*علاء الدين السيد
يبدو أن قدرات الذكاء الصناعي بدأت تأخذ منحنىً غير مسبوق، ويبدو أن كل ما كنا نتندر به عن الذكاء الصناعي وكيف أنه سيقوم بسرقة وظائفنا في المستقبل. وقد كان أغلبنا ينظر إلى روبوتات الذكاء الصناعي في وظائف مستقبلية مثل الجراحة والتحليل الاقتصادي وأعمال المنزل وغيرها.
لكن من منا كان ليتخيل وجود روبوت ذكاء صناعي في مهنة محامٍ، نعم الأمر أصبح حقيقة ويبدو أن المحامين سيواجهون تحديًا غير مسبوق من أجل الحفاظ على وظائفهم في المستقبل، ليس خلال عدة عقود ولكن خلال السنوات القليلة القادمة.
المحامي روس
من أكثر الصفات سيئة السمعة التي التصقت بمهنة المحاماة وبالمحامين بشكل كبير هي أنهم أشخاص لزجون متملقون ومتآمرون، لكن المحامي «روس» لا يملك أيًا من هذه الصفات.
يمكن لنا أن نطلب من روس البحث عن حكم محكمة مغمور وغير معروف جرى منذ 13 سنة مضت، ليفاجئك روس (ليس فقط بالبحث عن هذا الحكم وتفاصيله في نفس اللحظة وبدون أي شكوى أو تنافس سلبي ما) لكنه سيقدم لك الآراء القانونية التي تتعلق بهذا الحكم السابق وعلاقته بالقضية الحالية وأهمية الاستناد لهذا الحكم في مسار القضية الحالية وذلك بلغة واضحة ومفهومة وسلسة.
ويقول صانعو هذا الروبوت المميز بلغة ساخرة أن الشيء الوحيد الذي لا يمكن لهذا المحامي الجديد القيام به هو جلب القهوة، فهو محامٍ محترف وليس مساعد مكتب صغير الشأن. وبالطبع هذا أمر لا يمكن أن نلومه عليه، فروس هو قطعة مميزة من برمجيات الذكاء الصناعي التي تستخدم القوة الحاسوبية الخارقة لشركة «آي بي إم- IBM» من أجل إجراء عمليات تمشيط ومسح كامل خلال دفعات هائلة من البيانات.
وتتميز هذه القطعة البرمجية الرائعة أنها – مع مرور الوقت – تتعلم كيف تخدم المستخدمين بصورة أفضل. وقد ذكر الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لمشروع روس للذكاء الصناعي، أندرو أرودا، وذلك لموقع بيزنس إنسايدر إن قرارات القضاة وأحكامهم تكون مكتوبة باللغة اليومية المعتادة التي يتعامل بها البشر يوميًا ولا تصدر في صورة أعمدة وصفوف، هذه الصورة يسهل هضمها عبر أنظمة الكمبيوتر المستخدة حاليًا.
ويضيف أرودا أن التحدي في بناء روبوت روس تمثل في إيجاد الوسيلة التي تجعل تعامله مع الإنسان تعاملًا بديهيًا مما يجعله أقرب بالفعل إلى الزميل البشري. هذا التحدي كان يعني برمجة روس بطريقة تجعله يستجيب لطريقة تحدث الناس الطبيعية بطريقة مشابهة وليس من خلال بعض المقاطع الرئيسية المحملة.
بدأ يباشر عمله
ويبدو أن العمل الشاق الذي شهده صانعو ومبرمجو هذا الذكاء الصناعي الفريد من نوعه قد وجد من يقدره، فبمجرد الإعلان عن المحامي روس قام مكتب المحاماة «بيكر آند هوستيتلر- Baker and Hostetker» الذي يعمل في مجال إفلاس الشركات والأفراد، بتوظيف المحامي الجديد بوصفه أحدث المنضمين إلى طاقم العمل به.
ويقول أرودا إن هناك عدة شركات أخرى وقعت بالفعل على الترخيص والعقد الخاص بتشغيل خدمات روس، والتي سيتم الإعلان عنها قريبًا خلال أسابيع قليلة. وطبقًا لما يتخيله مصنعو روس في عالمهم المثالي، فإن جميع مكاتب المحاماة سوف تحتاج لاستخدام قوة الذكاء الصناعي من أجل محاولتها تحقيق العدالة.
وضرب أرودا المثل بالولايات المتحدة الأمريكية لتوضيح هذه النقطة وتأكيدها، فحوالي 80% من الأمريكيين الذين يحتاجون إلى المحامي لا يمكنهم توفيره والحصول على خدماته بسهولة خصوصًا بسبب النواحي الاقتصادية. هذا الأمر يحدث في الولايات المتحدة على الرغم من كمية المحامين الكبيرة المتوفرة هناك والتي يصفها البعض بأنها مثل تدفق صنبور المياه.
وباستخدام روس فإن المحامين يمكنهم قياس قدراتهم وجدولتها والبدء بخدمة السوق الكبير من المواطنين الذين يحتاجون بشدة إلى خدمات المحامين، لكنه لا يتأجرهم لارتفاع أتعابهم وهو ما يجعل هناك محامين عاطلين عن العمل أيضًا. وبعبارة أخرى، فإنه وباستخدام أنظمة الذكاء الصناعي مثل روس فإن مكاتب المحاماة ستحصل على أتعاب أقل لأنها لن تقوم بالدفع إلى البشر الذين، وعلى عكس روس، يفضلون الحصول على مقابل مادي تجاه كل خدمة يؤدونها للعملاء.
وبالإضافة إلى هذا فإن هؤلاء المحامين الذين لا يجدون عملًا، سيتمكنون من خلال استخدامهم أنظمة الذكاء الصناعي من تقديم الحد الأدنى من الإمكانيات والقدرات التي يحتاجها السوق، وهو ما سيسمح لهم بتقديم خدماتهم بأسعار معقولة وأقل من المعتاد إلى العملاء. وبالطبع فإنه عندما يأتي الوقت لمعارضة مكاتب المحاماة الكبيرة ومواجهتها في المحاكم فسيكون من مصلحة هؤلاء المحامين أن يقف بجانبهم نابغة في مجال المحاماة والقوانين.
القانون بالنسبة لشركات المحاماة الكبيرة وبالنسبة للمحامين الصغار هو شيء واحد لا يختلف، فلا يهم في هذه الحالة إذا ما كنت تملك 20 زميلًا مساعدًا يقومون بعمليات البحث على قضية ما، أو إن كنت تملك فقط جهاز ذكاء صناعي مثل روس الذي يمكنه أن يجد لك جميع العلاقات ذات الصلة بقضيتك في القانون والقضايا السابقة.
هذا الأمر سيغير من المسلمات السابقة الخاصة بالقدرات الكبيرة لمكاتب المحاماة العملاقة على حساب المحامين الفرادى، وبالتالي فإن مثل هذه الأنظمة الذكية ستجعل المحامين مهما كان مركزهم ومحل عملهم يركزون على القضية الخاصة بالعميل وسيصبحون أكثر إبداعًا بدلًا من قضاء ساعات طويلة في البحث عن الروابط وقراءة مئات الصفحات والبحث في أرشيف القضايا وعشرات المراجع القانونية.
وظائف أخرى مهددة
ليست مهنة المحاماة فقط هي المهددة من قبل الذكاء الصناعي، فالمحللون يتوقعون أن 30% تقريبًا من الوظائف التي يقوم بها البشر حاليًا سوف يسيطر عليها الإنسان الآلي بحلول عام 2025.
فعند الحديث عن الأرقام والحسابات والتعامل معها، فلن تجد أفضل من العقل الإلكتروني ليقوم لك بما تحتاجه من تحليلات وعمليات حسابية معقدة. إذ يمكن للذكاء الصناعي أن يخزن ويراجع كميات غير محدودة من البيانات ويعرضها لك بالطريقة التي تتمناها. هذا الأمر سيجعل نظام الذكاء الصناعي هو أفضل من ينال وظيفة المحلل المالي في الشركات والأعمال التجارية والاقتصادية المختلفة.
أحد أكبر المخاوف للعاملين في مجال الصحافة هو أن تحل الروبوتات محلهم في كتابة التقارير وتنسيقها في المجالات الرياضية والاقتصادية وغيرها من المجالات. فهناك شركة متخصصة في إنتاج القصص من خلال الإنسان الآلي تسمى
«Narrative
Science»، وشبكة فوكس الإخبارية الشهيرة، هي أحد عملاء هذه الشركة والتي تقوم باستخدام تقاريرها الخاصة ببعض الرياضات مثل البيسبول والسوفتبول. كذلك فإن وكالة أنباء الأسوشييتد برس الشهيرة قامت بتجربة العام الماضي؛ لإنتاج نوعيات من التقرير المبنية على الذكاء الاصطناعي.
الصيدليات الإلكترونية تمثل نقلة عملاقة حاليًا في مجال الطب وصرف الدواء للمريض حول العالم. بالفعل فإن هذه الأنظمة الإلكترونية للصيدليات بدأت تحل محل وظيفة الصيدلي بشكل متسارع حول العالم دون وجود أي دلالات على احتمال قلة معدلات الاستبدال هذه. أحد المراكز الطبية العملاقة في الولايات المتحدة الأمريكية يملك بالفعل نظام صيدلية إلكترونية لصرف الدواء للمريض في اثنين من مستشفياته. هذا النظام الإلكتروني قام عام 2012م بصرف قرابة 350 ألف وصفة دوائية.
هذا النظام الإلكتروني يقوم بتلقي وصفة العلاج التي كتبها الطبيب بشكل إلكتروني ليقوم باختيار الدواء وتعبئته وصرفه للمريض بعدها دون أي تدخل من البشر.
_______
*ساسة بوست