استراتيجيات القراءة الذكية.. بعض آليات تحسين الفهم (1)

خاص- ثقافات
*أحمد الحسين التهامي

الجزء الأول:

                                   استراتيجيات عامة:

*مقدمة:

ثمة قول يستحق الوقوف عنده؛و …ايضا تأمله ملخصه هو التالي  )  : قراءت قراءت؛ ثم ذهبت إلى النوم؛ وحين نهضت صباحا لم اتذكر شيئا مما قراءت !!).

جاء هذا القول على لسان عضو بمختبر القصة القصيرة في بنغازي بليبيا بداية العام 2016 م شاكيا مما بدا له مشكلة لا حل لها وهذا القول هو مدخلي الرئيس لموضوع يتجاوز حدود ما يشير اليه القول وإن كان يظل في مركز الاهتمام؛ سوف اسعى في مقالي إلى استكشاف حدود الموضوع /المشكلة موضوع القراءة وموضوع الفهم ولكن…..

ودائما لكن و ما بعدها يحظى بالتركيز والانتباه او هذه رغبتي على الاقل !! إذ ان استكشافي لموضوع القراءة ومن ثم موضوع الفهم سوف يتركز على الجانب العملي منهما لان الهدف هو اجتياز عقبة امتناع القراءة وعقبة عدم الفهم ايضا؛ وهذا يعني اننا سنكون امام اقتراحات تهدف لتحسين القراءة وجعلها مثمرة ومنتجة والمرجع الاساسي لهذه الاقتراحات/ القواعد/ الاستراتيجيات والتقنيات هو تجربتي وخبرتي الشخصية الطويلة في عالم القراءة(أي انها مرجعية ذاتية جدا لكنني ازعم انها موضوعية ايضا)ثم يأتي بعد ذلك ما استفدته من قراءات متنوعة ومتعددة في بعض الكتب والمجلات العلمية من ابحاث متعلقة باليات عمل الدماغ البشري والقراءة عموما وعلى راس هذه المقالات والدراسات دراسة لأستاذي ومعلمي محمد عبد الحميد المالكي رائد السيميائيات في ليبيا معنونة ب: (تقنيات القراءة الحديثة) (1) .

ثمة سؤال اساسي هنا هو مدخل الدرس هل الفهم يشبه الاضاءة المفاجئة السريعة لكامل غرفة كانت مظلمة ؟! علينا قبل الاجابة فحص المشكلة.

صورتي الشخصية

*حدود المشكلة:

ثمة تداخل وتعالق شديد بين ثلاث مصطلحات تحد المشكلة وفحصها كفيل بتوضيح حدود المشكلة وهذه المصطلحات الثلاث هي:

القراءة ؛ الفهم ؛ التذكر  ؛ان  اختلاط هذه المصطلحات يعقد المشكلة ويجعلها مشوشة فلابد من السعي لفض الاشتباك بينها اولا  قدر الامكان وسوف نشرع في هذه المحاولة عبر المدخل اللغوي الاساسي أي الجذور اللغوية الاساسية للكلمات الثلاث في القواميس العربية فنجد اولا : ( مادة: ق ر أ ) في مختار الصحاح الذي يقول عنها 🙁 قرأ الشئ قراءنا : أي جمعه و وضحه) (2)ثم ننتقل إلى لسان العرب فنجد 🙁  قراءت الشئ قراءنا: جمعته وضممته بعضه إلى بعض)  (3) اما مختار القاموس فيقول 🙁 و قرأ الشئ: جمعه وضمه) (4) والمعطى الاول الذي تخرج به من التدبر في المعاني المعجمية لكلمة قرأ هو كونها عملية مكونة من عنصري الجمع والضم اما الايحاء الخفي  وهو ما نريد صوغه بصراحة هنا للاستفادة لاحقا منه فهو متعلق بالجهد والانتظار اللازم لمرور الوقت ليكتمل الجمع والضم.

اما الكلمة الثانية في هذا الثلاثي المميز للمشكلة  فهي كلمة فهم نفسها حيث يقول مختار الصحاح : (فهم الشئ بالكسر فهما وفهامة :أي علمه ) (5) ويقول ايضا : ( تفهم الكلام فهمه شيئا بعد شئ) اما مختار القاموس فيقول : (فهمه – كفرح- ؛وفهامة وفهامية: علمه وعرفه بالقلب ……وتفهمه : فهمه شيئا بعد شئ ) (6) وما يمكن استخراجه من هذه الاقوال مرتبط بما سبق وقلناه من معاني معجمية لكلمة اقرا؛ إذ بعد عمليتي الجمع والضم يحدث الفهم أي العلم و العلم كما تفصح عن ذلك مقولة (عرفه بالقلب) امر عميق يتمكن من دواخل المرء او ربما اريد شدة وضوحه إلى درجة القدرة على استحضاره دائما دون نسيان لاكتماله ووضوحه.

اما الكلمة الثالثة فهي التذكر حيث يقول مختار القاموس : (التذكار :الحفظ) (7)اما في مختار الصحاح فنجد : (والذكر والذكرى والذكرة : ضد النسيان) (8)اما في المعجم الوسيط فسوف نجد : (استذكر الكتاب : درسه للحفظ) (9) ومنها يمكن استنتاج ان التذكر هو الحفظ وانه ضد النسيان والنسيان كما لابد يذكر القارئ كان مفتتح كلامنا حول مشكلة القراءة وعدم الفهم والسؤال اذن كيف تبقى الاشياء في الذاكرة ؟!.

اذن في الاستنتاج اللغوي المعجمي الاخير نحن بمواجهة عملية واضحة ومتدرجة فالقراءة أي الجمع والضم تحدث اولا ثم يليها العلم أي الفهم ولكن بينهما عملية تتوسطهما وتصل بينهما هي الاستذكار ضد النسيان اذا فالاهتمام بعملية التذكر هو مركز حل مشكلة القراءة وإذا فالتذكر نوعان تذكر تفصيلي حر وتذكر مقيد وإجراءاتنا سوف تركز على التذكر المقيد إذ ليس المقصود استعادة نصوص بكاملها كما هي بل المقصود هو ان نجد في اذهاننا تصورات وارتباطات وجمل كاملة احيانا حول نقطة معينة في الكتاب الذي نقرأه فتتنشط كل معارفنا عنه !! وهذا يعني من جملة معانيه اننا قد نعيد صياغة ماقراناه بطريقتنا وبكلامنا ومفرداتتنا أي اننا سنحدث دائما تغييرا ما في الاصل؛ وهذا الامر (التغيير) هو علة اننا دائما ما نجد اختلافا كبيرا بين مانتذكره حول كتاب ما والكتاب نفسه عندما نعيد قراءته بعد مرور زمن وتغير الاحوال اذ لا توجد ابدا قراءة صافية ونقية فكل قراءة هي تشويه للمقروء.

*في المعنى التداولي للمصطلحات الثلاث:

لا يتعدى المعنى العام المتداول لكلمة قراءة في الاستخدام العادي واليومي حاجز المرور بالعيون على الحروف بشكل تدريجي ومن ثم تذكر القليل من تفاصيل ماتم المرور عليه لذلك ننبه إلى اننا نقصد معنى اخر للقراءة يبذل فيه المتعلم جهدا اكبر من مجرد المرور بالعيون على الحروف ونحن في كل هذا المقال لا نتحدث عن القراءة التي تستهدف المتعة مثل قراءة الروايات  والقصص حيث قد يحدث نسيان للكثير من التفاصيل دون ان يؤثر ذلك على استمرار القراءة فالمتعة هنا هي المعيار بل نحن نقصد قراءة الكتب العلمية قراءة مثمرة منتجة قراءة يمكن لاحقها قياسها عبر كتابة مقال او دراسة فقراءة الكتب العلمية (علوم انسانية نقصد) هي عملية مختلفة عن القراءة الحرة للروايات وكتب الاسفار والأشعار والسير الذاتية فهي تقتضي تقنيات اكثر وتقتضي تدوينا اكبر وتلخيصا ومقارنة مع كتب اخرى في نفس الموضوع وتقتضي الكثير من الدقة بينما قراءة الروايات وكتب الاسفار لا دليل على نجاحها إلا سلاسة اتصالها ودوام النظر اليها.ان  المقصود قراءة يعقبها حصول العلم أي لابد فيها من التذكر و مقاومة نسيان المعاني العامة للكلام ليحص الفهم والفهم ليس شيئا يحصل مرة واحدة  فهل هو حدث او شئ يحصل تدريجيا وبانتظام تام ؟!سوف نجيب لاحقا على هذا السؤال لكننا نستمر في التأكيد اننا نصف عملا مجهدا وعملية مكونة من مراحل تحتاج طبيعيا إلى بذل جهد ومرور وقت حتى نكتمل

*خطة العمل:

ثمة عمل لازم سيكون علينا الخوض فيه يتمثل في مراجعة نقدية لملخصات خبراتنا القرائية ومن ثم ربطها بما تقوله الكتب والدراسات العلمية حتى نتوصل إلى نوعين من المقاربات للقراءة

  1. قواعد استراتيجية عامة لكل عملية القراءة تسمح باستمرارها والاستفادة منها

  2. تقنيات تفصيلية اثناء عملية القراءة نفسها

وبعد ذلك يجب الحديث حول معيقات عملية القراءة.

 HR-Analytics-courses-480x320

*قواعد استراتيجية للقراءة الذكية:

*القاعدة رقم (1):

                                  (أهمية وجود الحافز والدافع)

ثمة احتفال عالمي بالقراءة وثمة دعوة لممارستها وبطاقة معايدة يومية باسمها هذه القراءة التي تشكل احتفالا دائما يتجول حولنا ليست هي المقصودة بمقالنا هذا بل قراءة اخرى مختلفة فهي جزء من عملية اكبر ولا يمكنها ان تكون امرا مستقلا بل يجب دائما وضعها في اطار اكبر وإلا تحولت إلى النوع الاول احتفالا اهوج وأحمق ان القراءة التي نتحدث عنها هي قراءة عملية تندرج بالضرورة في اطار مخطط مسبق للقارئ القائم بها كالحصول على درجة علمية مثلا او إجازة علمية أو ضمن عملية بحث علمي يستهدف توضيح وتفسير اليات مشكلة ما او عملية كتابة بحث او دراسة او مقال علمي ؛ علينا قبل البدء في القراءة ان نحدد الهدف منها لماذا نقرا هذا الكتاب بالذات ؟! بل يصل الامر إلى اكثر من هذا: لماذا نقرا هذا الفصل بالذات من الكتاب ؟! او هذه الجملة بالذات الاجابة الواضحة على هذا السؤال هي ما يحول القراءة إلى نشاط مفيد وممتع للقائم به (10) وفقدان هذا الحافز سوف يحول عملية القراءة تلقائيا إلى شئ غير مجدي يمكن قطعه او تركه ومن ثم تتحول إلى شئ ممل او رتيب لذا عليك ان تتذكر :

(حدد الهدف قبل الشروع في أي قراءة)

والهدف بالطبع لا يمكنه ان يكون امرا عارضا او تافها في حياتك بل انك اذا حددت هدفا ثم شرعت في القراءة ثم تركتها فاعلم ان هذا اختبار لمدى جديتك في اختياراتك وان الهدف الذي حددته كان شيئا عابرا ولم يسكن كل نفسك !! ولقد مر بي في حياتي الكثير من حالات القراءة الفاشلة غير المستكملة القراءة التي لا تخرج ثمارا سواء معي شخصيا او مع اصدقاء كنت قد عرفتهم قراءة غاب عنها الدافع والحافز ففشلت وانتهت إلى لا شئ فمثلا في احدى سنوات الثمانينات سنوات الهدوء العظيم قررت دراسة اللغة الايطالية فانتهت بنجاح كبير ولافت لم يجاوز حدود حفظ جملة واحدة من الكتاب (لا لينغوا ايتلياني فاتشيلي: اللغة الايطالية سهلة!)فقط ثم ظل الكتاب مفتوحا على الفراغ الكبير بينما اليوم و انا اكتب هذا المقال اعرف ان سبب الفشل هو ان الايطالية كانت محاولة للزينة الفارغة من قبلي فلم تكن شيئا لازما و ضروريا او حتى متصلا بشي اخر في حياتي لم تكن اكثر من زيادة عابرة في ديكور المثقف !! وبالعكس فأنني اليوم اتذكر ان الكثير مما كتبته من مقالات او دراسات كانت قد بدأت قبل تفكيري الجدي بها على هيئة ملاحظات عابرة على هامش كتاب كنت اقراءه و قد مر بي خلال عضويتي في مختبر بنغازي للسيميائيات   2006 م وبدايات مختبر القصة  2016 م الكثير من الاشخاص اللذين جاءوا ليشاركوا في فاعليات المختبرين ثم لم يكملوا لان القراءة لم تعن لهم شيئا .وإذا فالصياغة المنفية للقاعدة هي :

(لا تشرع في القراءة قبل تحديد الحافز والدافع)

2.القاعدة الاستراتيجية رقم 2:

                           ضع خطة مسبقة للقراءات

لا يمكن لقراءة مثمرة او مفيدة ان تمضي خبط عشواء لا ينير ليلها نور دليل بل كل قراءة مثمرة هي بالضرورة قراءة منظمة مسبقا أي ان تكون ضمن جدول محدد من حيث الوحدات ومن حيث التدرج الزمني والفكري أي ان تحدد مسبقا جملة من عناوين الكتب التي سوف تدرسها في تخصص محدد وهذا يعني انك قد تجرب اكثر من كتاب حول موضوعة واحدة حتى تستقر على الكتاب الاقرب اليك أي ذلك الذي تستوعب ما يقوله فيه مؤلفه دون بذل جهد زائد عن الحاجة ذلك الكتاب الذي تستمع بقراءته على ان يحتفظ هذا الكتاب بخاصية هامة جدا هي : جدة معلوماته فإذا توقفت جدته خفت متعته (11) ثم تنتقل إلى الكتاب التالي له في الجدول وهذا لابد ان يترافق مع زيادة في ساعات القراءة لديك .

ومن الامور الهامة في وضع الخطة هي مسالة اننا بمجرد وضعها والبدء في تطبيقها نحصل مباشرة على مقياس مادي يمكن عن طريقه احتساب ماتم انجازه وما ننتظر ان يتم انجازه وفي أي مدى زمني سوف  يتم انجازه فلا يعود الحافز والدافع معلقا في فراغ بل مرتبطا بزمن في الانجاز وقابلا للقياس ..؛ ومن مشاهداتي وخبراتي في الحياة فإنني رأيت كثيرين يقرؤؤن بنهم لكنهم لا يستفيدون مما يقرؤؤن لان خطواتهم مبعثرة لا شئ فيها بني على شئ سابق! اذا فالصيغة السالبة للقاعدة هي:

( لا تقرأ بدون خطة )

3.القاعدة الاستراتيجية رقم 3:

                          حافظ على قراءتك العشوائية

يميل الكثير من الاساتذة والمعلمين إلى منع طلابهم من تبديد طاقاتهم القرائية في كتب لا علاقة لها بالمنهج الدراسي بينما ارى انا ان هذا الامر غير عملي فليس بإمكان الاستاذ منع القراءات العشوائية بشكل تام وكامل اذ ليس باستطاعته مراقبة الطالب طوال الوقت اذن علينا تغيير هذه النظرة الكلاسيكية و تحويلها من اعاقة إلى استثمار يدعم الخطة المحددة للقراءة ومدخل هذا الاستثمار هو التوزيع الزمني للقراءات فعلى القارئ الذي يريد تحويل قراءته إلى قراءات مثمرة ومنتجة ألا يلغي القراءات العشوائية نهائيا بل عليه الحفاظ على بعضها ولكن وهذا شرط في غاية الاهمية عليه حصرها في نطاق زمني اضيق من السابق أي ان عليه ان يسمح تدريجيا للقراءات المنظمة والمخططة مسبقا ان تتوحش زمنيا وبالتدريج على غيرها من القراءات وان يراقب بحرص هذه المسالة حتى ينجح في ضبطها تماما فالحفاظ على القراءات العشوائية امر مفيد فبالإضافة إلى تغيير جو الجدية والالتزام والصرامة وتجنب التكرار تشير الدراسات الحديثة  إلى قدرة ما نتعلمه من اشياء جديدة على تحريك وتنشيط العصبونات (12 ) وهي خلايا صغيرة تنتشر في المخ.ومن الثابت ان تنشيطها يساعد على تحسين التعلم.

ومن تجاربي الحياتية فإنني اتذكر الكثير من معضلات الكتابة حلت نفسها بهذه الطريقة أي بترك الكتاب الرئيس المدرج ضمن خطة القراءة والانتقال إلى قراءة اخرى تبدو عشوائية ولا علاقة لها بالخطة مما يعطي للمخ فترة راحة ضرورية يتم اثناءها بهدوء اعادة ترتيب وتجميع المعطيات والمعلومات فيظهر حل المعضلة من خلف دخان الغموض السابق اذا فالصيغة السالبة للقاعدة رقم 3 هي:

(لا تلغي كل قراءتك العشوائية بل قللها فقط )

4.القاعدة الاستراتيجية رقم 4:

                                       تعاون مع المؤلف

عليك في كل قراءة لأي كتاب وقبل ان تشرع في القراءة ان تعطي مساحة كافية للمؤلف لعرض وجهة نظره كاملة أي ان تؤخر رد الفعل ألانتقادي اليك وقد ينفع ان تسجل نقدك على ورقة ومن ثم تنساه قدر الامكان وتندمج في لعبة المؤلف ولو مؤقتا قابلا مقدماته محاولا الرضا بالسير معه في طريقه الذي يختطه وإلا فانك تغامر بفقدان القدرة على فهم مجمل الكتاب؛ لأنه اذا تعمد شخص ما تفسير اقوال شخص اخر بطريقة سيئة فانه سينجح بسهولة في ذلك فقد يكفي تغيير ترتيب حرفين لينتقل معنى كلمة من مجال إلى اخر (انظر مثلا : طب ؛بط) لذا فأي فالرسائل المنقولة بين طرفين ايا كان شكلها ومادتها مرتبطة بتعاون الطرفين في تسهيل عملها ويمكن هنا الرجوع إلى الشروح العديدة لمخطط جاكبسون لعملية الاتصال (13).

ثمة حالات كثيرة شهدتها وشهدت عليها تم فيها اهدار اقوال المؤلف بسبب اقتناع طرف من اطراف الحديث عن تقبل أي تعليق من المرسل المؤلف (14).

كتجربة مفيدة يمكنك محالة ان تكف مشاعرك الغاضبة عن العمل ضد عدو من اعدائك وان تشرع في تذكر اقواله كما هي صدقني انك اما ستجد وجها للصدق في اقواله او على الاقل ستعثر لتفسير واضح لسبب العداء بينكما.

اذن فالقاعدة بالصيغة السالبة هي:

( لا تغلق اذنيك وقلبك عن اقوال المؤلف)

5.القاعدة الاستراتيجية رقم 5:

                                 غير استراتيجيات التعامل كلما امكن ذلك

هذا مبدأ عام جدا وهام جدا ؛لأنه لا يتعلق بالقراءة فقط بل بمجمل السلوك البشري في مراحله المختلفة فحين يكون الانسان صغيرا في السن أي في حوالي السادسة يشرع في تغيير استراتيجيات التعامل مع المشكلات (15) ولكن مع امتداد العمر يقل معدل اجراء التغييرات في الاستراتيجيات وتميل إلى الثبات ويصبح التغيير نتاجا فقط لشدة ضغط العوامل الخارجية  وقد لا يكون تغييرا إلا في حجم السلوك الظاهر فقط مما يعني خسارات كبيرة فادحة كان يمكن تلافيها بتغيير في استراتيجية المقاربة ؛لذا من المهم في حالة القراءة بالذات حيث تقل الضغوط الخارجية إلا من حيث الاعتبارات العامة المجتمعية عليك ان تتذكر دائما ان هناك امكانية دائمة وتكسبك الكثير من المرونة في التعامل هي في اعادة موضعه القراءة عبر اعادة التفكير في موضعه الكتاب اصلا و اعادة ترتيبه ضمن كتب اخرى كان يبدو ان لا علاقة تجمع بينه وبينها !! أي اعادة ربط موضوعات بدت لأول وهلة متباعدة ومتباينة  لا رابط بينها مما يتيح للقارئ ان يعيد استخدام معلومات الكتاب في مجالات كانت تبدو بعيدة عنه او ما يسميه جيل دولوز (خط الهروب)(16)ومن المعروف ان ثبات مبدأ التعامل والسلوك يؤدي مع طول المدة إلى ثبات الوصلات بين خلايا المخ وه ما نطلق عليه عادة (السلوك المحافظ) او التقليدي لكبار السن (17) والعكس صحيح فالحفاظ على مرونة المواقف وتبديل الاستراتيجيات بكثرة يعني انشاء وصلات جديدة بين الخلايا المختلفة وبالتالي قدرة اكبر على التفهم و التعلم وهو ما نسميه الموقف المنفتح من الحياة.

اما من ناحية تجاربي الحياتية فان قصتي مع كتاب البنيوية للعالم السويسري جان بياجيه دالة في هذا المجال … اذ اشتريته في اواسط التسعينيات رفقة احد الاصدقاء واستغلق علي فرميت به على الرف ثم حين عاودت قراءته عام   2004 م بتعليمات الاستاذ محمد عبد الحميد المالكي اتفتح وصارت قراءته سهلة ميسرة و اول تعليمات الاستاذ محمد كانت ازاله الفاصل الذهني الوهمي في تعاملي مع الكتب بين كتب اعتبرها ضمن مقاربة الادب و اخرى مخصصة للعلم واعتبار كتاب البنيوية كتابا علميا لكنه قادر  على ان يلعب دور الاداة المفيدة في مقارباتي للأدب !! ثم قراءة الفصول التي امتلك لها تأهيلا مسبقا ونسيان فهم كل الكتاب فهذا وهم عابر !! اذن فالصيغة السالبة للقاعدة الرابعة هي:

             ( لا تلتزم استراتيجية واحدة في قراءة كتاب ) (18)

reading-glasses-lying-on-open-book

6.القاعدة الاستراتيجية رقم 6 :

                          ( اختر وقتا مناسبا للقراءة ثم ثبته)

علينا قبل الشروع في القراءة ان نفهم امرا في غاية الاهمية وهو ان القراءة العلمية المتخصصة ليست مجرد متعة فقط بل ايضا مجهود ذهني قوي مرهق للدماغ لذا سيحاول الدماغ التهرب منه بكل الطرق الممكنة ليعود إلى حالة السبات والراحة الاقل كلفة و الاقل مجهود و الاكثر اعتيادا (19) لذا فان مسالة اختيار الوقت الملائم للقراءة هي امر في غاية الاهمية والخطورة ومن المعروف ان اغلب تصرفات البشر تجري بسبب الاعتياد عليها وممارستها بشكل يومي ومن المعروف ان البشر يواجهون دائما صعوبة في تغيير سلوك يومي لهم لذا فان اختيارك لوقت محدد من اليوم للقراءة هو ضرورة وليس مجرد اختيار ومن ثم فان تثبيته يعمل على تحويله إلى سلوك يومي يصعب لاحقا تركه الامر اشبه بتدريب العضلات كلما طال كلما افاد .

ومن تجاربي الشخصية لا تصلح الاوقات التي تلي بذل المجهود الذهني او البدني للقراءة بل يفضل الاوقات التي تلي الراحة والنوم كالقراءة بعد نوم ليلة كاملة هادئة او بعد نوم القيلولة والقاعدة بصيغتها السالبه هي:

( لا تقرأ وأنت منهك ومتعب)

  1. القاعدة الاستراتيجية رقم 7:

                                   (عليك بتكميم فترات القراءة)

لا يمكن للمخ ان يعامل مثل كوب ماء يملا حتى حافته فيحتفظ بما فيه إلى حين استخدامه الامر اكثر تعقيدا من هذا المثال حيث ان عملية استقبال ومن ثم تخزين المعلومات في الدماغ تحتاج إلى حدوث شرط اولي يجري كله في المخ وهو توافق افراز عصبونين من العصبونات المنتشرة في المخ ؛ وهذا يعني ان التخزين لا يحدث دائما بتلقائية تامة وسهولة كصب الماء وبمجرد المرور بالعين على الكلمات لذا يجب مراعاة ذلك وعدم انتظار حدوث التخزين بشكل الي دائم مما يعني اننا قد نعيد قراءة فقرة مرة او اكثر او نجتازها ونعود اليها فيما بعد ؛ وتكميم فترات القراءة يعني ان لا تكون فترات القراءة متصلة بل تكون منفصلة وبينها فترات راحة  فيمكن لجلسة في بدايات الاعتياد على القراءة ان تكون الجلسة فقط لمدة نصف ساعة ومن ثم راحة بسيطة لخمس دقائق او حتى ربع ساعة ثم استئناف القراءة لنصف ساعة اخرى بحيث لا يتجاوز مجموع الجلسة كلها ساعتين في اليوم الواحد ومن ثم نزيد الفترات تدريجيا  إلى حد الاعتياد و يستثنى من هذه القاعدة طبعا طلاب المدارس والمعاهد الدينية فهم منذ صغر سنهم يعتادون الدرس الجاد لساعات اطول ودون أي انقطاع او كما يقول استاذنا محمد عبد الحميد المالكي نقلا عن تراثنا في الدرس (العلم يبي تكتيف رجلين) وهي عبارة متوارثة للدلالة على ما يتخذه طالب العلم من استعدادات للدرس والتي تصل هنا إلى ان يقيد رجليه ليبقى جالسا يقرأ دون أي حراك او تلك النكتة التي تداولنها في بدايات سنوات الالفين عن احد الذاهبين إلى روما يسال عن الماركسيين فقيل له انظر اولئك الرجال ذوي المؤخرات الهائلة هم البارتيزانو(اعضاء الحزب الشيوعي) والمؤخرات الهائلة دلالة على كثرة الجلوس للقراءة طبعا!!اذن فالصيغة السالبة للقاعدة السابعة هي:

(لا تجلس للقراءة اكثر من نصف ساعة ان كنت مبتدئا !!..)

  1. القاعدة الاستراتيجية رقم 8:

                         (عليك ان تنتظر مرور الزمن اللازم للفهم وقبله ان تنتظر مرور الزمن اللازم للتمكن من الاستراتيجية)

ثمة وجهان لهذه القاعدة؛وجه يتعلق بمعضلة الفهم ومن هذه الناحية نحن بانتظار مرور الوقت اللازم حتى تنقدح في الذهن صورة الفهم والانتظار هنا متصل بمحتوى المادة المقروءة فقد تحتاج إلى مواد اخرى سابقة عليها او لشروحات وتفصيلات ونماذج وأمثلة او حتى انتظار القدرة على تجريدها !! والوجه الاخر للقاعدة؛ هو ان ايا من الاستراتيجيات المتبعة في تحسين القراءة لا يمكن ان تعطي نتائج فورية تلقائية بل يجب انتظار تشكل قدرة القارئ على التمكن من الاستراتيجية نفسها واستعمالها (20).

ومن تجاربي في الحياة ثمة امرين يعبران عما كتبته اعلاه فأحيانا اكون سائرا على الطريق السريع شاردا فيبدأ المخ في العمل و في تحليل معلومات سبق تلقيها منذ زمن فيربط موضوعات افاجأ تماما بترابطها ويكشف ثغرات لم اكن منتبها لها بل ربما تذكرت موضوعا سبق وخزنته قبل سنوات ليمتزج بمعلومات لم تصل إلا البارحة او وهذه هو المهم ان تقترن في الذهن في تلك اللحظة حادثة عشتها شخصيا او عاشها شخص عرفته بمعلومة قراءتها فقط بالأمس اذن فالقاعدة الثامنة هي:

( لا تستعجل حدوث الفهم … فسيحدث بتوقيته هو!)

  1. القاعدة الاستراتيجية رقم 9:

                       (خصص فترات لإعادة التفكير في امرين : محتوى المادة المقروءة وطريقة القراءة)

لا يمكن ان تستمر القراءة بشكل دائم فلابد ان تتخللها فترات للتفكير الحر غير المقيد وفترات ملاحظة الحياة لربط ما هو نظري بما هو حي وعملي وفترات التوقف هذه قد يحدث فيها نوعان من انواع التفكير الحر المنطلق وهذا مفيد وتفكير اخر انصح به بشدة او التفكير عبر كتابة كل ما يخطر على بالك في اوراق او على جهاز الكمبيوتر بدون ادنى قيود والطريقة الثانية هي الاكثر افادة لأنك عندها ستختبر بنفسك مدى تماسك وترابط افكارك وهذا يعني ايضا انك تختبر مدى استفادتك من قراءتك ويمكن في النوع الثاني للتفكير وهذا من مميزاته استئناف التفكير في أي فترة لاحقة من حيث توقف في اخر مرة .. اذن فالصيغة السالبة للقاعدة التاسعة هي:

( لا يمكنك ان تستمر في القراءة دون تقييم ومراجعة)

  1. القاعدة الاستراتيجية رقم 10:

                            (اقرأ ما تحب و ايضا ……….ما تعرف !!)

لكل انسان حدود لقدرته العضلية تتناسب مع العمر والتدريب وحجم الجسم؛ وهذا المبدأ نفسه ينطبق إلى حد كبير على عملية القراءة؛ فلكل انسان موضوعاته المفضلة التي سبق وخزن معلومات عنها وعن طرق معالجتها وقد لا تكون هي نفسها تلك الموضوعات التي يحبها لذا عليه بعد مرور فترة كافية من الوقت( من ستة اشهر إلى سنة اقترح) ان يعيد تحديد الموضوعات التي يحب القراءة فيها وعنها؛ وهل هو فعلا مؤهل لهكذا قراءة وثمة مؤشرين يمكن فحصهما لمعرفة هذا الامر المؤشر الاول : مدى غموض او وضوح الكتاب المقروء والمؤشر الثاني: هو مدى الرغبة في الاستمرار في القراءة كلما تضاءلت الرغبة كان الكتاب خارجا عن حدود قدرتك فتكون الصيغة السالبة للقاعدة العاشرة هي:

(لا تقرأ إلا ما تستطيع فهمه ولو بعد حين)

*خاتمة الجزء الاول:

هذه عشر قواعد استراتيجية للقراءة تضمن حدوث عملية قراءة مثمرة ومفيدة ولكن سؤالا لا يزال لم يحصل على اجابة بعد وهو هل الفهم امر يحدث بتدريج منتظم لكن بطئ ؟! ولا تزال هذه القواعد ايضا تحتاج إلى الكثير من التقنيات الصغيرة الملاصقة التي تدعم عمل الاستراتيجيات وهذا ما سوف يجري بيانه في الجزء الثاني.

الاحالات:

1.محمد عبد الحميد المالكي؛ تقنيات القراءة الحديثة؛ نسخة ورقية مطبوعة ؛ يمكن الحصول عليها في الشبكة على الرابط التالي: https://www.facebook.com/notes/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%85%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%8A/-%D9%85%D8%AD%D8%A7%D8%B6%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%82%D9%86%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB%D8%A9-%D9%84%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%88%D9%84/455612927854136/

بتاريخ 15 اغسطس 2016م.

2.محمد بن ابي بكر الرازي؛ مختار الصحاح؛د.ط(دار ومكتبة الهلال؛بيروت ؛ لبنان؛1988)؛ ص 526.

  1. جمال الدين ابن منظور؛ لسان العرب؛مجلد اول؛د.ط؛ (دار صادر ؛ بيروت ؛ لبنان ) ؛ ص 128.

  2. طاهر الزاوي؛ مختار القاموس؛ د.ط؛ (الدار العربية للكتاب ؛ ليبيا-تونس) ؛ ص 494.

  3. الرازي؛ مختار الصحاح؛ مصدر سابق؛ ص 513 .

  4. الزاوي؛ مختار القاموس؛ مصدر سابق؛ ص 485.

  5. // ؛//؛ ؛//………………………ص 229.

  6. الرازي؛ مختار الصحاح؛ مصدر سابق؛ص 222.

  7. مجموعة مؤلفين؛ المعجم الوسيط؛مجمع اللغة العربية بالقاهرة؛د .ط؛( القاهرة ؛ مصر )؛ ص 324.

  • سوزانا ميلر؛ سيكلوجيا اللعب؛ترجمة:حسن عيسى؛د.ط(سلسلة عالم المعرفة رقم:120؛ المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب؛ الكويت؛ديسمبر 1987م) ص 19؛ ص 23.

  • سوزانا ميلر ؛ مصدر سابق؛ ص 135.*محمد طه؛ الذكاء الانساني: اتجاهات معاصرة وقضايا نقدية؛د.ط( سلسلة عالم المعرفة رقم 330؛ المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب؛ الكويت؛ اغسطس 2006 م)؛ ص 203.*النسخة العربية لمجلة العلوم الامريكية ؛ مجلد 24؛ عدد شهري يونيو ويوليو 2008 م؛ مقال كود الذاكرة.

  • سوزانا ميلر ؛ مصدر سابق؛ ص63 . حيث تتحدث عن اللعب الذي ليس له هدف وفي ص 108 حيث تتحدث عن حل المشكلات بعد فترة من اللعب العبثي؟

  • عبد السلام المسدي؛ الأسلوبية و الأسلوب: ؛ط ثالثة ؛(الدار العربية للكتاب؛ليبيا- تونس؛1982 م)؛ص 158.

  • تعتمد هذه الفقرة بالكامل على نقاشات وأحاديث ثنائية جرت بيني وبين استاذي محمد عبدا لحميد المالكي وعلى مرجعية احداث لا اذكرها هنا تجنبا للصراعات بشأنها.

  • محمد طه؛ مصدر سابق؛ ص 204.و انظر ايضا : جيمس مكا و اورورا ليبورت ؛تذكر الماضي كله ؛في مجلة العلوم الامريكية (طبعة عربية)؛ مجلد 30 ؛ عدد 9؛10 سبتمبر واكتوبر ؛2014 م؛ مؤسسة الكويت للتقدم العلمي؛ الكويت)؛ ص 56.

  • جيل دولوز؛ كلير بارني؛ حوارات في الفلسفة والأدب و التحليل النفسي والسياسة؛ ترجمة: عبد الحي ازرقان و احمد العلمي؛د.ط(دار افريقيا الشرق؛ الدار البيضاء؛ المغرب؛ 1999م)؛ ص 12.

  • جيل دولوز ؛ فيلكس غيتاري؛ ما هي الفلسفة؛ ترجمة مطاع صفدي؛ ط اولى؛(المركز الثقافي العربي ؛الدار البيضاء؛ المغرب؛مركز الانماء القومي؛ بيروت؛ لبنان؛1997 م)؛ص 221.

  • احمد الحسين التهامي؛ مقال عن البنيوية: في بعض اليات التعلم؛ موقع مختبر القصة القصيرة: https://sites.google.com/site/shortlibyanstory/ten-1

؛ بتاريخ :15 اغسطس 2016 م.

  • محمد عبدا لحميد المالكي؛ مصدر سابق.

  • محمد طه؛ مصدر سابق؛ ص 204.

    ______________

    أحمد الحسين التهامي: كاتب، معد برامج إذاعية؛ كاتب سيناريو؛ ناقد فني؛باحث في تحليل الخطاب والعلوم السيميائية ؛ محرر صحفي.

 

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *