بريد السماء الافتراضي..حوار مع سيلفيا بلاث (1932-1963 )


*أسعد الجبوري


خاص ( ثقافات )

على امتداد ذلك الشارع الطويل،كانت المصابيح تئنُ وسط ضباب كثيف ،لتبثَ نوراً خافتاً،قد يقللُ من شأن عتمة الليل .طقسٌ قليلُ الضوضاء.كأن ساعة بيغ بن نائمة أو مخمورة بعض الشئ.لكن الملفت للانتباه هي طقطقات سكربينة الشاعرة سيلفيا بلاث التي كانت تمشي بكلِّ تُؤَدَةٍ ،وهي ممسكٌ بذراع ابنها الوحيد نيكولاس، الذي انتحر في منزله في ولاية ألاسكا ،بعد أن ضربهُ مسّ من جنون النوستالجيا للالتحاق بأمه.


سكربينةٌ حمراء مع أحمر الشفاه مع لبان يتقطعُ ما بين الفكين مع باروكة من الشعر الأرجواني الفاقع ،هي كل ما في ذلك المشهد الغرائبي. صورة نادرة مثيرة لسيلفيا بلاث.

كان الاثنان يمشيان موزعين على المارة والأشجار والحيوانات والطيور أوراق من كتاب ((رسائل عيد الميلاد)) وهما يقهقهان بنشوة بخارية،ربما لم يبلغ مرحلتها أحدهما على الأرض.لكن الأمور لم تمضِ على ذلك المنوال،إذ سرعان ما يمتطي الابنُ نيكولاس مخلوقاً شبيهاً بالنعامة،تاركاً الأمَ سيلفيا وحيدةً وهي تجلس على مصطبة من القماش المورّد بالأبيض والأسود والأحمر.
ما أن تقدما خطوة من الشاعرة سيلفيا بلاث ونحن نحمل باقةً من ريش طاووس،حتى أخذتها منا ضاحكةً، وهي تقول:هذا ما كان ينقص تلك الطفولة.فقرأنا ما في الباطن على الفور وطرحنا عليها السؤال : 

■ كيف كان مذاقُ الطفولة في حياة سيلفيا ؟
ـــ لم يكن حسناً بالتأكيد.كان مذاقاً أعمى لا أكثر ولا أقل.
■ هل نفهم من هذا أن سيلفيا ،ولِدتْ طفلةً بروحٍ مَشُوبة بالخوف والصدأ على سبيل المثال؟! 
ـــ نعم.وربما منذ أن ازدهرتْ بصدري الروحُ السوداء في ذلك الوقت المبكر.
■ يبدو أن تشابكاً قد حدثَ ما بين الطفلة القادمة للحياة، وما بين الأب ( أوتو بلاث) الخارج منها منهكاً مريضاً , فتبتر رجله بسبب مرض السكري ويتوفى وأنت في عامك الثامن.هل فشلت بفكّ ذلك الاشتباك المرضي بين الولادة والموت ؟
ـــ هكذا حملتني عربة الموتى مع أبي ،ولم أجد استقراراً .رحيلهُ تسبب لي بمضاعفات من الحزن الحادّ المشوّب بالنار .بعبارة أدق:لقد اكتويتُ بالموت ،ليصبحَ المجرى المعتم لتفكيري، ومن بعد ذلك لشِعري الذي راح ينمو كما الأعشاب في جسدي الصغير آنذاك.
■ كانت تربيتك مسيحية كما نعلم.فلماذا كان الإيمان باللاهوت شبه منعدم،وذلك من خلال رفضك طلب الخلاص من الآلام أو لجلب الراحة للنفس على أقل تقدير؟
ـــ رأيت أن هجرانَ الدِّين كان أفضل من الاتكال عليه.فالموت أقوى من كل الديانات .
■ هل حدثت لك بعض الاختلاطات أو التناقضات فيما يدعونه بالهوية القومية أو الوطنية:أبٌ ألماني.أمٌ من أصول نمساوية.فيما مسقط رأسك في بوسطن الأمريكية.
ـــ لا أعتقد بوجود مشكلة من ذلك النوع.أنا حصلتُ على هوية العدم بشكل مبكر ،كما كنتُ أشعرُ بذلك،لذلك رحت أتصرفُ على ضوء ذلك في مختلف المراحل التي تداخل فيها الموت بالعشق بالكآبة بالخيانة بالكتابة بالاستشهاد الافتراضي الذي كان مقدمة للانتحار. 
■ بالغاز !
ـــ نعم. فـ ((الموت حرفةٌ، وأنا أتقنها بشكل استثنائي)) كما سبق لي وأن قلت.
■ هل الموتُ مساحة أوسع للكتابة برأيك؟
ـــ بالتأكيد.أنا اختبرتُ ذلك من خلال بعض الرؤى التي كانت تلاحقني في أثناء النوم.بل،وطالما ذهبت إلى هناك،لأتحرر من الحياة الضيقة وحروفها الشبهة بالأغصان اليابسة التي سرعان ما تتكسر بين أصابعي في أثناء الكتابة . 
■ وكنتِ تذهبين للموت في رحلات ؟!! 
ـــ قبل أن تتمَ ولادتي على الأرض،كنتُ أكتبُ الشِعرَ هنا .لقد رافقني كبشُ الشِعر الضخمِ منذ بداياتي الأولى للطيران في أوقات العواصف .
■ ولمَ تعتقدْ سيلفيا بلاث الشِعرَ كبشاً، وليس دجاجةً أو نمراً أو دبّاً على سبيل المثال؟
ـــ لأنه الحيوان القربان .الشِعرُ دائماً على باب المذبح،أما أن يقدمَ صاحبهُ ضحيةً، أو يقدمَ نفسهُ قرباناً للسيف العاطفي أو لسكاكين الألم .أنا مدركةٌ لهذا بشكل قوي،لأن الشعر المُضَحى به،هو نفسه الشعر المُضحي من أجل أن تنضج ثمرة المعرفة بامتزاج الدم باللغة.
■ وهل تعتقدين أن اللغةَ مذبحٌ ؟
ـــ بكل تأكيد.اللغةُ مذبحٌ للشيطلائكة.وطالما وجدتُ في أحد زواياه ضريحاً للنوم دون عقاقير.ففي اللغة ،لا تتوفرُ فيها حياة الكلمات وحدها،بل حياة العاملين في غرف التأليف أيضاً.
■ أنتِ تعتبرين اللغةَ مذبحاً للأضاحي،فيما يعتبرها آخرون بمثابة غرفة القيادة في طائرة تحلقُ بمجرى التيار الشعري الرومانسي العاصف .كيف نُقَلّل من مساحة الهاوية ما بين هاتين الصورتين النافرتين المتناقضتين؟
ـــ يحدث ذلك ،عندما يغادرُ الشاعرُ غرفةَ قيادة تلك الطائرة،ولا يشغل رأسهُ، إلا بكتابة اللقطة الأخيرة من لحظة ارتطام المحركات بالهاوية.
■ هل يرتبطُ الشعرُ بالصورة الانفجارية وحدها؟
ـــ أظنُ ذلك. فلمْ تَعُد الرومانسيةُ تتمتعُ بمكانة خاصة في عالم الشعر الراهن.الشعرُ اليوم،وبعد تَهَدّم الجسد ،لم يبق نتاجاً قلبياً خالصاً،بقدر ما صار دولاباً مُلْتَهِباً يشقُ مختلف الطرق،من أجل أن يستكمل مشروع الاحتراق التام.
■ ألا يمكن أن يتم مشروع الشعر بغير الاحتراق مثلاً؟
ـــ لا أظن ذلك.فالاحتراق الشعري،يعني أن يكون نصّ الشاعر مشتعلاً لإنارة الأرواح المُظلمة التي يأكلها عَتَهٌ شيخوخيّ الذي يعني وفقاً للقاموس: ذلك الانحطاط المتسارع غير طبيعيّ للملكات العقليَّة والتَّوازن العاطفيّ عند التَّقدّم بالسِّنِّ نتيجة مرض عضويّ أو خلل في الدماغ يصاحبه اضطراب نفسيّ وتغيّرات في الشخصيّة .
■ ولكن نادراً ما يقع الشِعرُ ضحيةً ذاك المرض.هل تلبسكَ مثلهُ وأنتِ ما تزالين شابة في الثلاثينات؟ 
ـــ لم انتظر أن يقوم َمثل ذلك المرض بافتراسي . عثرتُ في نفسي على خيار آخر:أن أقتلهُ معي انتحاراً بالغاز .
■ هل سبق وأن رأيت الكآبة تشعلُ ناراً بموقدٍ في داخلك؟
ـــ لا. أبداً.أتريد أن تعرف لماذا ؟ حسناً.لقد كانت كآبتي أشبهُ بحِزْمةِ حَطَبٍ تطفو بأوردتي مبللة بالبنزين.ولكي لا أشوش عليها،تركتها تتحرك بحرية ،وإلى لحظة ارتطامها بجبل النار الذي كان بداخلي. آنذاك لم أستطع إطفاء تلك الحرائق غير المرئية في أصِيص جسدي الأعمى.
■ لا نريد أن نفتح بابَ الفرنِ وندخلُ برؤوسنا إلى هناك أولاً.لكن دعينا تصوير فيلم الانتحار بلقطة سينمائية.كيف كنت هناك يا سيلفيا بلاث ؟
ـــ لقد وضعت رأسي ما قبل النار وكفى .
■ هل فضلتِ الاختناق بالغاز ،وتركتِ حفلة الاحتراق بالنار للبعل تيد هيوز ؟!!
ـــ كان تيد هيوز خبيراً بجمال الفتيات الجامعيات.وربما لم يشغل رأسه إلا بتأليف الأكاذيب وربط شريط حذاءه ومسح مرايا الحَمام عشر مرات باليوم الواحد. 
■ هل كان كل ذلك بسبب الخيانات الزوجية مثلاً؟
ـــ يبدو أنه كان يحبُ اللّحمَ المَفْروُمَ بشكل طاغٍ !
■ ولكن المراهقة (متلازمة) الشاعر .ألا تعتقدين بذلك المرض الرومنطيقي أو بتلك المقولة؟
ـــ لا.ليست تلك إلا متلازمة ((داون)) أو البلاهة المنغولية كما أظنُ.وأنا بصدد الكتابة عنها في دفتر القبر.
■ ولماذا في دفتر القبر بالضبط ؟
ـــ لا أعتقد بوجود مكان أفضل من اللحد ،لتدوين ملاحظات عن مراهقة تيد هيوز.
■ ثمة مصارعة كانت بينكما.ولكن لماذا لم تطغِ التغذية الروحية على التغذية الجنسية في حياتكما ،سواء أن كان ذلك في السرير أو في الشِعر؟
ـــ لقد شعرتُ بأن المصارعة التي تتحدث أنتَ عنها،سرعان ما انتقلتْ من فشل الجسدين في السرير إلى مضادات الاكتئاب في اللحم والشعر معاً .لم أتحمل وجودي كقِطعة شَطرنج في المنزل.ولا كرحم للإنجاب.فكان التسمم بأول أكسيد الكربون هو الفصل الأخير من تلك المنازلة مع الشاعر هيوز الذي سبق وأن وقعتَ بغرامهِ حدّ الفتنة.
■ هل تعتبرين موتكِ رسالة إنذار لتيد هيوز ؟
ـــ لا أبداً .بعد التشبع بالغاز،فقدتُ رغبتي بالكتابة إليه،ولم يعد عندي لصندوق بريده من شغف أو من أثر.لقد أدخلتُ تيد هيوز في المجال المظلم .تركتهُ هناك مُفَرّغاً من أية جاذبية.فعلتُ به ذلك عن سبق إصرار،ليس من أجل دفنه بتلال النسيان الرملية ،وإنما من أجل تغيير مجرى كتابة الشعر.
■ هل تعتقد سيلفيا بلاث أن الشاعرات كنّ على الدوام بإرادة من زجاج ؟ 
ـــ عندما ألقي نظرةً خاطفةً على القصائد التي كتبتها ،فأنني لم أر سوى مجموعة قلوب زجاجية محطمة على بلاط من الغرانيت . تلك الصورة المذهلة،أسست في داخلي شيئاً يقينياً،لا يتعلق بالشعر وحده،وإنما بالحيوانات التي تسربت إلى جسدي سراً،ولم أكتشف وجودها إلا بشكل متأخر.
وعندما أتحدث عن الإرادة عندي،فلابد وأن أتناول الزجاج.هكذا كانت إراداتي زجاجية ،وانكسرت بسرعة البرق.
■ هل بسبب ذلك تنهار الجسور ما بين الشاعر وشريكه في اللذة أو في الخراب؟
ـــ لا أعرف بالضبط.ولكن جهازي العصبي كان غزير المياه. شديد الاندفاع،بحيث لم يستطع أكثر من جسر في داخلي من تلافي الانهيار تحت جبروت قوة شلالاتهِ.
■ سيلفيا حاولتْ تلافي صورة الشاعر كمسافر مُتَطّفل بالمجان إلى الموت. أصحيحٌ ذلك ؟
ـــ بالضبط.وكان ذلك آخر ما كان يقلقني من الخوف.
■ ثمة قارئ ينظر إليكِ كمجرمة بحق جسدك أولاً، وثانياً بحق طفليك اللذان كان على مقربة من الموت بالغاز، فيما لو تسرب إلى غرفتهما المجاورة للمطبخ. 
ـــ الموت أتوبيس .يمكن أن يحملَ المرءَ لوحده،ويمكن أن يحمل في الوقت نفسه جميع أفراد العائلة.هناك الملايين من البشر ،يعانون من تَسَرب المياه من السقوف التي ينامون تحتها.ثمة لحظات للانصِراف،لا يمكن الاستئذان بخصوص مواعيدها الحاسمة.
■ يصفكِ بعض النقاد بالشاعرة الاعترافية .ما رأيك؟
ـــ كل الشعر هو اعترافٌ بدرجات.فعندما تنحرفُ بكَ سفينةٌ مع غير ريحكَ،فأنت حرّ بالتعامل معها،سواء وافقت على ذلك الانحراف صاغراً،أو أن تقوم بحفر ثقب في قعرها،لتسلية الركّاب بالغرق .
■ هل كانت خيانة تيد هيوز لك بمثابة خطوة أولى لإعداد القبر لحبكما الذي تكلل بالزواج؟ 
ـــ لا.كان تذكيراً بوجود مدافن على الأرض فقط.
■ والمرأة ((آسيا ويفيل)) التي انتزعت هيوز من حضنك ،ليتزوجها لاحقاً ..هل كانت أكثر ثراءً بالغرام من سيلفيا بلاث على سبيل المثال؟ 
ـــ آسيا هي الأخرى انتحرت. وعندما التقيت بها هنا،شرحت لي أسباب انتحارها بالغاز من بعدي.قالت أن البعل هيوز ،عادة ما كان يقتلُ العصافير في حديقة المنزل،ويحب تربية الأرانب من أجل اللحوم والفراء .
■ وهل قَدّمتِ لها تعزيةً ،تخففُ عنها من أسباب ميتتها الميتة الغازية ذاتها؟ ولماذا قلَّدَتكِ انتحاراً بالغاز؟
ـــبالتأكيد ليس لأن سعر الغاز أرخصُ من عقاقير الموت،بل أن (آسيا ويفيل) فعلت ذلك تضامناً معي.أرادت أن تستنشقَ الموتَ تعبيراً عن المأزق ذاته الذي وجدت فيه نفسها مع تيد هيوز ،بعد أن سَلّمْت له أوراقها،فحرقها الواحدة تلو الأخرى . 
■ لماذا على قارئ شعر سيلفيا بلاث،أن يتوهجَ ذهنهُ بتلك الآلام الصافية ؟ هل كان ذلك بسبب وجودك في عالم مُضادّ لأحلامك؟ 
ـــ لم أثق يوماً بالأحلام قاطبةً.كنت أعتبرها مثل نَهْر جليديّ،كل جيولوجيته مُضادّةٌ للشعر ،ولا تتداخل مع الأرواح الداخلية لي.ربما من خلال تلك الرؤية،أقحمتني الآلامُ بطقوسها الفلسفية،لأكون مثل ثمرة تعتقُ نفسها داخل حوض ممتلئ بمختلف الأنواع من المواد،لتكتسبَ ثمالةً من نوع خاص.ثمالة الآلام غير النظامية أو البهيمية غير المنضبطة أقصد. 
■ قد تكون لحركة البيولوجيا في الجسم الأنثوي علاقة ما بالموضوع .هناك الطمث وتقلّب الهرمونات وطقوس الحواسّ .ألا تعتقدين بذلك على سبيل المثال؟
ـــ الطمث والمزاج وتقلبات الحواسّ،وكل ما تحدثتَ عنه أو لم يأتِ على بالك الآن ،ليس أقوى من تلك الهرمونات المتجرثمة التي تهاجمُ الجسد في لحظة غامضة،لتوقعَ به بصواعقها .أنها مُسْتَحاثات شيطانية،عادة ما تعود إلى أحد أمكنتها القديمة في الجسد،وتطبق عليه قوانينها الخاصة بالكآبة بالانتحار بالقطيعة بالوحدة . 
■ هل كان الشعر عندكِ عائقاً للتحكم بزمن الجسد؟
ـــ الشعرُ والزمنُ كائنان ،كل منهما يخدعُ الآخر من أجل الاستفراد بالجسم الإنساني،وجعل مواقيت ساعتهِ البيولوجية متماشيةً مع الرنين المغناطيسي للمخيّلة.والحقيقة ،أن كل ذلك يجري لمعرفة مباني العالم التي تختفي فيما وراء العدم.
■وهل للعدم مبانٍ،وهو رمز اللاشئ ؟؟
ـــ ليس العدم هو اللاشئ،بل أنه أخطر رجل عصابات الخليقة قاطبةً.بعبارة أدق:العدمُ سُلَّمُ نغم الأرواح الذي لا بداية له أو نهاية.
■ ليس كل ناقدٍ يحفر في مجرى قصائد سيلفيا بلاث ،يجد ذلك العناد الذي لديكِ، العناد الخاص على تلبيس اللغة ثياب الحِداد.هل إصرارك على ذلك،ناجمٌ عن إدراك فني أو حقيقي، أن الكلمات المحزونة،أفضل من تلك التي تخرج بالمايوه أو بالمني جوب أو بفساتين الزفاف ؟ 
ـــ لم أعتبر نفسي كتاباً لا تنمو كلماته في الخارج، إلا بمراجعة أو عرض في النّقْد الأدبي.أنا اسخر من ذلك .وملابس الحِداد التي تحدثت عنها،كانت من اختيار الكلمات ذاتها.لم تضطرني اللغة يوماً أن أقوم بخياطة ثياب هذه الصورة أو تلك الجملة الشعرية.فمثلما أنا عارية من ورقة التوت شعرياً،أصبحت قصائدي تُحسن استعمال العَري أو الأقمشة السوداء أو الملونة. 
■ هل صدف يوماً،وقمت بحمل صخرة سيزيف؟
ـــ نعم.لقد حملتها كثيراً دون تحقيق نصر.لذلك أسقطتها بداخلي في آخر مرّة .
■ هل أسقطتِ الصخرةَ لصعوبة حملها إلى أعلى الجبل مثلاً؟
ـــ لا.وإنما أردتُ أن يتَمرّن على حملها من كان يعيش بداخلي. 
■وهل وِجدَ تيد هيوز هناك ،ليحمل تلك الصخرة فقط؟
ـــ أليس ذلك أفضل من أن يقوم بفتح أبواب الجحيم، وممارسة التحريض على الموت؟!!
■ ألا تعتبرين كتابه “رسائل عيد الميلاد” للشاعر “تيد هيوز” نوعاً من الاعتراف بالخطيئة أو بالذنب الذي اقترفهُ ذلك الزوج الغول بتدنيس حبك التراجيدي ؟
ـــ لا يمكنني البَتَّ في أمر كتاب هيوز.قد تكون تلك الرسائل خلاصة ندم أو عذاب باهظ الثمن على تَهَورّهِ الأخلاقي وكثرة انحرافاته؟أنا في كلّ الأحوال، لا أحبّ الرسائل الجنائزية ولا طقوس الشعر الأعمى.
■ ولكنه الشغف الذي قد لا يُعِدّ خيانة بالمفهوم الفني الشعري .
ـــ عندما يتجاوز الشاعرُ بشغفهِ السرعةَ المُحَدّدة للحبّ ،يستوجب تركهُ حراً ،من أجل أن يتمتع بالسقوط .هيوز في نهاية المطاف ،أصبح بعلاً للهاوية. 
■ يا لها من قسوة أن تتحدث العاشقةُ سيلفيا بلاث عن تيد هيوز بهذه الطريقة.ألمْ يكن هو بطل كتابك الأول (التمثال) ؟!!
ـــ بالتأكيد .كان هيوز بداخلي وقفز إلى الهاوية كما قلت.فما الذي استطيع فعله إزاء هاربٍ يريدُ الالتحاق بطقوس النسويات ؟هل يتطلب الموقفُ أن اجَرَدَ عشيقاته من ثيابهنّ،وأضعهنّ بحضنه عاريات؟!! 
■ ألا تشعرين بأنكِ خطفتِ هيوز من أحضان كثيرات ،في ذلك اليوم الذي ختمتِ على خده ندبةً سالَ لها دمٌ ؟ ألا تتذكرين ماذا قال هيوز عن تلك القبلة:”تركت في وجهي أثراً لم يمحِ إلا بعد شهر. ولكن، ومن أعماق قلبي أقول إن هذا الأثر هو من أجمل ما حصل لي في حياتي”.
ـــ أنا أردتها ندبةً في قلبهِ،وليس أثراً عابراُ على الخَدّ وحسب.ومع ذلك لم يبقْ شئ .لقد قام بمحو كل أثر ،عندما تركَ البشكير على المغسلة ،وغادر مبتعداً عن البيت،لينمو بأحضان فتيات العطور والماكياج .
■ ومن أجل ذلك أنجزتْ سيلفيا نظرية ((الموتُ فنٌ)) لمحو الجسد ؟
ـــ أجل.فمن أجل رؤية الموت بأشعة إكْس،كان لا بد من الامتلاء بذلك الغاز. 
■ولكن السكربينة الحمراء مع روج الشفاه والعلكة التي تتنقل ما بين الأسنان كزَهْر النَرْد مع باروكة الشعر الأرجواني الفاقع،ربما لا تتناسب مع حكي جهنمي من هذا الطراز؟ فما الذي تنوين فعله الآن في هذي السموات يا سيلفيا بلاث؟
ـــ بعد أن كتبتُ الكثير من الشعر العاري،وكتب مثلهُ آخرون أيضاً ،فأنا بصدد افتتاح دار عرض للأزياء. 
■ هل بسبب وجود مرضى سماويين،لا يتحملون أوزار اللغة العارية هنا؟ 
ـــ بالعكس. فهنا المكان الطبيعي للغة الأجساد المهووسة بالتحولات.لا حاجةَ للتَّوْريَة أو الغموض.المثالي من المخلوقات،هو من يندمج بمجرى النَّشْوَة الإلهية العظمى. 
6-4-2016

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *