنى في حمل الذات على تبوأ مراتب السمو والتنصل من حمئة ومستنقعات تشدّ إلى تأليه القاع وتغري بالنكوص وقصّ أجنحة التحليق عاليا والتغريد ملء حنجرة وفق ما يذكي هذيانات حكائية و يؤجج حمى توق غرائبي لمعطيات الحرية.
“البراكين لا تهدأ في جوارحي
تُطِلّ على شرُفات الروح
تحدق بها
تبصر الجراح وهي تحتفي بشجن
الشوارع تغص بذكرياتها
تقدم مشهداً على مشهد
تفقد في ليلها الطويل بصماتها
عبير لعطورها وحضورها المبهر
تتابعني في السير
تحث حولي المقل
أنت من اختارته’ الأقدار “
إنها اختيارية بلبوس نبوءة ما ، يسعى صاحبها لاستقطاب أتباع، يحفظون الوصايا بجوارحهم وهم يرممون ثقوب ذاكرة منكفئة على أخطاء تاريخية قاتلة.إنها إطلالة الروح العطشى لطور ما بعد هدأة براكين الطعن في ثمالة الحرف والهوية والفضيلة وجملة ما يصبّ في حيوات النبل والجمال.
“نقشت حول مساره تعويذة البقاء
علقت حول جدرانهِ الصور
الحقيقة تنبض من جسدي كالارتجاف
هموم شاسعة الأطراف
أحزان عميقة المدى
جرعات تسكر الروح من الألم
هدير أصواتها تهز القلوب
تجعل الأرض تحتها تهتز من نشوة اللقاء
تحتضنها
فتهتز الصدور عشقاً و غزلا.”
عصارة القول تكمن بلورتها في حصر تملي هذه الفسيفساء من زاوية إقحام المقدس وتغليبه أو ترجيحه على النقيض مما قد يقود إلى انزلاقات استقرائية تفسد صوفية وكريستالية العتبة وصفائها عبر ملامسة جوهرية زاهدة في القشور والسطحيات .
أفئدة مهتزة.
يستحضر الاهتزاز ها هنا كمعادل لمنظومة ما يفيد الازدهار والحياة وفلسفتها ،خلافا لما قد يدمغ الفهم من تفسيرات جانبية خاطئة تفسح لمنطق الحالة المرضية وخطاب الاضطراب وعدم الاطمئنان واللا -استقرار.
____________