*علي عبيدات
خاص ( ثقافات )
فروغ
فروغ فرخزاد (1935/1967) واحدة من أشهر الشاعرات الإيرانيات ورائدات التمرد على العادات والتقاليد والمضامين الشعرية في إيران، وتعد من رواد الشعر الحديث في إيران (الشعر النيميائي)، وهي أول شاعرة إيرانية وصفت الحبيب بأدق تفاصيله بينما تنغمس معه في حالة العشق دون ضوابط.
ولدت فروغ لعائلة طهرانية محافظة في عام 1935 ولها ستة أشقاء، ولم تكمل تعليمها إلا للمرحلة الإعدادية لتتزوج بعد أن أتمت عامها السادس عشر من برويز شابور، وبعد الزواج أكملت فروغ دراستها عبر دروس الرسم والخياطة ثم انتقلت مع زوجها إلى الأهواز حيث كان يعمل، وبعد عام رزقت بابنها الوحيد.
بعد أقل من عامين انفصلت فروغ عن زوجها الذي كسب حضانة الابن مما دفع فروغ إلى استكمال مسيرتها الأدبية بحرقة غياب ابنها ودون التزامات بذات الوقت، لتعود إلى طهران وتتفرغ للشعر، وأصدرت أول ديوان لها في عام 1955 بعنوان (أسيرة).
انتبه المشهد الثقافي الإيراني لفروغ التي كانت تمثل صرخة نسويّة تضج بحدّة لم يعهدها المشهد الثقافي الإيراني، فهي تصف قبلة الحبيب وتتهكم على العادات والتقاليد بشعر رصين وقوي لم يجعل منها كاتبة شاذة عن الجمع فقط بل صاحبة رؤية ثاقبة ومشروع نهضوي على مستوى المرأة الإيرانية والأدب النسوي.
في عام 1958 قامت فروغ بجولة في أوروبا بهدف العمل السينمائي الذي كانت مغرمة به، وتعرفت بالمنتج والكاتب الإيراني إبراهيم جولستان الذي يعد واحدا من المستنيرين في ايران في تلك الحقبة، وبين نشرها لدواوين شعرية أثرت تجربتها الشعرية صوّرت فيلماً سينمائياً عن الإيرانيين المصابين بالجذام بعنوان “البيت الأسود” وحصد أهم الجوائز العالمية، وكان لأخيها المغني والشاعر والناشط السياسي فريدون فرخزاد لمسّات دعم ومساندة لم تنكرها فروغ طيلة حياتها. وكان يوم 14 فبراير 1967 آخر أيام فروغ في الحياة قبل أن تموت في حادث سير وهي ابنة الثانية والثلاثين عاماً لتترك وراءها ارثًا شعريًا مهمًا وعلامة فارقة في تاريخ الشعر الفارسي الحديث.
اسمعْ
هل تصيخ لهسيس الليل؟
بينما أراقبُ السعادة بانشدّاه
وأتماهى مع حزني.
اسمعْ
هل تصيخ لهسيس الليل ؟
شيءٌ ما يقاد الآن بين ردهات الليل
والقمرُ محمرٌ وقلق.
على هذا السطح الذي يدنو من الهاوية
بمرور كل لحظة ريبّة
تتأهبُ الغيوم كسواد رواد بيت العزاء
لحظةً فقط، ثم العدم.(من قصيدة ستسلبنا الريح)
قصيدة خالدة
وعلى عتبات السنة الجديدة 2016 يحتفل محبو فروغ فرخزاد بعيد ميلادها الثمانين، فرغم عمرها القصير وموتها المبكر تركت فروغ بصمة كبيرة في الشعر الفارسي المعاصر وأثراً طيباً في الآداب الأخرى التي اهتمت بشعرها كالأدب العربي والفرنسي والأنجليزي وغيرها من لغات الدنيا التي ترجمت أعمال فروغ فرخزاد واهتمت بها.
ويقول السيد مهرداد فرخزاد آخر أخ حي من عائلة فروغ:” صورت الصحافة الإيرانية والد فروغ على أنه رجل قاس ونزق، رغمه انه رجل يحب الشعر وله بعض الدواوين التي لم تُنشر للأسف ، وكان رساماً وشاعراً ويكتب القصص. وكان قريباً من فروغ، أما شقيقتها بوران فقد ردت على سؤال” لماذا يردد الشباب شعر فروغ رغم انها ماتت قبل نصف قرن؟”، فترى بوران أن فروغ كانت تنقل مشاعرها بصدق تام وهي شاعرة واقعية. “وكلما قرأت شعرها أو تذكرت كلامها أقول في نفسي.. يا لها من رائعة”.
وثمة شهادة مهمة شهد بها رائد قصيدة النثر في إيران وأحد أعمدة الحداثة الشعرية، وهو أحمد شاملو الذي قال: ” فروغ شاعرة كبيرة نأى شعرها بها عن البحر الكبير والشيطان والقوافي، فهي لا تحيك قصصًا خيالية وصادقة في حرفها الذي بوسع الإنسان أن يسمعه لأنها حروف إنسانة صادقة، وشعر فروغ شعر جميل، ولعل هذه الصفة معيار كافٍ للحكم على شعرها، وأعظم ما في هذه الشاعرة أنّني لم أكن أعرف الشيء الذي تبحث عنه في شعرها وهنا تكمن عظمتها”.
وفي رثاء فروغ كتب الشاعر الإيراني الكبير مهدي أخوان ثالث، أحد أبرز القامات الشعرية في الشعر الفارسي الحديث قصيدة بيّن فيها مدى وجعه على فراق فروغ بعنوان “حزنٌ وألم”، وكذلك ابن جيلهم الشاعر الكبير سهراب سبهري الذي كتب في رثاء فروغ قصيدة وصفت بالعجيبة بعنوان “صديقة”، ومثله الإعلاميين والسياسيين والنقاد والمثقفين.
في مقبرة ظهير الدولة بالعاصمة الإيرانية طهران تنام فروغ فرخزاد في قبرها نومة الأبدية، ولا يخلو قبرها من زهور الأوآنس الإيرانيات اللواتي يزرنَّ قبرها دائماً، وكُتِب على قبرها مقطع من شعرها:
“من نهاية الليل أتحدث
من ذروة الظلام وأقاصي الليل أنطِق
فإن جئت إلى بيتي أيها الحنون
أحضر لي سراجاً ونافذةً أرى منها
ازدحام الزقاق السعيد”. (من قصيدة أتحدثُ من نهاية الليل).
____
*شاعر ومترجم من الأردن