رسائل مسلسل سمرقند السرية


*خالد عياصرة


خاص ( ثقافات )
إذا أردتَ أن تمتطي صهوةَ الحُكم في بلادِ العربِ، فَعليكِ أن تَلبسَ ثوبَ الواعظيَن وتَتحزمَ بسيفٍ قاطعٍ ( حسن الصباح – مسلسل سمرقند ) 
لمْ اتعامل مع مُسلسل سَمرقند كعملٍ تاريخيٍ، بل كعملٍ معاصرٍ، يَلبسُ رداءَ الماضَي – لا أريُد العودةَ الى تجربةِ مسلسل دعاةٌ على أبوابِ جُهنم الممنوعِ من العرضِ – من خلال مخاطبة العقل الباطن للجمهور، لإثارة الأسئلةِ لدَيهم، عن مَاهيةِ القضايا التي تُهددُ كيان أوطاننا العربية “ هذا ما له المخرج أياد الخزوز في حواري الطويل معه من دبي عن مسلسل سمرقند، الذي تعرضه قناة ابوظبي الإماراتية.
أبدع الُأردني أياد الخزوز في إخراجهِ لمِسلسلِ سَمرقند، المِعروض حالياً على عدةِ فضائياتِ عربيةِ، كما يبدعُ المؤلف محمد بطوش في معالجتهِ لفترةِ تاريخيةٍ هامةٍ من عمرِ الدويلاتِ الاسلاميةِ، بأسلوبً معاصر مشوق. 
العملُ ذو صبغةٍ تاريخيةٍ، لكنُه يحملُ رسائلً غايةً في الخطورةِ، فالماضيِ لمْ ينتهي، والحاضرُ لمْ يتوقف، والمستقبلُ لمْ يأتِ بعد. 
سلسلةٌ متصلةٌ لا تنقطعُ، كلاً منها امتدادً للأخرى، تشعركِ بدوارٍ في محيطٍ لا متناهيٍ من الفراغ، ما أن تشعرَ بنهايتهِ، حتـى تكتشفِ أن متواليتهُ بدات من جديد.
تتسلسلُ أحداث المسلسل بشكلٍ دراماتيكيِ، من خلال استعراض المخرج لترفِ القُصورَ، ومَكَائدَ النساءَ، وسُحرَ المشعوذين، وصراعَ العُروشَ واللصُوصَ، والأهم صراعُ المَشاريع والأفكار والقادة. 
لكنه بعد الحلقة ٢٠، ينقلب ليبدأ ببث رسائل موجهة للحاضر بلسان الماضي.
أي أن المسلسل الذي يركز على حقبةٍ تاريخيةٍ سَيطرَ فيها السلاجقةِ الاتراك على بلادِ العربِ والمسلمينِ، واَخضعوا فيها الخليفةِ العباسيِ – المُقتدي بالله – لِقُوتهم واَجبروه على دفعِ الضرائِب، ليصيرَ مُجردَ العوبةً في أيَاديهم. 
هي ذاتُ الفترة التي اطلت برأسها الَباطنية الفَارسية مُمثلةً بحسنِ الصَباح ” خادمُ الإمامُ ” القاتلُ المأجور – قائدُ فرقةِ الحَشاشين – لقبٌ أطلقهٌ الرحالةٌ الإيطاليِ مِاركو بولو عليهم – ذاتُ الصبغةِ الفارسيةِ، واعتمادُها نشرَ الفوضى والقتل والتشريد لخدمة مشروعها التوسعي، انطلاقا من الدين الاسلامي وتعاليمه الذي تم تفصيله حسب مقاسات مشاريعهم. 
وكَأنما الخزوز يريد القول: أن سلاجقةَ الأمسُ، هُم أتراكُ اليومَ، وباطنيةَ الصباحَ في الماضيِ، هي تقيةُ وباطنيةُ عصابةَ دَاعشَ ومن يقفُ خَلفها اليوم، والخليفُة العباسُي بالأمس الفاقدِ للمشروعِ وللقُدرةِ علَى تغييرِ واقعِ الحالِ – اللهُمَ عَدا الدُعاء – الخليفةُ الَذي وجدَ نَفسهُ تَأنفُ من الانصياعَ لمشيئةَ المَلك السُلجوقي “ملكشاه “، هو يمثلُ الدول العربية اليوم التي تقف ضدَ المَشاريعَ التوسعيةَ الايرانية التركية في المنطقة، لكنها تفتقُد للمشروعِ الحقيقي لِصدِ تِقدُمهما، لربما أن العصرَ لمْ تتحركَ دواليبه، ولربما أن الحاضرَ ليس إلا صورةً مكررة وانعكاساً للماضي. 
فداعش الإرهابية في افعالها، ليست إلا امتداداً لعصابة حسن الصباح وحاشيته والحشيش، والدولة الإسلامية التي اعلنها الإرهابي أبَو بكر البَغدادي جنةً وعاصمةً في الرقة التي تستورد من مشروب “ الرد بول و حبوب تبتاجون التي يتم استيرادها من تركيا، لجعل المنتسبين اليها بماثبة ابطال خارقين لا ينامون يخضعون للسيطرة عليهم بسهولة تامة، ليستْ إلا قلعةُ “ ألموت “ التي تِمترسِ خِلفِ اسوارِها حسنُ الصباح، هذا الأخير الذي اعتمدَ سياسةٍ براجماتيةٍ، لخدمةِ رؤُيتهِ، فتارةً تجدهُ مع الاتراك، يتعاون معهم ليتمكنِ من الوصولِ الى مبتغاه، وتارة ينقلبُ ضدهم لصالحَ فَارسيته، وفكرَة الإمامة التي تُسيطرُ على عقلهِ. لاجل ذلك كان لابد من تسخيف افكار التنظيمات الارهابية التي تتخذها لتجنيد الشباب لصفوفها، من خلال مخاطبه عقله الباطن، بحيث يانف منها الجمهور المتلقي لسخافتها فيرفضها ويعمل على مواجهتها. 
المسلسلُ دعوةٌ حقيقيةٌ للمضيَ في تعاطيِ الحَبِ والحَياة التي حَملَ شُعلتها في المُسلسلِ الشاعر والفلكي عُمر الخيام، مقابلَ الإرهاب والقتل والإستعباد والتشريد والسَطو على أمن المواطنين واستقرارهم التي يرفع مَنجلها ُحسن الصَباح وفرقته الإرهابية.
دعوةٌ للخيرَ مقابل الشر، للتشاركية ضدَ الفردية، رسالة للحكام وضروَرة استمداد قُواهم من رضا الشُعوب واسِعادها بواسطة الاعتمادِ على رجالٍ بقيمةِ ودهاءِ ودرايةِ وحِنكةِ نظام المُلك – يمكنُ اعتباره نِظامُ المُلك مِيكافئلي عصره – لا بِاسَتخدامِ اللصوص وقطاعَ الطرق، لا برفع الاسعار والضرائب، وتكميم الافواة. لربما أراد المخرج في هذهِ الجزئيةِ القول: إن رفعَ الاسعارُ و زيادةَ الضرائبِ والتضييقِ على الشعوبِ، طريقٌ للإرهاب وتشريعهِ.
دعوةٌ لدعمِ العُلماءِ والادباء واصحاب الرسائل السامية التي تُخاطبُ العقلَ وترفُع من َشآنه في سبيلِ افادةِ الناس، لا من خلالِ تَفقيرهم واستعبادهم في سبيلِ تكديسِ الاموال، دعوة لمشاركةِ الجميع شؤونِ الحكمِ والادارة، لا بتِزويرها، و حَصرها بيدِ عَوائل مستفيدة مُلتصقة بالملوكِ والامُراء والرُؤساء تَسُتغل مَناصبها لمصالحها. 
اخيرا: في كلِ عصرٍ ثمَة إرهابيِ كَحسن الصباح، يلبسُ لباسَ الدين لِنشرِ تَعاليمه، وفي كل عصرٍ هناكَ عمرُ الخيامُ الَذي يَسعى بالخيِر بينَ الناس تَحقيقا للهدفٍ السامي من الحياة.
محُتلون مُسَتعمرون هُناكَ، يَرحلون لا يَتركونَ خلفهم إلاَ الرعَب والدُماءَ، في كلِ عصرِ هناك عقولاً تنيرِ الطريق من جديد للبناءِ على أنقاضَ المَاضي. 
فهل تملكُ دولنا وانَظمتنا الأرادةَ و المقدرةَ الحقيقيةَ، والشُروطَ الموضوعيةَ لِبناءِ مَشروعِها لمُواجهةِ منْ يسَتهدفونها ؟
اعتقد أنَ الرسالةَ وَصلتْ، وأصواتُ الأجراس سُمعت وارتد صَداها في فلسطين و العِراقِ وسوريا واليمن والبحرين وليبيا ومصر وتونس والسودان والصومال، فهل من صحوةٍ بعد سُباتٍ، او حركةٍ بعدَ تَوقفٍ ؟

شاهد أيضاً

العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية

(ثقافات) “طربوش أبو عزمي العلي”:   العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية زياد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *