تقنية القراءة السريعة… غير فاعلة!


في عام 2007، بعد فترة قصيرة من صدور آخر جزء من سلسلة Harry Potter ، قرأت آن جونز (فازت ببطولة العالم في القراءة السريعة ست مرات) جميع صفحات الكتاب التي بلغ عددها 784 خلال 47 دقيقة! للتأكّد من أنها قرأت الكتاب فعلاً، لخّصت جونز النقاط الأساسية من الحبكة أمام مجموعة من المراسلين، فأعجبهم تقريرها الارتجالي عن الكتاب لأنه يؤكد أنها قرأته بمعدل 4200 كلمة في الدقيقة. 

حتى الراشدون الذين يُعتبَرون «قرّاءً جيدين» يستطيعون أن يقرأوا بين 200 و400 كلمة في الدقيقة لا أكثر. يبدو الوعد بتسريع القراءة مربِكاً ولهذا السبب على الأرجح انتشرت هذه الفكرة منذ الخمسينيات على الأقل، حين ابتكرت إيفلين وود برنامجها التدريبي «ديناميات القراءة».
كتب عالِمان يدرسان مفهوم القراءة في صحيفة «نيويورك تايمز» حديثاً أن وود اكتشفت عدم فاعلية القراءة البطيئة. أوضح جيفري زاكس وريبيكا تريمان: «ركّز الدرس على تعليم الناس طريقة تخفيف حركات العين على طول الصفحة، ما يعني أنهم يستوعبون معلومات إضافية مع كل نظرة خاطفة». تشكّل هذه الطريقة أساس عددٍ من الحلول المعاصرة والمدعومة من التكنولوجيا لزيادة الكلمات التي تستوعبها مقلة العين، بما في ذلك التطبيقات التي تستعمل تجسيداً بصرياً متسلسلاً وسريعاً: تستطيع هذه التطبيقات تسريع قراءة الكلمات أكثر مما تفعل العينان وحدهما.
شاركت تريمان في كتابة المقالة التي ستظهر في نسخة شهر مايو المقبل من مجلة {علم النفس في المصلحة العامة} لمراجعة الأدلة الخاصة بالقراءة السريعة، واكتشفت أن الأدلة تبقى ناقصة في هذا المجال. كتبت مع زملائها: {تثبت البحوث حصول مقايضة بين السرعة والدقة. من المستبعد أن يتمكّن القراء من مضاعفة سرعة القراءة أو زيادتها بثلاثة أضعاف (من 250 أو 500 إلى 750 كلمة في الدقيقة) تزامناً مع فهم النص بقدر ما يفهمونه عند قراءته بسرعة عادية}.
التصفح السريع
بعبارة أخرى، تعكس المشاكل المرتبطة بمزاعم القراءة السريعة مفهوم {التصفح السريع}. يمكنك أن تشاهد عدد الكلمات الذي تريده أمام عينيك. قد تتمكن من فهم كل كلمة وحدها، لكنها لن تحمل معنىً مفهوماً عند جمعها. لا تنجح عملية تحليل اللغة بهذه الطريقة. في افتتاحية كتبها زاكس وتريمان في صحيفة {تايمز}، شرحا السبب البيولوجي لما يحصل:
في منطقة صغيرة من شبكية العين (اسمها النقرة)، تكون دقة النظر عالية جداً، وتبقى العين محدودة جداً في دقتها خارج تلك المنطقة. يعني ذلك أننا نستطيع استيعاب كلمة تقريباً مع كل نظرة خاطفة، فضلاً عن لمحات صغيرة عن الكلمات الواقعة بقربها. منذ فترة الستينات، أكدت التجارب بشكل متكرر أن الناس الذين يقرأون بسرعة فائقة لا يفهمون أجزاء النص التي تحذفها عيونهم.
لكن يقرأ بعض الناس طبعاً بوتيرة أسرع من غيرهم. لا يكون سرّهم مبهراً جداً ولا يمكن استعماله عن طريق تطبيقات القراءة السريعة المتاحة. كتبت تريمان وزملاؤها في المقالة الواردة في مجلة {علم النفس} أن {أهم عامل لقياس سرعة القراءة يتعلق بالقدرة على تحديد الكلمات}، ما يعني أن سرعة القراءة لدى الفرد ترتبط بمهاراته اللغوية أكثر من سرعة تحريك عينيه. في ما يخصّ الادعاء القائل إن الناس الذين يسمعون {صوتاً داخلياً} حين يقرأون النص تزامناً مع تحريك عيونهم على طول الصفحات يكونون أبطأ من غيرهم في القراءة، تبيّن أنه ادعاء خاطئ وفق الأدلة التي كشفتها تريمان وزملاؤها.

في النهاية، تقضي الطريقة الموثوقة الوحيدة لتسريع القراءة بتوسيع مخزون المفردات، ولا بد من تكثيف القراءة لتحقيق هذه الغاية. بعبارة أخرى، ما من طريقة مختصرة لتلخيص أكوام الكتب التي لم نقرأها بعد! لتسريع القراءة إذاً، اقرأوا المزيد من الكتب!>
______
*جريدة الكويت

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *