*خليل قنديل
ما من أحد يستطيع أن يُخمن الوقت الذي درج فيه الكتاب بوضع مفاتيح ومقدمات تنويهية لكتبهم ومؤلفاتهم، وما من أحد يستطيع وضع التبرير المناسب والعميق لمثل هذه الظاهرة التي ترسخت في التاريخ الأدبي للكتاب المطبوع؛ بحيث تحولت إلى ضرورة من ضرورات الإضاءة على مضمون الكتاب ومحتوياته.
لكن بقليل من التأمل العميق سنكتشف أن المقدمة التنويهية لأي كتاب هي بمثابة «الفخ» الذي يوضع للقارئ كي يتم جلبه مخفوراً وممغنطاً باتجاه المادة القرائية، وهذا يعني ببساطة أنه ربما تكون بقليل من العمق في القراءة أن المقدمة هي رشوة قرائية بامتياز تقدم للقارئ كي تستعجل وقوعه في أفخاخ النص المعرفي وتأويلاته.
فالمقدمة ذات اللغة الدسمة يمكن أن يكون كاتبها من الأعلام في الأدب، بحيث تكون بمثابة الطُعم الناجح في اصطياد القارئ، وفي هذا الإطار يمكن الجزم بأن العديد من العلاقات بين المبدعين كان يحكمها الوعد بكتابة المقدمة لهذا الكتاب أو ذاك.
وفي هذا الإطار، كالعادة، يتم البحث عن رموز إبداعية ذات حجم كبير لتكتب المقدمة، وبالتالي تسويقه، ذلك أن هذا المقال من هذا المقام. لكننا سنلاحظ أن مساحة المقدمة ستتسع إلى الدرجة التي تتحول فيها المقدمة إلى فصل كامل يمكن أن يضاف إلى الكتاب. وكثيراً ما يحدث مثل هذا، خصوصاً إذا كان كاتب مقدمة الكتاب هو المؤلف ذاته؛ ليتحول مضمون الكتاب إلى مادة تعريفية وتجميلية للكتاب.
قاعدة ثابتة لمعيار المقدمة أنه يمكن للمقدمة التعريفية التي يكتبها الكاتب أن تختزل بطريقة شعرية مضغوطة لتختزل في الإهداءات في جمل سمينة الحروف وسميكة المعنى، لكنها في النهاية مُستلة من بطن النص، محاولة التسلل إلى مساحة المقدمة، وهي تعي فشلها المسبق.
وعودة على بدء نقول إن النص المعافى لا يحتاج إلى أي حماية أو وصاية من أي مُريد، لا بالمقدمات ولا بالتمهيدات فالنص الصادم قادر على أن يحمل أوراقه الثبوتية معه، وأن ينقذف باتجاه عين القارئ ليصدمها على طريقته وليمنحها شكله الذي يريد، وأيضاً الأثر الذي يريد.
وهذا يعني أن إضافة حراشف لغوية للنص تثقل همته وتعيق حركته، وفي هذا المجال يمكن التأكيد على العديد من الكتب والمؤلفات التي أثقلتها الحواشي وسماكة التقديم ولثغة اللغة لتعيق ارتياحها في جلستها اللغوية والمعرفية.
وفي مجالات حربائية أخرى، نلحظ أن إعجاب الكاتب المترجم بالنص ليندغم فيه فيصعب على القارئ التمييز بين النص الأصيل، والنص المترجم؛ بحيث نلحظ أن لغة الإعجاب في النص الأصيل قد تجاوزت النص لتتحول إلى نص إضافي، ويمكن هذا من خلال ترجمات المنفلوطي الذي تعود معظم كتبه إلى مؤلفات غربية قام بترجمتها بتصرف، في ما يشبه عملية سطو على النصوص الغربية مثل رواية «الفضيلة»،
وهكذا نلحظ أن العديد من الاحتيالات احتملها النص الأدبي ولايزال.
_______
*الإمارات اليوم