تاريخ التكفير في “نواب الله” للشهاوي


**طارق عبد الفتاح


صدر من أيام كتاب «نواب الله» عن الدار المصرية اللبنانية، يبحر فيه الشاعر أحمد الشهاوي في مناطق مظلمة ومسكوت عنها في تاريخ التكفير والقتل والتعذيب وإحراق الكتب والتفنن بتعذيب المعارضين والعلماء والمفكرين، هذا التكفير الذي لم يسلم منه حتى الخلفاء والحكام باسم الدين، فالخلفاء الراشدون قتلوا جميعاً، وشهدت الدولة الأموية قتل خمسة خلفاء، والعباسية شهدت مقتل اثني عشر خليفة!

يكشف الكتاب تخاذل دور النشر عن نشر الكتب التنويرية، فاضحاً ما يراه دوراً وهابياً في تمويل بعض دور النشر المصرية، فنجد أن كتب المتشددين والإخوان يعاد نشرها عدة مرات، بينما تمنع كتب الصوفية وكتب التراث والمجددين.
ويحذر الشهاوي «من أن القتل في بر مصر لن يتوقف وفيها شيوخ يحتلون مناصب في الأزهر ووزارة الأوقاف، وهم عتاة في التشدد والغلو، وأبعد ما يكونون عن الاعتدال والوسطية، ينتمون إلي الإخوان والسلفية، ويكرهون التصوف، فتحوا الأبواب للوهابية أن تدخل حتى عمت، وانتشرت في ربوع مصر مدارسها ومعاهدها الأزهرية خصوصاً.
يشير المؤلف إلي أن تاريخ الفتاوى المتهافتة قديم أيضاً: (فقد سئل يوماً عطاء بن رباح مفتي مكة عن حكم قتل الذباب في الحرم، فأجاب: من أين القوم؟ قالوا: من العراق، فقال: الله الله يا أهل العراق، قتلتم الحسن والحسين وتأتون الآن، لتسألوا عن حكم قتل الذباب في الحرم؟. ومنذ أيام ظهرت فتوى تفيد بجواز قتل البعوض بالصاعق الكهربائي طالما أن البعوض لن يتعذب.! وفتوى قبلها بجواز أكل لحم الجان.! يرفض الكتاب التعامل مع الأسلاف كالعميان وينزع التقديس عن البخاري، ويتعجب من اجتماع الثراء الفاحش والدعوة لله! ويؤكد أن تجارة الدين تروج دائماً عندما تتخبط المجتمعات في الجهل، ويستشهد بمقولة الإمام محمد عبده: (القرآن هو الدليل الوحيد الذي يعتمد عليه الإسلام في دعوته، وما عدا ذلك مما ورد في الأحاديث سواء صح سندها واشتهر أم ضعف فليس مما يوجب القطع.
ويتتبع داعش في جذور تاريخنا القديم ويرجع ظهورها الحديث لتبني ثقافة الصحراء لهم بالدعم والتمويل، ويربط بين داعش وبين الإخوان والسلفية التكفيرية، ويكشف كيف أخفت جماعة الإخوان كتاب («صريع الغواني» لمرشد الجماعة ومؤسسها حسن البنا، تناول فيه سيرة الشاعر العباسي مسلم بن الوليد الذي لقبه هارون الرشيد بصريع الغواني، ويقول الشهاوي (لا أستنكر كشاعر أن يذهب البنا لعالم الغواني والجواري والخمر، ويترك سيرة الشاعر حسان بن ثابت شاعر الرسول عليه الصلاة والسلام! إلا أن من يختار علماً يدرسه أو يحقق كتاباً له أو إرثاً تركه، فلابد أن يكون هناك إعجاب خفي بهذا العلم وعالمه، دعنا من التشابه والتماثل والاقتناع والإيمان أو اشتراك الصفات بين الباحث والمبحوث أو بين الدارس والمدروس.
كما يرصد الكتاب كيف لعب الإحباط العاطفي والفشل الأدبي دوراً جوهرياً في تحولات نفسية عميقة لدي سيد قطب، دفعته لعدم استكمال محاولاته الشعرية والنقدية، وتكفير المجتمع الإنساني كله، والسؤال هو ما الذي يدعو شاعراً كالشهاوي لأن يترك إبداعه ويبحر في مناطق ملغومة بحثاً عن الحقيقة إلا هذا الساطور المعلق فوق رؤوسنا جميعا مفكرين ومبدعين ومجددين وكتاباً وصحفيين، ساطور التكفير! «نواب الله» صرخة تحذير واحتجاج ضد التكفير وضد تجريم التفكير.
____
*الوفد/خبير إعلامي – كبير مقدمي البرامج بقناة النيل الثقافية

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *