نيتشه.. والانقلاب على «المايسترو»



د.مصطفى عبدالرازق*



في حياة كل منا مايسترو.. شخصيته التي يراها تعكس نموذجه الأمثل في الحياة وقدوته التي يتمنى لو حذا خطواتها شبرا بشبر وذراعا بذراع. ويختلف مستوى تقدير المايسترو بين شخص وآخر.. فهناك ما يمكن وصفه بمايسترو العابر سبيل.. تلك الشخصية التي تأخذ بلبك في لحظة معينة من العمر وسرعان ما تخبو والمايسترو الذي لا تجد سوى الانبهار به لدرجة لا تشعر معها سوى بحالة من التوحد معه.. التوحد الذي قد يصل في أقصى مراحله إلى نوع من «الحلول» الحجاجي.

حاول أن تتأمل في مسار التاريخ الموغل في القدم أو الحديث أو في حياتنا العامة بل والخاصة ستجد نماذج مختلفة تعبر عما أود الإشارة إليه، غير أن النموذج الأمثل في تقديري هو الفيلسوف الألماني فردريك نيتشه وعلاقته مع الموسيقار ريتشارد فاجنر.. فهي تعبر عن حالة فريدة من العلاقة التي تربط بين «تلميذ» و«أستاذه» رغم ما قد يبدو للوهلة الأولى من أنه شتان ما بين الرجلين.. فهذا فيلسوف وذاك موسيقار. لقد وصلت الحالة التي يصفها الفليسوف الراحل عبدالرحمن بدوي بنشوة الفناء في البطل بنيتشه إلى أن يقول إنه يشعر وهو بالقرب من فاجنر بأنه في حضرة إله!

غير أن هذه الحالة لا تعبر، كما قد يبدو لك ظاهرياً، فقط عن الإعجاب والتقدير، وإنما تعكس في جانب منها حيلة ووسيلة وقناع يستر به المريد ما يراه أو يتوهمه شيطان عبقريته من خلال الفناء في بطله أو المايسترو لكى يخرج من بعد وقد اكتشف شخصيته هو نفسه.

المشكلة أن الهيام والوجد من نيتشه تجاه فاجنر لم يستمر إذ سرعان ما انقلب عليه معتبراً إياه مهرجاً وعرافاً مخدوعاً ودجالاً شعبياً لا ضمير عنده في ميدان الفن، بل في غيره من الميادين. البعض يقدم تفسيرات متعددة لذلك منها أن نيتشه كان يرى في نفسه موسيقاراً وفشل وغير ذلك غير أن ما يهمنا هو ضخامة الانقلاب على المايسترو.

على صعيدنا المصري هناك نماذج عديدة معروفة وغير معروفة.. خذ مثلاً السادات وناصر.. حيث تحول الأول من الفخر والانبهار بالثاني في «يا ولدي هذا عمك جمال» إلى الانقلاب تماماً على سياساته، فباعد بتحولات مواقفه بين ما كان يسعى إليه ناصر وبين ما تبناه هو بعد ما بين المشرق والمغرب. في حياتنا الصحفية النماذج أكثر من الهم على القلب أكثرها فجاجة ومعاصرة الكاتب عادل حمودة وعلاقته بالمايسترو حسنين هيكل، التي اتسمت بالوله بالأستاذ، وهي العلاقة التي سرعان ما لحق بها الانقلاب وانعكست في «خريف هيكل» الكتاب الذي لم يراعِ فيه حمودة ما راعاه هيكل نفسه مع السادات حين راح ينسب الخريف للغضب دون نسبته للسادات في تقدير للخصم رغم الخلاف معه.

لكل هذه الأسباب عندما أرى علاقة «المسترة» بين الأستاذ وتلميذه، الشيخ ومريده، تصل إلى هذا الحد من التوحد، أضع يدى على قلبي خوفاً من الانفجار القادم.. اللهم خفف عنا غوائل الأيام!!

* الوفد.

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *