*أوس داوود يعقوب
في عالم الجوائز الأدبية العربية ما أن يعلن عن المتوجين حتى يبدأ الجدل بين القابل والرافض، وقد يصل الرفض عند بعض المثقفين إلى ممارسات غريبة أشبه بالتكفير، كل هذا نظرا إلى غياب الرؤية النقدية الواضحة التي يمكنها إعادة ترتيب الساحة الأدبية بشكل ناجع. “العرب” التقت الناقد الفلسطيني إبراهيم أبوهشهش في حديث عن النقد والشعر والجوائز.
يأخذنا الحديث مع الناقد والأكاديمي الفلسطيني إبراهيم أبوهشهش، أستاذ الأدب الحديث في جامعة بيرزيت ورئيس دائرة اللغة العربية فيها والعضو السابق في مجلس أمناء “مؤسسة محمود درويش”، إلى أكثر من مسار لنقف وإياه على واقع حركة النقد فلسطينيا وعربيا، وأين نحن من الحداثة اليوم، ونتطرق معه إلى واقع الشعر الفلسطيني اليوم بعد ثماني سنوات على غياب محمود درويش، معرجين على معنى أن تكون هناك جائزة باسم الشاعر الراحل، وما أثاره منح هذه الجائزة في دورتها السابعة (2016) مؤخرا، للشاعر الفلسطيني غسان زقطان والروائي اللبناني إلياس خوري والكاتبة الأميركية أليس والكر، من جدل في الأوساط الأدبية والثقافية في فلسطين وخارجها.
نقد غير مخلص
يرى أبوهشهش أن حركة النقد الأدبي العربي اليوم في وضع مأزوم، فالنقاد العرب المعاصرون لم يستطيعوا أن يبلوروا نظرية خاصة بالمدونة الأدبية العربية، كما أننا نعيش في عصر معولم، كما يرى ضيفنا، لكنه يستثني من ذلك النقاد العرب الأميركيين من هذا الوضع، مثل إدوارد سعيد وإيهاب حسن اللذين تركا أثرا عميقا باقيا في الفكر النقدي المعاصر في العالم.
يتابع أبوهشهش “مشكلة النقد لا تنفصل عن غيرها، فنحن نعيش أزمة شاملة ونشعر بعجزنا منذ قرون عن الإسهام بحصتنا من التقدم الإنساني، وهو أمر له علاقة أيضا بتخلف التنمية في المجالات الأخرى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعلمية، فنحن مازلنا نطرح الأسئلة التي تجاوزتها البشرية منذ قرون. وهذا ما قد يفسر ما نراه في حياتنا المعاصرة من تزامن قيم تنتمي إلى عصور مختلفة، وإذا كان ذلك من نتائج العولمة من ناحية، فهو من الناحية الأخرى يدل على أننا لم نفرغ بعد من الإجابة عن أسئلة الحداثة الأساسية التي بدأ طرحها منذ حملة نابليون”.
ومن جهة أخرى يرى ضيفنا أن النقد الأدبي العربي المعاصر لا يقوم بواجبه كما ينبغي في متابعة السوق الأدبية وإبداء رأيه في ما يجري نشره بإفراط وتداوله من أعمال، وهو ما جعل الحابل يختلط بالنابل، وأدى إلى كل هذا اللبس بين معيار الشهرة والرواج ومعيار القيمة الأدبية، كما يقول. إذ يشدد على أن النقد كان في النصف الأول من القرن العشرين أكثر إخلاصا في القيام بواجبه من حيث متابعة ما كان يصدر من أعمال مما هو عليه الآن، على الرغم من الشوط المتقدم الذي قطعته النظريات والأدوات النقدية المستمدة من المنجز المعرفي الغربي الحديث.
ويواصل إبراهيم أبوهشهش عن رأيه في تأثير الحداثة على الأدب، فيشير إلى أن الحداثة من أكثر المصطلحات المتداولة غموضا، وهو مصطلح يجري استخدامه منذ أكثر من قرنين بوصفه تصورا شاملا للحياة الإنسانية المعاصرة وأنشطتها المختلفة.
ويضيف “أما في ما يتعلق بالأدب العربي فلا شك أنه قد خاض على صعيد الأشكال والأجناس والمضامين حالة من التحديث منذ ما يسمى بعصر النهضة حتى الآن. وأظن أن سيادة الرواية وقصيدة النثر هما من علامات هذه الحداثة على الأقل من ناحية الكم والشكل. أما من حيث التيارات العميقة في الثقافة العربية فنحن لا نزال في حالة ارتباك شديدة”.
يعتبر إبراهيم أبوهشهش واحدا من المتخصصين في تراث درويش الأدبي، وفي الشعر الفلسطيني عامة، يقول ضيفنا، بعد نحو ثماني سنوات من رحيل صاحب “أثر الفراشة”، “من سمات الأدب أنه ينمو ويتراكم بالتجاور، أي أفقيا، وهذا يسمح لأصوات مختلفة ومتفاوتة بأن تتزامن وتتعايش وتستقبل من القراء والمتلقين في وقت واحد. ولا يمكن لشاعر أن يحل محل شاعر سابق كما تحل نظرية علمية محل نظرية أخرى سابقة، أو مثلما يجلس رئيس بلدية على كرسي رئيس بلدية سابق. هناك بعض الأسماء الشعرية في فلسطين وخارجها هي، بلا شك، أسماء كبيرة وذات سمات وشخصيات شعرية مميزة وحضور نوعي. ولكن درويش هو آخر شاعر استطاع على نحو عجيب أن يحقق المعادلة المستحيلة في أن يكون نخبويا وجماهيريا في الوقت نفسه”.
جائزة درويش
عن معنى أن تكون هناك جائزة فلسطينية عالمية باسم محمود درويش يقول الناقد “هذه جائزة ضرورية لفلسطين ولاسم درويش ومكانته العالمية على حد سواء، فدرويش ليس شاعرا استثنائيا فحسب، بل لقد استطاع أيضا من خلال مزجه بين السؤال الوطني والسؤال الوجودي من ناحية، وبين القيم الفكرية والقيم الجمالية الأصيلة والمبتكرة من ناحية أخرى، أن يجعل من فلسطين قضية كونية، وأن يخلق فلسطين جمالية إلى جانب فلسطين القضية السياسية. إنه واحد من أهم شعراء العصر، ومن هنا أيضا يجب أن تكون جائزة عالمية باسمه”.
وفي تعليقه على منح “جائزة محمود درويش” هذا العام لكل من الشاعر الفلسطيني غسان زقطان، والروائي اللبناني إلياس خوري، والكاتبة الأميركية أليس والكر، يشير مُحدثنا إلى أنه لم يقرأ شيئا لـوالكر، إلا أنه يعرف مواقفها المنحازة للحق والإنسانية والمناصرة للشعب الفلسطيني والمناهضة للتمييز والظلم.
مضيفا “علينا ألا ننسى أن هذه الجائزة هي جائزة للحرية والإبداع، بمعنى أن المواقف المنحازة للإنسان تمثل معيارا أساسيا في منحها. أما إلياس خوري وغسان زقطان فهما بلا شك جديران بهذه الجائزة. بل إنني كنت أظن أنها تأخرت في الوصول إلى إلياس خوري الكاتب الشامل المنحاز كليا لفلسطين. ومن ناحية أخرى أظن أنه من الجيد أن يتوج من حين إلى آخر شاعر فلسطيني متميز تأكيدا على قدرة الفلسطينيين على الإبداع، وعلى استمرار شعلة الشعر بعد درويش على أيدي شعراء استوعبوا منجزه الجمالي وكتبوا قصيدتهم الخاصة”.
لكن هناك من يرى أن هذه الجائزة تمنح على خلفيات سياسية، بينما يعتقد ضيفنا أن كل الذين فازوا بهذه الجائزة حتى الآن جديرون بها، حتى لو لم يفز بها مبدعون آخرون ربما يكونون جديرين بها أيضا أو حتى أكثر جدارة، فهذا أمر يحصل دائما، كما يقول، مستشهدا بتولستوي الذي مات دون أن يُمنح “جائزة نوبل” بينما هو أعظم أديب في عصره، في حين منحت “نوبل” لأدباء كبار أيضا ولكن أقل قيمة من صاحب “الحرب والسلم”. ويتابع الناقد “أما منح الجائزة على خلفية سياسية فهو أمر قابل للنقاش من جوانب عدة، فالممارسة الثقافية المعاصرة عموما مشبعة بالوجدان السياسي، ولا يمكن للمثقف أن يبقى بمعزل عما يجري حوله، وجل ما يحدث في الزمن العربي المعاصر بل في العالم بأسره هو من فعل السياسة ونتائجها”.
يُشار إلى أن الدكتور إبراهيم أبوهشهش، ناقد ومترجم وأكاديمي. أستاذ الأدب الحديث في جامعة بيرزيت ورئيس دائرة اللغة العربية فيها. نشر عددا من الدراسات في الأدب الحديث والأدب المقارن، وصدرت له عدة كتب مترجمة عن الألمانية في الفكر والأدب وكتب الأطفال. وهو عضو سابق في مجلس أمناء “مؤسسة محمود درويش” في فلسطين المحتلة. استضاف مؤخرا اتحاد الكتاب العراقيين في كربلاء الشاعر عادل الصويري، الذي وقع مجموعته الشعرية “متسع لهامش الماء”، في حدائق المكتبة المركزية في كربلاء، وأقام أمسية شعرية أدارها صلاح السيلاوي.
___
*العرب